الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : التكبر على الخلق قسمان ، وفيه كلام نفيس .

( الثالث ) : : التكبر على الخلق ينقسم إلى قسمين : أحدهما التكبر على [ ص: 224 ] الرسل عليهم الصلاة والسلام ، من جهة ترفع النفس عن الانقياد للبشر ، وربما عرفت النفوس صحة قولهم وما جاءوا به فيمنعها الكبر عن الانقياد والانفعال لهم ، وهذا كفر ونعوذ بالله منه ومن غيره .

والثاني : التكبر على الخلق سوى من قدمنا من الأنبياء والمرسلين ، وهو عظيم من وجهين : أحدهما أن الكبرياء والعظمة لا تليق إلا بالملك القادر لا بالعبد العاجز .

ثم إنه يتكبر بما ليس له ولا خلق شيئا منه ، وأمره في يد غيره ، وهو مربوب مقهور .

إن أعجب بجماله فجماله ليس هو من صنعه .

أو بعلمه فعلمه ليس من وسعه ، فإنه لا يتعقل كيف يعلق العلم بالقلب ، ولا يدرك كيف يعقل في الحافظة ، ولا يحيط بكنه حقائق الحراس الباطنة .

ومن كان بمثل هذه المثابة فكيف يعجب ويتكبر ؟ ، والوجه الثاني : أن الكبر يدعو إلى مخالفة الله - عز وجل - في أمره ونهيه ; لأن المتكبر يأنف من قبول الحق ، وإذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالإثم .

ولذا قال عليه السلام { الكبر بطر الحق وغمط الناس } وربما تكبر العالم واحتقر الناس ، ويرى أنه في الآخرة أعلى منهم منزلة ، وليس هذا بعالم بل ظالم ، لأن العلم هو الذي يعرف الإنسان نفسه ، ويعلمه حجة الله عليه فيزيده خوفا .

ولذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه من ازداد علما ازداد وجعا .

وربما كان العلم حجة عليه عند الله تعالى .

وربما تكبر العابد بعبادته ، ولعلها غير مقبولة عند الله جل شأنه .

وربما تكبر صاحب النسب بنسبه ونسي قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وربما تكبر الغني بغناه ، ولو عرف المسكين آفة الغنى وشرف الفقر ، وأن الدنيا لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، وأن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة بخمسمائة عام ، لما تكبر بها . .

التالي السابق


الخدمات العلمية