الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في نفل السرية تخرج من العسكر

                                                                      2741 حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا الوليد بن مسلم ح و حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي قال حدثنا مبشر ح و حدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم المعنى كلهم عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وانبعثت سرية من الجيش فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي قال قال الوليد يعني ابن مسلم حدثت ابن المبارك بهذا الحديث قلت وكذا حدثنا ابن أبي فروة عن نافع قال لا تعدل من سميت بمالك هكذا أو نحوه يعني مالك بن أنس [ ص: 330 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 330 ] 157 - باب في النفل للسرية تخرج من العسكر

                                                                      السرية طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو .

                                                                      ( قبل نجد ) : بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها ( فكان سهمان الجيش ) : بضم السين المهملة وسكون الهاء جمع سهم بمعنى النصيب ( اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ) : أي كان هذا القدر لكل واحد من الجيش ( ونفل ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( أهل السرية ) : أي أعطاهم زائدا على سهامهم ( فكانت سهمانهم ) : أي مع النفل فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له من العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره .

                                                                      وقال عمرو بن شعيب : ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون من بعده .

                                                                      وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك ، لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز .

                                                                      قال في الفتح : وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته .

                                                                      وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال .

                                                                      واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك ، فروي عنه أنه من أصل الغنيمة ، وروي عنه أنه من الخمس ، وروي عنه أنه من خمس الخمس ، والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ، ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم .

                                                                      وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم : النفل من أصل الغنيمة : وقال مالك وطائفة : لا نفل إلا من الخمس .

                                                                      قال ابن عبد البر : إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش [ ص: 331 ] لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة ، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى .

                                                                      وقال الخطابي : في الحديث أن السرية إذا انفصلت من الجيش فجاءت بغنيمة فإنها تكون مشتركة بينهم وبين الجيش لأنهم ردء لهم .

                                                                      واختلفوا في هذه الزيادة التي هي النفل من أين أعطاهم إياها ، فكان ابن المسيب يقول إنما ينفل الإمام من الخمس يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس من الغنيمة ، وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو عبيد .

                                                                      وقال غيرهم إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفل من الغنيمة التي يغنموها كما نفل القاتل السلب من جملة الغنيمة قال وعلى هذا دل أكثر ما روي من الأخبار في هذا الباب ، انتهى مختصرا .

                                                                      والحديث سكت عنه المنذري .

                                                                      ( حدثت ابن المبارك بهذا الحديث ) : المذكور من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع ( قلت ) : هذا أيضا مقولة الوليد بن مسلم ( وكذا حدثنا ابن أبي فروة ) : هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ضعيف جدا .

                                                                      قال البخاري تركوه ، وقال أحمد لا تحل الرواية عنه ، أي حدثنا به ابن أبي فروة كما حدثنا به شعيب ( قال ) : عبد الله بن المبارك مجيبا للوليد ( لا يعدل ) : بصيغة المضارع الغائب كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها بصيغة النهي الحاضر أي لا يساوي في الضبط والإتقان والحفظ ( من سميت ) : بصيغة الخطاب أي من ذكرت اسمه وهو شعيب وابن أبي فروة ، وهذه الجملة فاعل لا يعدل ( بمالك ) : بن أنس الإمام ، فشعيب دون مالك في الحفظ وابن أبي فروة ضعيف ( هكذا أو نحوه ) : أي قال ابن المبارك هكذا بهذا اللفظ أو نحو هذا اللفظ ( يعني مالك بن أنس ) : هذا تفسير من أحد الرواة أي أراد ابن المبارك بمالك مالك بن أنس .

                                                                      وأما معنى كلام ابن المبارك فهو أن في رواية شعيب وابن أبي فروة ، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثلاثة عشر .

                                                                      وأما مالك بن أنس الإمام فرواه بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد ، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا بالشك أو أحد عشر بعيرا كما في الموطأ من رواية يحيى الليثي .

                                                                      [ ص: 332 ] قال ابن عبد البر : اتفق رواة الموطأ على روايته بالشك إلا الوليد بن مسلم فرواه عن شعيب ومالك جميعا فقال اثني عشر فلم يشك وكأنه حمل رواية مالك على رواية شعيب وهو منه غلط .

                                                                      وكذا أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك والليث بغير شك ، فكأنه أيضا حمل رواية مالك على رواية الليث والقعنبي إنما رواه في الموطأ على الشك ، فلا أدري أمن القعنبي جاء هذا حين خلط حديث الليث بحديث مالك أم من أبي داود .

                                                                      وقال سائر أصحاب نافع اثني عشر بعيرا بلا شك لم يقع الشك فيه إلا من قبل مالك .

                                                                      كذا في شرح الموطأ للزرقاني فصار الاختلاف في عدد السهام .

                                                                      وفي رواية شعيب : " نفل أهل السرية " وفاعل نفل هو النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                      وقال مالك في روايته " ونفلوا بعيرا بعيرا " فالاختلاف بينهما في الموضعين والله أعلم .

                                                                      وقوله : نفلوا بضم النون مبني للمفعول أي أعطي كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق له بعيرا بعيرا .

                                                                      واعلم أنه اختلفت الرواة في القسم والتنفيل هل كانا معا من أمير الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما ، فلأبي داود عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر " أن القسمة من النبي صلى الله عليه وسلم والتنفيل من الأمير " .

                                                                      وأخرجه أبو داود أيضا من طريق شعيب عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه : فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا ، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا وأخرجه ابن عبد البر من هذا الوجه وقال في روايته : إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف أي الذي خرجت منه السرية الخامسة عشرة كما عند ابن سعد وغيره وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وأجازه لأنه قال فيه : ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عنده أيضا : ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وهذا يحمل على التقدير ، فتجتمع الروايتان معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت نسبته لكل منهما .

                                                                      قال في الاستذكار في رواية مالك إن النفل من الخمس لا من رأس الغنيمة وكذلك رواه عبد الله وأيوب عن نافع ، وفي رواية ابن إسحاق عنه أنه من رأس الغنيمة لكنه ليس كهؤلاء في نافع انتهى .

                                                                      وذهبت تلك السرية في شعبان سنة ثمان قبل فتح مكة قاله ابن سعد وذكر غيره أنها [ ص: 333 ] كانت في جمادى الأولى ، وقيل في رمضان من السنة وكان أميرها أبو قتادة وكانوا خمسة عشر رجلا ، وكان عبد الله بن عمر في تلك السرية .

                                                                      قاله الحافظ : كذا في الشرح لأبي الطيب وأطال الكلام فيه .




                                                                      الخدمات العلمية