الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        15 - كتاب الحجة

                                                        1 - في فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة

                                                        قال أبو جعفر : اجتمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صالح أهل مكة قبل افتتاحه إياها ، ثم افتتحها بعد ذلك .

                                                        فقال قوم : كان افتتاحه إياها بعد أن نقض أهل مكة العهد وخرجوا من الصلح ، فافتتحها يوم افتتحها وهي دار حرب ، لا صلح بينه وبين أهلها ، ولا عقد ولا عهد .

                                                        وممن قال هذا القول : أبو حنيفة ، والأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان بن سعيد الثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله .

                                                        وقال قوم : بل افتتحها صلحا .

                                                        [ ص: 312 ] ثم احتج كل فريق من هذين الفريقين لقوله ، من الآثار بما سنبينه في كتابي هذا ، ونذكر مع ذلك ، صحة ما احتج به أو فساده ، إن شاء الله تعالى .

                                                        وكان حجة من ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها صلحا ، أن قال : ( أما الصلح فقد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ، فأمن كل فريق منه ومن أهل مكة ، من الفريق الآخر ، ثم لم يكن من أهل مكة في ذلك ، ما يوجب نقض الصلح ) .

                                                        وإنما كان بنو نفاثة ، وهم غير من أهل مكة ، قاتلوا خزاعة ، وأعانهم على ذلك رجال من قريش ، وثبت بقية أهل مكة على صلحهم ، وتمسكوا بعهدهم الذي عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت بنو نفاثة ، ومن تابعهم ، على ما فعلوا من ذلك من الصلح ، وثبت بقية أهل مكة على الصلح الذي كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                        قالوا : والدليل على ذلك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها ، لم يقسم فيها فيئا ، ولم يستعبد فيها أحدا .

                                                        وكان من الحجة عليهم في ذلك لمخالفهم ، أن عكرمة ، مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، وعليهما يدور أكثر أخبار المغازي ، قد روي عنهما ما يدل على خروج أهل مكة من الصلح الذي كانوا صالحوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث أحدثوها .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية