الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التسمية عند الوضوء

                                                                                                          25 حدثنا نصر بن علي الجهضمي وبشر بن معاذ العقدي قالا حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه قال وفي الباب عن عائشة وأبي سعيد وأبي هريرة وسهل بن سعد وأنس قال أبو عيسى قال أحمد بن حنبل لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد وقال إسحق إن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه قال محمد بن إسمعيل أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن قال أبو عيسى ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها وأبوها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبو ثفال المري اسمه ثمامة بن حصين ورباح بن عبد الرحمن هو أبو بكر بن حويطب منهم من روى هذا الحديث فقال عن أبي بكر بن حويطب فنسبه إلى جده حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا يزيد بن هارون عن يزيد بن عياض عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته بنت سعيد بن زيد عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في التسمية عند الوضوء ) ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة واختلف أئمة الحديث في صحتها وضعفها ، فقال بعضهم كل ما روي في هذا الباب فهو ليس بقوي ، وقال بعضهم لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح . وقال الحافظ ابن حجر : والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا . انتهى . قلت : الأمر كما قال الحافظ ، ومقتضى أحاديث الباب هو الوجوب والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا نصر بن علي ) ابن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة ثبت طلب للقضاء فامتنع ، من العاشرة كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة أحد أئمة البصرة روى عن المعتمر ويزيد بن زريع وابن عيينة وخلق ، وعنه ع- يعني الأئمة الستة - قال أبو حاتم هو عندي أوثق من [ ص: 93 ] الفلاس وأحفظ قال البخاري مات سنة 250 خمسين ومائتين .

                                                                                                          ( وبشر بن معاذ ) البصري الضرير يكنى أبا سهل صدوق من العاشرة ( والعقدي ) بفتح المهملة والقاف ( نا بشر بن المفضل ) ابن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ، ثقة ثبت عابد من الثامنة .

                                                                                                          ( عن عبد الرحمن بن حرملة ) ابن عمرو بن سنة الأسلمي المدني ، صدوق ربما أخطأ ( عن أبي ثفال ) بكسر المثلثة بعدها فاء ( المري ) بضم الميم وتشديد الراء اسمه ثمامة بن وائل بن حصين ، وقد ينسب لجده ، وقيل اسمه وائل بن هاشم بن حصين وهو مشهور بكنيته ، مقبول ، من الخامسة ، كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة : قال البخاري في حديثه نظر . انتهى . كذا في الخلاصة .

                                                                                                          ( عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب ) بفتح الراء وبالموحدة المدني قاضيها ، قال في التقريب مقبول . ( عن جدته ) وفي رواية الحاكم حدثتني جدتي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ في التقريب : أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل لم تسم في الكتابين يعني جامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسماها البيهقي ، ويقال إن لها صحبة . انتهى . وذكرها الحافظ الذهبي في الميزان في النسوة المجهولات .

                                                                                                          ( عن أبيها ) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أبو الأعور أحد العشرة .

                                                                                                          قوله : ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة : هو نص على أن التسمية ركن أو شرط ، ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء ، لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ . انتهى .

                                                                                                          قلت : لا شك في أن هذا الحديث نص على أن التسمية ركن للوضوء أو شرط له لأن ظاهر قوله لا وضوء أنه لا يصح ولا يوجد إذ الأصل في النفي الحقيقة ، قال القاري في المرقاة : قال القاضي هذه الصيغة حقيقة في نفي الشيء ويطلق مجازا على الاعتداد به لعدم صحته ، كقوله عليه الصلاة والسلام : لا صلاة إلا بطهور ، وعلى نفي كماله كقوله عليه الصلاة والسلام : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، وهاهنا محمولة على نفي الكمال خلافا لأهل الظاهر ، لما روى ابن عمر [ ص: 94 ] وابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال : من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه والمراد بالطهارة الطهارة من الذنوب لأن الحدث لا يتجزأ . انتهى .

                                                                                                          قلت : حديث ابن عمر وابن مسعود هذا ضعيف ، رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر ، وفيه أبو بكر الداهري عبد الله بن الحكم وهو متروك ومنسوب إلى الوضع ، ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث أبي هريرة ، وفيه مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبان عن أبيه وهما ضعيفان ، ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن هشام السمسار وهو متروك ، فالحديث لا يصلح للاحتجاج فلا يصح الاستدلال به ، على أن النفي في قوله صلى الله عليه وسلم : لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، محمول على نفي الكمال . فإن قلت : قد صرح ابن سيد الناس في شرح الترمذي بأنه قد روي في بعض الروايات لا وضوء كاملا ، وقد استدل به الرافعي فهذه الرواية صريحة في أن المراد في قوله " لا وضوء " في حديث الباب نفي الكمال . قلت : قال الحافظ في التلخيص : لم أره هكذا . انتهى . فلا يعلم حال هذه الرواية كيف هي صالحة للاحتجاج أم لا والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس ) أما حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما وابن عدي وفي إسناده حارثة بن محمد وهو ضعيف ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي من طريق محمد بن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ ، ورواه الحاكم من هذا الوجه ، فقال يعقوب بن أبي سلمة وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك فوهم . والصواب أنه الليثي ، قال الحافظ : قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة ، وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وهذه عبارة عن ضعفه ، فإنه قليل الحديث جدا ولم يرو عنه سوى ولده ، فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة ، قال ابن الصلاح : انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته بتخريجه له ، وتبعه النووي وله طرق أخرى كلها ضعيفة .

                                                                                                          وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد والدارمي والترمذي في العلل وابن ماجه وابن عدي وابن السكن والبزار والدارقطني والحاكم [ ص: 95 ] والبيهقي بلفظ حديث الباب وزعم ابن عدي أن زيد بن الحباب تفرد به عن كثير بن زيد قال الحافظ : وليس كذلك فقد رواه الدارقطني من حديث أبي عامر العقدي وابن ماجه من حديث أبي أحمد الزهري وكثير بن زيد ، قال ابن معين ليس بالقوي وقال أبو زرعة صدوق فيه لين ، وقال أبو حاتم صالح الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه وكثير بن زيد رواه عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، وربيح قال أبو حاتم شيخ ، وقال البخاري منكر الحديث ، وقال أحمد ليس بالمعروف وقال المروزي لم يصححه أحمد وقال ليس فيه شيء يثبت ، وقال البزار كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي ، وذكر أنه روى عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة وقال العقيلي الأسانيد في هذا الباب فيها لين وقد قال أحمد بن حنبل إنه أحسن شيء في هذا الباب ، وقد قال أيضا لا أعلم في التسمية حديثا صحيحا وأقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح ، وقال إسحاق هذا - يعني حديث أبي سعيد - أصح ما في الباب ، وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه ابن ماجه والطبراني وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف ، وتابعه أخوه أبي بن عباس وهو مختلف فيه ، وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب الأندلسي ، وعبد الملك شديد الضعف .

                                                                                                          قوله : ( قال أحمد : لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد ) وقال البزار : كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي .

                                                                                                          قلت : أحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضا فمجموعها يدل أن لها أصلا ، قال الحافظ ابن حجر : والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا ، وقال أبو بكر بن أبي شيبة : ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح . انتهى ، وقال الحافظ المنذري في الترغيب : وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال ، وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء وهو رواية عن الإمام أحمد ، ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة . انتهى كلام المنذري ، وحديث الباب أعني حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والبزار والدارقطني والعقيلي والحاكم وأعل بالاختلاف والإرسال ، وفي إسناده أبو ثفال عن رباح مجهولان ، فالحديث ليس بصحيح قاله أبو حاتم وأبو زرعة ، وقد أطال الكلام على [ ص: 96 ] حديث سعيد بن زيد هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص .

                                                                                                          قوله : ( وقال إسحاق إن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه ) فعند إسحاق التسمية واجب في الوضوء وهو قول الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ، واختلفوا هل هي واجبة مطلقا أو على الذاكر فعند إسحاق على الذاكر ، وعند الظاهرية مطلقا ، وذهبت الشافعية والحنفية ومالك وربيعة إلى أنها سنة ، واحتج الأولون بأحاديث الباب ، واحتج الآخرون بحديث ابن عمر مرفوعا من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه الحديث وقد تقدم ، وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج .

                                                                                                          قوله : ( قال محمد بن إسماعيل أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن ) يعني حديث سعيد بن زيد المذكور في هذا الباب ، وقال أحمد أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح يعني حديث أبي سعيد ، وسئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد .

                                                                                                          قوله : ( وأبو ثفال المري اسمه ثمامة ) بضم المثلثة ( بن حصين ) بالتصغير ، وحصين جد أبي ثفال واسم أبيه وائل كما تقدم ( فنسبه إلى جده ) أي إلى جده الأعلى .




                                                                                                          الخدمات العلمية