الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                4994 ( 11 ) كلام أبي الدرداء رضي الله عنه .

                                                                                ( 1 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة قال : قال أبو الدرداء : اعبدوا الله كأنكم ترونه ، وعدوا أنفسكم من الموتى ، واعلموا أن قليلا يغنيكم خير من كثير يلهيكم ، واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى .

                                                                                ( 2 ) حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة قال : جمع أبو الدرداء أهل دمشق فقال : اسمعوا من أخ لكم ناصح : أتجمعون ما لا تأكلون ، وتؤملون ما لا تدركون ، وتبنون ما لا تسكنون ، أين الذين كانوا من قبلكم ، فجمعوا كثيرا وأملوا بعيدا وبنوا شديدا ، فأصبح جمعهم بورا ، وأصبح أملهم غرورا ، وأصبحت ديارهم قبورا .

                                                                                ( 3 ) حدثنا عبد الله بن نمير عن سفيان عن حبيب قال : كان أبو الدرداء لا يمر على قرية إلا قال : أين هلك ، ثم يقول : ذهبوا وبقيت الأعمال .

                                                                                ( 4 ) حدثنا عبد الله بن نمير عن مالك بن مغول عن عبد الملك بن عمير قال : قال أبو الدرداء : من أكثر من ذكر الموت قل حسده وقل فرحه .

                                                                                ( 5 ) حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء قال : لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب الله ، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا .

                                                                                ( 6 ) حدثنا أبو أسامة عن خالد بن دينار عن معاوية بن قرة قال : قال أبو الدرداء : ليس الخير أن يكون مالك وولدك ، ولكن الخير أن يعظم حلمك وأن يكثر علمك وأن تباري الناس في عبادة الله ، فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله .

                                                                                ( 7 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء قال : قيل لها : ما كان أفضل عمل أبي الدرداء ؟ قالت : التفكر [ ص: 168 ]

                                                                                ( 8 ) حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء قال : إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون .

                                                                                ( 9 ) حدثنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد أن أبا عون أخبره أن أبا الدرداء كان يقول : ما بت من ليلة فأصبحت لم ير مني الناس فيها بداهية إلا رأيت أن علي من الله فيه نعمة .

                                                                                ( 10 ) حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن زياد بن فياض عن أبي حازم قال : قالت أم الدرداء : يجيء الشيخ فيصلي ، ويجيء الشاب فلا يصلي ، فقال أبو الدرداء : كل في ثواب قد أعد له .

                                                                                ( 11 ) حدثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر قال حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي قال : سمعت أبا الدرداء يقول : ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم ، وأنماها في درجاتكم ، خير من أن تغزوا عدوكم فيضربوا رقابكم وتضربوا رقابهم ، خير من إعطاء الدنانير والدراهم ، قالوا : وما هو يا أبا الدرداء ؟ قال : ذكر الله أكبر .

                                                                                ( 12 ) حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل عن أبي الدرداء قال : إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكني أرجو فيه الأجر ، وإن أبغض الناس إلي أن أظلمه الذي لا يستعين علي إلا بالله .

                                                                                ( 13 ) حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا موسى بن عقبة قال حدثني بلال بن سعد الكندي عن أبيه عن أبي الدرداء أنه كان إذا ذكر الدنيا قال : إنها ملعونة ملعون ما فيها .

                                                                                ( 14 ) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن معاوية بن قرة قال : مرض أبو الدرداء فعادوه فقالوا : أي شيء تشتكي ؟ قال : ذنوبي ، قيل : أي شيء تشتهي ؟ قال : الجنة ، قيل : ندعو لك الطبيب ؟ قال : وهو أضجعني .

                                                                                ( 15 ) حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا شيخ منا يقال له الحكم بن الفضيل عن زيد بن أسلم قال : قال أبو الدرداء : التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله [ ص: 169 ] فحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم .

                                                                                ( 16 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن ثور عن سليم بن عامر عن أبي الدرداء قال : نعم صومعة الرجل بيته ، يحفظ فيها لسانه وبصره ، وإياك والسوق فإنها تلغي وتلهي .

                                                                                ( 17 ) حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا مسعر عن عون بن عبد الله عن أبي الدرداء قال : من يتفقد يفقد ، ومن لا يعد الصبر لفواجع الأمور يعجز ، قال : وقال أبو الدرداء : إن قارضت الناس قارضوك ، وإن تركتهم لم يتركوك ، قال : فما تأمرني ؟ قال : اقرض من عرضك ليوم فقرك .

                                                                                ( 18 ) حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال : بينما أبو الدرداء يوقد تحت قدر له وسلمان عنده إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتا ، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصبي ، قال : ثم ندرت القدر فانكفأت ، ثم رجعت إلى مكانها لم ينصب منها شيء ، فجعل أبو الدرداء ينادي : يا سلمان ، انظر إلى العجب ، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك ، فقال سلمان : أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى .

                                                                                ( 19 ) حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال : قال أبو الدرداء : إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي : قد علمت فما عملت فيما علمت ؟ .

                                                                                ( 20 ) حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن عمرو بن مرة أو غيره عن سالم بن أبي الجعد قال : مر ثوران على أبي الدرداء وهما يعملان ، فقام أحدهما فقام الآخر ، فقال أبو الدرداء : إن في هذا لمعتبرا .

                                                                                ( 21 ) حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن غيلان بن بشير عن يعلى بن الوليد قال : كنت أمشي مع أبي الدرداء ، قال : قلت : يا أبا الدرداء ، ما تحب لمن تحب ؟ قال : الموت ، قال : قلت له : فإن لم يمت ؟ قال : يقل ماله وولده .

                                                                                ( 22 ) حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن سعد الأنصاري قال : حدثني عبد الله بن يزيد بن ربيعة الدمشقي قال : قال أبو الدرداء : أدلجت ذات ليلة إلى المسجد ، فلما دخلت مررت على رجل وهو ساجد وهو يقول : اللهم ، إني خائف مستجير فأجرني من عذابك ، وسائل [ ص: 170 ] فقير فارزقني من فضلك ، لا بريء من ذنب فأعتذر ، ولا ذو قوة فأنتصر ، ولكن مذنب مستغفر ، قال : فأصبح أبو الدرداء يعلمهن أصحابه إعجابا بهن .

                                                                                ( 23 ) حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا شعبة قال أخبرنا يزيد بن خمير الشامي قال أخبرني سليمان بن مرثد قال : سمعت ابنة أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم تبكون لا تدرون تنجون أو لا تنجون .

                                                                                ( 24 ) حدثنا وكيع عن مسعر عن إبراهيم السكسكي قال : حدثنا أصحابنا عن أبي الدرداء قال : إن شئتم لأقسمن لكم : إن أحب العباد إلى الله الذين يحبون الله ويحببون الله إلى عباده والذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله .

                                                                                ( 25 ) حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير بمصر : أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله ، وإذا أحبه الله حببه إلى خلقه ، وإذا أبغضه بغضه إلى خلقه .

                                                                                ( 26 ) حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء أنه قال : مالي أرى علماءكم يذهبون ، وأرى جهالكم لا يتعلمون ، اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء ، مالي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به ، وتضيعون ما وكلتم به ، لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل ، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا ، ولا يسمعون القرآن إلا هجرا ، ولا يعتق محررهم .

                                                                                ( 27 ) حدثنا جرير عن منصور عن سالم قال : صعد رجل إلى أبي الدرداء وهو جالس فوق بيت يلتقط حبا ، قال : فكأن الرجل استحيا منه فرجع ، فقال أبو الدرداء : تعال فإن من فقهك رفقك بمعيشتك [ ص: 171 ]

                                                                                ( 28 ) حدثنا علي بن إسحاق عن ابن مبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال أخبرني إسماعيل بن عبيد الله قال : حدثتني أم الدرداء أنه أغمي على أبي الدرداء فأفاق ، فإذا بلال ابنه عنده ، فقال : قم فاخرج عني ، ثم قال : من يعمل لمثل مضجعي هذا ؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه ؟ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون قالت ، ثم يغمى عليه فيلبث لبثا ثم يفيق فيقول مثل ذلك ، فلم يزل يرددها حتى قبض .

                                                                                ( 29 ) حدثنا غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء قال حدثني تميم بن غيلان بن سلمة قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء وهو مريض فقال : يا أبا الدرداء ، إنك قد أصبحت على جناح فراق الدنيا ، فمرني بأمر ينفعني الله به ، وأذكرك به ، فقال : إنك من أمة معافاة ، فأقم الصلاة وأد الزكاة إن كان لك مال ، وصم رمضان واجتنب الفواحش ، ثم أبشر ، فأعاد الرجل على أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء مثل ذلك ، فنفض الرجل رداءه ثم قال إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس إلى قوله : ويلعنهم اللاعنون فقال أبو الدرداء : علي بالرجل ، فجاء فقال أبو الدرداء : ما قلت ؟ قال : كنت رجلا معلما ، عندك من العلم ما ليس عندي ، فأردت أن تحدثني بما ينفعني الله به ، فلم ترد علي إلا قولا واحدا ، فقال له أبو الدرداء : اجلس ثم اعقل ما أقول لك : أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربع أذرع ، أقبل بك أهلك الذين كانوا لا يحبون فراقك وجلساؤك وإخوانك فأتقنوا عليك البنيان وأكثروا عليك التراب وتركوك لمثلك ذلك ، وجاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان ، أسماهما منكر ونكير ، فأجلساك ثم سألاك : ما أنت وعلى ماذا كنت ؟ وما تقول في هذا الرجل ؟ فإن قلت : والله ما أدري ، سمعت الناس قالوا قولا فقلت قول الناس ، فقد والله رديت وهويت ، وإن قلت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه كتابه فآمنت به وبما جاء به فقد والله نجوت وهديت ، ولن تستطيع ذلك إلا بتثبيت من الله مع ما ترى من الشدة والتخويف ، ثم أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا موضع قدميك ، ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، الناس فيه قيام لرب العالمين ، ولا ظل إلا ظل عرش رب العالمين ، وأدنيت الشمس ، فإن كنت من أهل الظل فقد والله نجوت وهديت ، وإن كنت من أهل الشمس [ ص: 172 ] فقد والله رديت وهويت ، ثم أين أنت من يوم جيء بجهنم قد سدت ما بين الخافقين وقيل : لن تدخل الجنة حتى تخوض النار ، فإن كان معك نور استقام بك الصراط فقد والله نجوت وهديت ، وإن لم يكن معك نور تشبثت بك بعض خطاطيف جهنم أو كلاليبها أو شبابيتها فقد والله رديت وهويت ، فورب أبي الدرداء إن ما أقول حق فاعقل ما أقول .

                                                                                ( 30 ) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة قال : قال أبو الدرداء : كنت تاجرا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد زاولت التجارة والعبادة فلم تجتمعا ، فأخذت العبادة وتركت التجارة .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية