الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثامن

في مانع الكفر .

- واتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية ، لقوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) . واختلفوا في نكاحها بالملك .

واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحرة ، إلا ما روي في ذلك عن ابن عمر . واختلفوا في إحلال الكتابية الأمة بالنكاح ، واتفقوا على إحلالها بملك اليمين .

والسبب في اختلافهم في نكاح الوثنيات بملك اليمين ، معارضة عموم قوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وعموم قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) لعموم قوله : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) وهن المسبيات ، وظاهر هذا يقتضي العموم ، سواء كانت مشركة أو كتابية ، والجمهور على منعها . وبالجواز قال طاوس ومجاهد ، ومن الحجة لهم ما روي من نكاح المسبيات في غزوة أوطاس إذ استأذنوه في العزل فأذن لهم .

وإنما صار الجمهور لجواز نكاح الكتابيات الأحرار بالعقد ، لأن الأصل بناء الخصوص على العموم [ ص: 429 ] ( أعني : أن قوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) هو خصوص ، وقوله : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) هو عموم ، فاستثنى الجمهور الخصوص من العموم . ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص ، وهو مذهب بعض الفقهاء .

وإنما اختلفوا في إحلال الأمة الكتابية بالنكاح لمعارضة العموم في ذلك القياس . وذلك أن قياسها على الحرة يقتضي إباحة تزويجها ، وباقي العموم إذا استثني منه الحرة يعارض ذلك ، لأنه يوجب تحريمها على قول من يرى أن العموم إذا خصص بقي الباقي على عمومه . فمن خصص العموم الباقي بالقياس ; أو لم ير الباقي من العموم المخصوص عموما قال : يجوز نكاح الأمة الكتابية . ومن رجح باقي العموم بعدم التخصيص على القياس قال : لا يجوز نكاح الأمة الكتابية .

وهنا أيضا سبب آخر لاختلافهم : وهو معارضة دليل الخطاب للقياس ، وذلك أن قوله تعالى ( من فتياتكم المؤمنات ) يوجب أن لا يجوز نكاح الأمة الغير مؤمنة بدليل الخطاب ، وقياسها على الحرة يوجب ذلك ، والقياس من كل جنس يجوز فيه النكاح بالتزويج ، ويجوز فيه النكاح بملك اليمين أصله المسلمات ، والطائفة الثانية : أنه ثم لم يجز نكاح الأمة المسلمة بالتزويج إلا بشرط فأحرى أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية بالتزويج .

وإنما اتفقوا على إحلالها بملك اليمين لعموم قوله تعالى : ( إلا ما ملكت أيمانكم ) ولإجماعهم على أن السبي يحل المسبية الغير متزوجة .

وإنما اختلفوا في المتزوجة هل يهدم السبي نكاحها ; وإن هدم فمتى يهدم ؟ فقال قوم : إن سبيا معا ( أعني : الزوج والزوجة ) لم يفسخ نكاحهما ، وإن سبي أحدهما قبل الآخر انفسخ النكاح ، وبه قال أبو حنيفة . وقال قوم : بل السبي يهدم سبيا معا أو سبي أحدهما قبل الآخر ، وبه قال الشافعي . وعن مالك قولان : أحدهما : أن السبي لا يهدم النكاح أصلا . والثاني أنه يهدم بإطلاق مثل قول الشافعي .

والسبب في اختلافهم هل يهدم أو لا يهدم : هو تردد المسترقين الذين أمنوا من القتل بين النساء الذميين أهل العهد ; وبين الكافرة التي لا زوج لها ، أو المستأجرة من كافر .

وأما تفريق أبي حنيفة بين أن يسبيا معا ، وبين أن يسبى أحدهما فلأن المؤثر عنده في الإحلال هو اختلاف الدار بهما لا الرق ، والمؤثر في الإحلال عند غيره هو الرق ، وإنما النظر هل هو الرق مع الزوجية أو مع عدم الزوجية ؟ والأشبه أن لا يكون للزوجية هاهنا حرمة ، لأن محل الرق . وهو الكفر سبب الإحلال .

وأما تشبيهها بالذمية فبعيد لأن الذمي إنما أعطى الجزية بشرط أن يقر على دينه فضلا عن نكاحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية