الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            معلومات الكتاب

                                                            المصباح المنير في غريب الشرح الكبير

                                                            أبو العباس الفيومي - أحمد بن محمد بن علي الفيومي

                                                            صفحة جزء
                                                            ( فصل ) اعلم أن الفعل لما كان يدل على المصدر بلفظه وعلى الزمان بصيغته وعلى المكان بمحله اشتق منه لهذه الأقسام أسماء ولما كان يدل على الفاعل بمعناه لأنه حدث والحدث لا يصدر إلا عن فاعل اشتق منه اسم فاعل ولا بد لكل فعل من فاعل أو ما يشبهه إما ظاهرا وإما مضمرا ثم الثلاثي مجرد وغير مجرد فإن كان مجردا فقياس الفاعل أن يكون موازن فاعل إن كان متعديا نحو ضارب وشارب وكذلك إن كان لازما مفتوح العين نحو قاعد وإن كان لازما مضموم العين أو مكسور العين فاختلف فيه فأطلق ابن الحاجب القول بمجيئه على فاعل أيضا وتبعه ابن مالك فقال ويأتي اسم الفاعل من الثلاثي المجرد موازن فاعل ، وقال أبو علي الفارسي نحو ذلك قال ويأتي اسم الفاعل من الثلاثي مجيئا واحدا مستمرا إلا من فعل بضم العين وكسرها وقد جاء من المكسور على فاعل نحو حاذر وفارح ونادم وجارح وقيد ابن عصفور وجماعة مجيئه من المضموم والمكسور على فاعل بشرط أن يكون قد ذهب به مذهب الزمان ثم قال ابن عصفور ويأتي من فعل بالضم على فعيل [ ص: 690 ] ومن المكسور على فعل نحو حذر وقد يأتي على فعيل نحو سقيم .

                                                            وقال الزمخشري : وتدل الصفة على معنى ثابت فإن قصدت الحدوث قلت حاسن الآن أو غدا وكارم وطائل في كريم وطويل . ومنه قوله تعالى { وضائق به صدرك } قال السخاوي إنما عدلوا بهذه الصفات عن الجريان على الفعل لأنهم أرادوا أن يصفوا بالمعنى الثابت فإذا أرادوا معنى الفعل أتوا بالصفة جارية عليه فقالوا طائل غدا كما يقال يطول غدا وحاسن الآن كما يقال يحسن الآن وكذلك قوله { إنك ميت } لأنه أريد الصفة الثابتة أي إنك من الموتى وإن كنت حيا كما يقال إنك سيد فإذا أريد أنك ستموت أو ستسود قيل مائت وسائد ويقال فلان جواد فيما استقر له وثبت ومريض فيما ثبت له ومارض غدا وكذلك غضبان وغاضب وقبيح وقابح وطمع وطامع وكريم فإذا جوزت أن يكون منه كرم قلت كارم وأطلق كثير من المتقدمين القول بمجيئه من المضموم والمكسور على فاعل وغيره بحسب السماع فيكون اللفظ مشتركا بين اسم الفاعل وبين الصفة ومنهم من يقول باب حسن وصعب وشديد صفة وما سواه مشترك فيأتي فعل بالضم على فعيل كثيرا نحو شريف وقريب وبعيد ووقع في الشرح راخص أما على القول باطراد فاعل من كل ثلاثي فهو ظاهر وأما على القول الثاني فحقه أن تقول رخيص وجاء خشن وشجاع وجبان وحرام وسخن وضخم وملح الماء فهو ملح مثال خشن هذا أصله ثم خفف فقيل ملح وهو أسمر وآدم وأحمق وأخرق وأرعن وأعجم وأعجف وأسحم أي شديد السواد وأكمت وأشهب وأصهب وأكهب ومنهم من يمنع مجيئه من فعل بالضم على فاعل ألبتة ويقول ما ورد من ذلك فهو في الأصل من لغة أخرى فيكون على تداخل اللغتين وربما هجرت تلك اللغة واستعمل اسم الفاعل منها على اللغة الأخرى نحو طهرت المرأة فهي طاهر وفره الدابة فهي فاره واللغة الأخرى طهرت بالفتح وفره بالفتح أيضا وكذلك ما أشبهه ويأتي اسم الفاعل على فعلة بفتح العين [ ص: 691 ] نحو حطمة وضحكة للذي يفعل ذلك بغيره واسم المفعول بسكونها وهو مدره ومسعر حرب وحكيم وخبير وعجزت المرأة إذا أسنت فهي عجوز وعقرت قومها آذتهم فهي عقرى وعاد البعير عودا هرم فهو عود وسقط الولد من بطن أمه فهو سقط مثلث السين وملك على الناس فهو ملك وصقله فهو صقيل وجاء طاعون وناظور وسلف الشيء إذا مضى فهو سلف وبعل إذا تزوج وهو حلو ويأتي من فعل بالكسر على فعل بالكسر وعلى فعيل كثيرا نحو تعب فهو تعب وحمق فهو حمق وفرح فهو فرح ومرض فهو مريض وغني فهو غني وجاء أيضا أوجل وأعرج وأعمى وأعمش وأخفش وأبيض وأحمر وغير ذلك من الألوان وإن كان بعض الأفعال غير مستعمل وجاء أيضا خراب وعريان وسكران وهو مر وجزوع وضوي الولد فهو ضاوي ويقظ بالكسر والضم وقد يأتي من فعل بالفتح على أفعل نحو شاب فهو أشيب وفاح الوادي إذا اتسع فهو أفيح وبلج الحق فهو أبلج وعزب الرجل فهو أعزب وحيث كان الفاعل على أفعل للمذكر فهو للمؤنث على فعلاء نحو أحمر وحمراء . وإن كان الفعل غير ثلاثي مجرد فيكون على أفعل نحو أكرم إكراما وأعلم إعلاما وعلى غيره فإن كان على القسم الثاني فيأتي على منهاج واحد وقياس مطرد نحو دحرج فهو مدحرج وسمع في بعضها فعلال بالفتح نحو ضحضاح وبالكسر نحو هملاج وانطلق فهو منطلق واستخرج فهو مستخرج وإن كان على أفعل فبابه أن يأتي على مفعل بضم الميم وكسر ما قبل الآخر والمفعول بضم الميم وفتح ما قبل الآخر نحو أخرجته فأنا مخرج وهو مخرج وأعتقته فأنا معتق وهو معتق وأشرت إليه فأنا مشير وهو مشار إليه وشذ من أسماء الفاعلين ألفاظ فبعضها جاء [ ص: 692 ] على صيغة فاعل إما اعتبارا بالأصل . وهو عدم الزيادة نحو أورس الشجر إذا اخضر ورقه فهو وارس وجاء مورس قليلا وأمحل البلد فهو ماحل وأملح الماء فهو مالح وأغضى الليل فهو غاض ومغض على الأصل أيضا وأقرب القوم إذا كانت إبلهم قوارب فهم قاربون قال ابن القطاع ولا يقال مقربون على الأصل ، وإما لمجيء لغة أخرى في فعله وهي فعل وإن كانت قليلة الاستعمال فيكون استعمال اسم الفاعل معها من باب تداخل اللغتين نحو أيفع الغلام فهو يافع فإنه من يفع وأعشب المكان فهو عاشب فإنه من عشب وأشار بعضهم إلى أن ذلك ليس باسم فاعل للفعل المذكور معه بل هو نسبة إضافية بمعنى ذو الشيء فقولهم أمحل البلد فهو ماحل أي ذو محل وأعشب فهو عاشب أي ذو عشب كما يقال رجل لابن وتامر أي ذو لبن وذو تمر وبعضها جاء على صيغة اسم المفعول لأن فيه معنى المفعولية نحو أحصن الرجل فهو محصن إذا تزوج وجاء الكسر على الأصل وألفج بمعنى أفلس فهو مفلج وسمع ألفج مبنيا للمفعول وعلى هذا فلا شذوذ وأسهب إذا أكثر كلامه فهو مسهب لأنه كالعيب فيه ، وأما أسهب إذا كان فصيحا فاسم الفاعل على الأصل وأعم وأخول أذا كثرت أعمامه وأخواله فهو معم ومخول .

                                                            وقال أبو زيد : أعم وأخول بالبناء فيهما للمفعول فعلى هذا ليسا من الباب وأحصن الرجل زوجته إذا أعفها وأحصنته إذا أعفته واسم الفاعل والمفعول على الأصل أيضا وأوقرت النخلة إذا كثر حملها فهي موقرة بالفتح والكسر وأنتجت الفرس إذا استبان حملها فهي نتوج ولا يقال منتج على الأصل قاله الأزهري وأجنب فهو جنب وأرمل إذا لم يبق معه زاد فهو أرمل وأرملت المرأة فهي أرملة وأسمعه فهو سميع وشذ من أسماء المفعولين ألفاظ نحو أجنه الله فهو مجنون وأحمه فهو محموم وأزكمه فهو مزكوم وأسله فهو مسلول ونحو ذلك قال ابن فارس وجه ذلك أنهم يقولون في هذا كله قد فعل بغير ألف ثم بني مفعول على فعل وإلا فلا وجه له .

                                                            وقال أبو زيد : أيضا مجنون ومزكوم ومحزون ومكروز ومقرور من القر لأنهم يقولون قد زكم وجن وحكى السرقسطي أبرزته إذا أظهرته فهو مبروز قال ولا يقال برزته بغير ألف وأعله [ ص: 693 ] الله فعل فهو عليل وربما جاء معلول ومسقوم قليلا ويقرب من هذا الباب أضعفه الله فهو ضعيف وأكثر الرجل كلامه فهو كثير وأغناه الله فهو غني وأعماه فهو أعمى وأبرصه فهو أبرص والتقدير أضعفه الله فضعف فهو ضعيف وأسام الراعي الماشية فهي سائمة .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية