الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : هل يجوز لولي الصبي أن يلبسه الحرير أم لا ؟ :

فجوزه في الأولى وحرمه في الأصح على هذه الصبيان من مصمت زد

( فجوزه ) أي لبس الحرير ( في ) القول ( الأولى ) بالقبول والصحة من غيره ، وهو بفتح الهمزة وسكون الواو ( وحرمه ) أي حرم إلباس الحرير ( في الأصح ) من الروايتين .

قال في الآداب : هل يجوز لولي الصبي أن يلبسه الحرير - زاد غير واحد والذهب - على روايتين أشهرهما التحريم ( على ) أولياء ( هذه الصبيان ) إذ هم المخاطبون دون الصبيان لعدم تكليفهم ، وهو قول مالك وبعض الشافعية ، وهو المذهب بلا ريب ، جزم به في الإقناع ، والمنتهى ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { حرام على ذكور أمتي } ولقول جابر رضي الله عنه " كنا ننزعه من الغلمان ونتركه على الجواري رواه أبو داود . وكون الصبيان محلا للزينة مع تحريم الاستمتاع بهم أبلغ في التحريم .

قال في الفروع : وذكر الآمدي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه كره إلباس الصبيان القرامز السود لما فيه من التعريض للفتنة .

( تنبيهان ) :

( الأول ) : لا يخفى أن قول الناظم على هذه الصبيان فيه تسامح ; لأنه إن أشار به إلى الصبيان فكان حق الإشارة على هؤلاء الصبيان ولا يستقيم النظم حينئذ ، وإن أراد أن الإشارة للرواية فلا يستقيم المعنى إذ " حرم " لا يتعدى إلى مفعولين بنفسه ، فإن المعنى يكون وحرمه في الأصح الصبيان على هذه ، ولعل هذه اللفظة من تصرف النساخ . ورأيت في بعض نسخه أسقط لفظة هذه ولم يذكر مكانها شيئا . ويظهر لي والله أعلم أن [ ص: 189 ] بعض طلبة العلم رآها محذوفة فذكر هذه لتنسيق النظم ، فتكون اللفظة المحذوفة أولياء الصبيان ، وقصر أولياء جائز لضرورة النظم والله أعلم .

( الثاني ) : القرامز السود في كلام الإمام أحمد رضي الله عنه الظاهر نوع من اللباس . قال في النهاية في قوله تعالى { فخرج على قومه في زينته } قال كالقرمز هو صبغ أحمر ، ويقال : إنه حيوان تصبغ به الثياب فلا يكاد ينصل لونه ، وهو معرب انتهى . وفي حياة الحيوان : القرمز دود أحمر يوجد في شجر البلوط في بعض البلاد صدفي شبيه بالحلزمان تجمعه نساء تلك البلاد بأفواههن يصبغ به . ونحوه في القاموس باختصار . وفي كلام الإمام أن القرامز سود فحرره فإني لم أجده في كلامهم مفسرا .

وقول الناظم ( من ) حرير ( مصمت ) أي ليس معه غيره ، بل هو حرير صرف ( زد ) هذا القيد ولا تطلق التحريم إشارة إلى أنه إنما يحرم استعمال الحرير الخالص الذي لم يخالطه غيره ، أو خالطه غيره وكان الحرير غالبا في الظهور .

وأما إذا استويا ظهورا ووزنا ، أو كان الحرير أكثر وزنا والظهور لغيره فلا حرمة حينئذ قال في الفروع : وما غالبه حرير قيل ظهورا وقيل وزنا ، وإن استويا فوجهان . قال القاضي علاء الدين المرداوي رحمه الله في تصحيح الفروع : قوله ويحرم ما غالبه الحرير قيل وزنا وقيل ظهورا أطلق الخلاف ، وأطلقه ابن تميم وصاحب الفائق ، والمصنف يعني ابن مفلح في حواشي المقنع ، والحاويين وغيرهم أحدهما الاعتبار بما غالبه الظهور ، وهو الصحيح ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، وجزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في التلخيص وغيره ، وهو الصواب . قلت : وجزم به في الإقناع ، والمنتهى ، والغاية وغيرهم .

والوجه الثاني : الاعتبار بالوزن ، قدمه في الرعاية الكبرى ، وقال : قوله ، وإن استويا ظهورا ، أو وزنا فهل يحرم أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية ، والفصول ، والمستوعب ومسبوك الذهب ، والمغني ، والكافي ، والمقنع ، والهادي والتلخيص ، والمحرر والشرح وغيرهم ، أحدهما يحرم ، وصوبه المرداوي في تصحيح الفروع . قال ابن عقيل في الفصول والشيخ في شرح العمدة : الأشبه أنه يحرم لعموم الخبر . قال في الفصول : لأن النصف كثير [ ص: 190 ] وليس تغليب التحليل بأولى من التحريم ، والوجه الثاني لا يحرم ، وهو الصحيح من المذهب ، صححه المجد وجزم به في الوجيز واعتمده المتأخرون . وجزم به في الإقناع ، والمنتهى وغيرهما والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية