الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسؤال الثاني: سؤال الآمدي وهو قوله: "ما المانع من كون الجملة ممكنة الوجود، ويكون ترجحها بترجح آحادها، وترجح كل واحد بالآخر إلى غير نهاية". [ ص: 148 ]

فيقال عن هذا أجوبة:

الأول: أنه إذا كان كل من الجملة ممكنا بنفسه لا يوجد إلا بغيره، فكل من الآحاد، ليس وجوده بنفسه، والجملة ليس وجودها بنفسها، فليس هناك شيء وجوده بنفسه، وكل ما ليس وجوده بنفسه فلا يكون وجوده إلا بغيره. فتعين أن يكون هناك غير ليس هو جملة مجموع الممكنات، ولا شيئا من الممكنات، وما ليس كذلك فهو موجود بنفسه، وهو الواجب بنفسه ضرورة.

وأما قوله: "يكون ترجح كل واحد بالآخر"، أي يكون كل من الممكنات موجودا بممكن آخر على سبيل التسلسل.

فيقال له: نفس طبيعة الإمكان شاملة لجميع الآحاد، وهي مشتركة فيها، فلا يتصور أن يكون شيء من أفراد الممكنات خارجا عن هذه الطبيعة العامة الشاملة، ونفس طبيعة الإمكان توجب الافتقار إلى الغير، فلو قدر وجود ممكنات بدون واجب بنفسه، للزم استغناء طبيعة الإمكان عن الغير، فيكون ما هو ممكن مفتقرا إلى غيره ليس ممكنا مفتقرا إلى غيره، وذلك جمع بين النقيضين.

يبين ذلك أنه مهما قدر من الممكنات التي ليست متناهية، فإنه [ ص: 149 ] ليس واحد منها موجودا بنفسه، بل هو مفتقر إلى ما يبدعه ويفعله. فالثاني منها مشارك للأول في هذه الصفة من كل وجه، فليس لشيء منها وجود من نفسه ولا للجملة، فلا يكون هناك موجود أصلا.

بل إذا قال القائل: هذا موجود بآخر، والآخر بآخر، إلى غير نهاية، أو هذا أبدعه آخر، والآخر أبدعه آخر، إلى غير نهاية، كان حقيقة الكلام أنه يقدر معدومات لا نهاية لها. فإن قدر فاعلا إذا لم يكن موجودا بنفسه، لم يكن له من نفسه إلا العدم، وقد قدر فاعله ليس له من نفسه إلا العدم.

فكل من هذه الأمور المتسلسلة ليس لشيء منها من نفسه إلا العدم، ولا للمجموع من نفسه إلا العدم، وليس هناك إلا الأفراد والمجموع، وكل من ذلك ليس منه إلا العدم، فيكون قد قدر مجموع ليس منه إلا العدم، وأفراد متسلسلة ليس لشيء منها إلا العدم، وما كان كذلك امتنع أن يكون منه وجود، فإن ما لا يكون منه إلا العدم، ولا من مجموعه، ولا من أفراده، يمتنع أن يكون منه وجود.

فإذا قدر ممكنات متسلسلة كل منها لا وجود له من نفسه لم يكن هناك إلا العدم، والوجود موجود محسوس، فعلم أن فيه ما هو موجود بنفسه، ليس وجوده من غيره، وهو المطلوب.

التالي السابق


الخدمات العلمية