الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 491 ] كتاب الأضحية : وهي واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر ، ويجب على كل واحد شاة . وإن اشترك سبعة في بقرة أو بدنة جاز إن كانوا من أهل القربة ويريدونها .

ولو اشترى بقرة للأضحية ثم أشرك فيها ستة أجزأه ، ويقتسمون لحمها بالوزن ، وتختص بالإبل والبقر والغنم ، ويجزئ فيها ما يجزئ في الهدي ، وتختص بأيام النحر ، وهي ثلاثة : عاشر ذي الحجة وحادي عشره وثاني عشره أفضلها أولها ، فإن مضت ولم يذبح ، فإن كان فقيرا وقد اشتراها تصدق بها حية ، وإن كان غنيا تصدق بثمنها اشتراها أو لا ، ويدخل وقتها بطلوع الفجر أول أيام النحر ، إلا أن أهل المصر لا يضحون قبل صلاة العيد ، ويأكل من لحمها ، ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر ويكره أن يذبحها الكتابي ، ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره جاز ( ز ) ، ولو غلطا فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر جاز ، ويأخذ كل واحد منهما أضحيته من صاحبه مذبوحة ومسلوخة ولا يضمنه ، فإن أكلاها ثم علما فليتحللا ويجزيهما وإن تشاجرا ضمن كل لصاحبه قيمة لحمه .

[ ص: 491 ]

التالي السابق


[ ص: 491 ] كتاب الأضحية

وهو بضم الهمزة وكسرها : اسم لما يذبح أيام النحر بنية القربة لله - تعالى - ، وكذلك الضحية بفتح الضاد وكسرها ، ويقال أيضا أضحاة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " على أهل كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة " ، فالأضحاة ما يذبح أيام النحر ، والعتيرة شاة كانت تذبح للصنم في رجب نسخت وبقيت الأضحية ، وهي من أضحى يضحي إذا دخل في الضحى ; لأنها تذبح وقت الضحى فسمي الواجب باسم وقته كصدقة الفطر والصلوات الخمس .

قال : ( وهي واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر ) ، أما الوجوب فمذهب أصحابنا ، وروي عن أبي يوسف أنها سنة ، وذكر الطحاوي أنها واجبة عند أبي حنيفة سنة عندهما واختاره رضي الدين النيسابوري ، والدليل على كونها سنة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم : الوتر والضحى والأضحى " وفي رواية : " وهي لكم سنة " ، وعن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يراها الناس واجبة ، ولأنها لو وجبت لوجبت على المسافر كصدقة الفطر والزكاة ، إذ الواجبات المالية لا تأثير للسفر فيها ، ودليل الوجوب قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر ) أمر بنحر مقرون بالصلاة ولا ذلك إلا الأضحية ، فلئن [ ص: 492 ] قال : المراد أخذ اليد باليد على النحر في الصلاة . قلنا هذا أمر وأنه يقتضي الوجوب ، ولا وجوب فيما ذكرتم بالإجماع فتعين ما ذكرنا ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم " أمر وأنه للوجوب ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا " علق الوعيد بترك الأضحية وأنه يدل على الوجوب ، ولأن إضافة اليوم إليه تدل على الوجوب لأنه لا تصح الإضافة إليه إلا إذا وجدت فيه لا محالة ، ولا وجود إلا بالوجوب فيجب تصحيحا للإضافة وكما في يوم الفطر وصدقته . وأما قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ولم تكتب عليكم " قلنا نفي الكتابة نفي الفريضة ; لأن المراد من الكتابة الفرض ، قال الله - تعالى - : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( 103 ) ) أي فرضا موقتا ، ولذلك تسمى الصلوات المفروضات مكتوبة ، فكأن النص ينفي الفرضية ونحن نقول به إنما الكلام في نفي الوجوب ، وقوله : " وهي لكم سنة " أي ثبت وجوبها بالسنة لما ذكرنا من التعارض في تأويل الآية ، وما وجب بالسنة يطلق عليه اسم السنن وهو كثير النظير ، وأبو بكر وعمر كانا فقيرين فخافا أن يظنها الناس واجبة على الفقراء على أنها مسألة مختلفة بين الصحابة ، ولا احتجاج بقول البعض على البعض والترجيح لنا ; لأن ما ذكرناه موجب وما ذكروه ناف والموجب راجح وتمامه عرف في الأصول ، وإنما لم تجب على المسافر ; لأنها اختصت بأسباب شق على المسافر تحصيلها وتفوت بمضي الوقت فلم تجب كالجمعة ، بخلاف الفطر والزكاة حيث لا تفوت بالوقت ، ويجوز فيهما التأخير ودفع القيم وغير ذلك . وعن علي - رضي الله عنه - : ليس على المسافر جمعة ولا أضحية ، واختصاصها بالمسلم لأنها عبادة وقربة ، وبالحر لأن العبد لا يملك شيئا وبالمقيم لما مر ، ويستوي فيه المقيم بالأمصار والقرى والبوادي لأنه مقيم ، وبالغنى لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " والمراد الغنى المشروط [ ص: 493 ] لوجوب صدقة الفطر ، وأما أولاده الصغار فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب عليه أن يضحي عن أولاده الصغار كصدقة الفطر ، وعنه لا تجب لأنها قربة محضة ، والقربة لا تتحمل بسبب الغير ، بخلاف صدقة الفطر فإنها مئونة وسببها رأس يمونه ويلي عليه ، وصاروا كالعبيد يؤدي عنهم صدقة الفطر ولا يضحي عنهم ، ولو كان للصبي مال ضحى عنه أبوه أو وصيه خلافا لمحمد وزفر ، وهو نظير الاختلاف في صدقة الفطر . وقيل الأصح أنها لا تجب في مال الصبي بالإجماع لأنها قربة فلا يخاطب بها ، بخلاف صدقة الفطر على ما بينا ، ولأن الواجب الإراقة والتصدق بها ليس بواجب ، ولا يجوز ذلك في مال الصبي لأنه لا يقدر على أكل جميعها عادة ولا يجوز بيعها فلا تجب . وذكر القدوري في شرحه الصحيح أنها تجب ولا يتصدق بها لأنه تطوع ، ولكن يأكل منها الصغير وعياله ويدخر له ما يمكنه ويبتاع له بالباقي ، وما ينتفع بعينه كما يجوز للبالغ ذلك في الجلد . والجد مع الحفدة كالأب عند عدمه ( ويجب على كل واحد شاة ) لأنه أدنى الدم كما قلنا في الهدايا .

قال : ( وإن اشترك سبعة في بقرة أو بدنة جاز إن كانوا من أهل القربة ) يعني مسلمين ( ويريدونها ) يعني يريدون القربة ، حتى لو كان أحدهم كافرا أو أراد اللحم لا القربة لا يجزئ واحدا منهم لأن الدم لا يتجزأ ليكون بعضه قربة وبعضه لا ، فإذا خرج البعض عن أن يكون قربة خرج الباقي ، والأصل في جواز الشركة ما روى جابر قال : " نحرنا مع رسول الله - عليه الصلاة والسلام - البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " ، وتجزئ عن أقل من سبعة بطريق الأولى ، ولا تجزئ عن أكثر ; لأن القياس أن لا تجزئ إلا عن واحد لأنه إراقة واحدة ، إلا أنا تركنا القياس بما روينا وأنه مقيد بالسبعة فلا يزاد عليه . وتجوز البدنة بين اثنين نصفين ; لأنه لما جاز ثلاثة أسباع فلأن يجوز ثلاثة ونصف أولى ، ولو كان لأحدهم أقل من السبع لا يجزئه .

( ولو اشترى بقرة للأضحية ثم أشرك فيها ستة أجزأه ) استحسانا ، والقياس أن لا يجوز ; لأنه أعدها للقربة فلا يجوز بيعها وفي الشركة بيعها . وجه الاستحسان أن الحاجة ماسة إلى ذلك [ ص: 494 ] لأنه قد لا يجد إلا بقرة ولا يجد شركاء فيشتريها ثم يطلب الشركاء بعد ذلك فجوزناه للحاجة ، والأحسن أن يطلب الشركاء قبل الشراء لئلا يكون راجعا عن القربة . وعن أبي حنيفة أنه يكره ذلك بعد الشراء ، وقيل لو أراد الاشتراك وقت الشراء لا يكره . وقيل إن كان فقيرا لا يجوز لأنه أوجبها بالشراء ، فإن أشرك جاز ويضمن حصة الشركاء ، وقيل الغني إذا شارك يتصدق بالثمن ; لأن ما زاد على السبع غير واجب عليه وبالشراء قد أوجبه على نفسه فيتصدق بثمنه .

قال : ( ويقتسمون لحمها بالوزن ) ; لأنه موزون ولا يتقاسمونه جزافا إلا أن يكون معه الأكارع والجلد فيجوز كما قلنا في البيع .

( وتختص بالإبل والبقر والغنم ) لما مر في الهدي ، ولقول الصحابة : الضحايا من الإبل والبقر والغنم وذلك اسم للكبار دون الصغار .

قال : ( ويجزئ فيها ما يجزئ في الهدي ) وهو الثني من الكل ، وهو من الغنم ما له سنة ، ومن البقر سنتان ، ومن الإبل خمس سنين ، ولا يجوز الجذع من الإبل والبقر والمعز ، لما روى أبو بردة قال : " قلت : يا رسول الله ضحيت قبل الصلاة وعندي عتود خير من شاتي لحم أفيجزئني أن أضحي به ؟ قال : يجزيك ولا يجزئ أحدا بعدك " ، والعتود من المعز كالجذع من الضأن ، وهو الذي أتى عليه أكثر الحول وهو القياس في الضأن أيضا ، إلا أنا تركناه بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " نعم الأضحية الجذع من الضأن " ، ثم الاسم يتناول السالم منها ولا يجوز المعيب ، وقد بيناه والاختلاف فيه في باب الهدي بعون الله تعالى ، إلا أن القليل من العيب عفو ; لأنه قلما يسلم الحيوان منه فكان في اعتباره حرج فينتفي والشق في الأذن والوسم قليلا لا اعتبار به ، ويتصدق بجلالها وخطامها ، ولا يعطي أجر الجزار منها وقد بيناه في الهدي .

قال : ( وتختص بأيام النحر ، وهي ثلاثة : عاشر ذي الحجة وحادي عشره وثاني عشره ، أفضلها أولها ) لما روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا : أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها ، وهذا لا يهتدي إليه العقل فكان طريقه السمع فكأنهم [ ص: 495 ] قالوه عن النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وأفضلها أولها لما رويناه ، لكونه مسارعة إلى الخير والقربة ، وأدناها آخرها لما فيه من التأخير عن فعل الخير ، ويجوز ذبحها في أيامها ولياليها لأن الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع ينتظم ما بإزائها من الليالي كما في النذر لما عرف من قصة زكريا - عليه السلام - . قال : ( فإن مضت ولم يذبح ، فإن كان فقيرا وقد اشتراها تصدق بها حية ) ; لأنها غير واجبة على الفقير ، فإذا اشتراها بنية الأضحية تعينت للوجوب ، والإراقة إنما عرفت قربة في وقت معلوم وقد فات فيتصدق بعينها .

( وإن كان غنيا تصدق بثمنها اشتراها أو لا ) لأنها واجبة عليه ، فإذا فات وقت القربة في الأضحية تصدق بالثمن إخراجا له عن العهدة كما قلنا في الجمعة إذا فاتت تقضى الظهر والفدية عند العجز عن الصوم إخراجا له عن العهدة .

قال : ( ويدخل وقتها بطلوع الفجر أول أيام النحر ، إلا أن أهل المصر لا يضحون قبل صلاة العيد ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين " ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة ثم الأضحية " ، وهذا الشرط في حق من تجب عليه الصلاة ، أما من لا تجب عليه وهم أهل السواد فيجوز ذبحه بعد طلوع الفجر ، وهذا لأن العبادة لا يختلف وقتها بالمصر وعدمه كسائر العبادات . أما شرطها يجوز أن يختلف ، ألا ترى أن الظهر يمنع من فعلها يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا يمنع ذلك في السواد كذا هذا ، ولو ضحى بعد صلاة أهل المسجد قبل صلاة أهل الجبانة لا يجوز قياسا لأنه ضحى قبل الصلاة المعتبرة ، وجاز استحسانا لحصولها بعد صلاة معتبرة فإن الاكتفاء بها جائز ، ولو ضحى بها بعد أهل الجبانة قبل أهل المسجد ، قال الكرخي : كذلك ، وقيل يجوز بكل وجه لأنها هي الأصل وصلاة أهل المصر لعذر ، وقيل لا يجوز بكل وجه ; لأن صلاة أهل المصر هي الأصل كسائر الصلوات ، وخروج [ ص: 496 ] الآخرين بعذر ضيق المسجد عنهم ، فإن لم يصل الإمام في اليوم الأول لعذر لا يضحي حتى تزول الشمس ، وفي اليوم الثاني تجوز قبل صلاة العيد وبعدها ، رواه القدوري عن محمد ، والمعتبر مكان الأضحية لإمكان المالك كما في الزكاة . وعن الحسن أنه اعتبر مكان المالك كصدقة الفطر ، فلو كان بالمصر وأهله بالسواد جاز أن يضحوا عنه قبل الصلاة وبالعكس لا ، وعند الحسن خلاف ذلك ، ويتأكد وجوبها آخر أيام النحر حتى لو افتقر في أيام النحر سقطت عنه ، وإن افتقر بعدها لا تسقط ويتصدق بالثمن كما بينا ، وكذا لو مات في أيام النحر سقطت وبعدها لا ، ويجب عليه أن يوصي بالتصدق بثمنها ، ولو اشترى الفقير وضحى ثم أيسر في أيام النحر ، قيل يعيد لأن العبرة لآخر الوقت ، وقيل لا لأن الوجوب بطلوع الفجر أول الأيام .

قال : ( ويأكل من لحمها ، ويطعم الأغنياء والفقراء ويدخر ) لقوله - تعالى - : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فكلوا وادخروا " ، وإنما يجوز أن يطعم الأغنياء لأنه يجوز له الأكل وهو غني فكذا غيره ، ويستحب أن لا تنقص الصدقة عن الثلث لأن النصوص قسمتها بين الأكل والتصدق والادخار فيكون لكل واحد الثلث وينتفع بجلدها فيما يفرش وينام عليه ، أو يعمل منه آلة تستعمل كالقربة والدلو والسفرة لما روي عن عائشة اتخذت من جلد أضحيتها سقاء ، أو يشتري به آلة كالمنخل والغربال ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بالاستهلاك كالأبازير ونحوها ; لأن المأثور أن ينتفع به أو ببدله مع بقاء عينه ، ولا يبيعه لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من باع جلد أضحيته فلا أضحية له " ، فإن باعه بشيء من النقود يتصدق به لأن وقت القربة قد فات فيتصدق به ، كذا رواه محمد .

قال : ( ويكره أن يذبحها الكتابي ) لأنها عبادة ، وإن ذبحها جاز لأنه من أهل التذكية ، والأولى أن يذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح لأنها عبادة ، فإذا فعلها بنفسه كان أفضل كما في سائر العبادات ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - : " ضحى بكبشين أملحين يذبح ويكبر ويسمي " [ ص: 497 ] رواه أنس ، وروى جابر : " أنه - عليه الصلاة والسلام - ضحى بكبشين وقال حين وجههما : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما ، اللهم منك ولك ، عن محمد وأمته بسم الله الله أكبر " ، وإن كان لا يحسن الذبح فالأولى أن يوليها غيره ، ويستحب أن يحضرها إن لم يذبحها ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يا فاطمة بنت محمد قومي فاشهدي أضحيتك ، فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها إلى الأرض كل ذنب ، أما إنه يجاء بدمها ولحمها فيوضع في ميزانك وسبعون ضعفا ، قال أبو سعيد الخدري : يا نبي الله هذا لآل محمد خاصة فإنهم أهل لما خصوا به من الخير ، أم لآل محمد وللمسلمين عامة ؟ قال : لآل محمد وللمسلمين عامة " .

قال : ( ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره جاز ) استحسانا ولا يجوز قياسا ، وهو قول زفر ; لأنه ذبح شاة غيره بغير أمره فيضمن ، كما إذا ذبح شاة قصاب ، وإذا ضمن لا يجزيه عن الأضحية . وجه الاستحسان أنه لما اشتراها للأضحية فقد تعينت للذبح أضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها فصار مستعينا بكل من كان أهلا للذبح على ذبحها آذنا له دلالة ; لأنه ربما يعجز عن إقامتها لعارض يعرض له فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها ليذبحها ، وإن كان تفوته المباشرة وحضورها ، لكن يحصل له تعجيل البر وحصول مقصوده بالتضحية بما عينه فيرضى به ظاهرا .

قال : ( ولو غلطا فذبح كل واحد منهما أضحية الآخر جاز ) وفيه قياس واستحسان كما تقدم .

( ويأخذ كل واحد منهما أضحيته من صاحبه مذبوحة ومسلوخة ولا يضمنه ) ; لأنه وكيله دلالة كما مر .

( فإن أكلاها ثم علما فليتحللا ويجزيهما ) ; لأنه لو أطعم كل واحد منهما صاحبه ابتداء جاز .

[ ص: 498 ] ( وإن تشاجرا ضمن كل لصاحبه قيمة لحمه ) ; لأن التضحية لما وقعت لصاحبه كان اللحم له ، ومن أتلف لحم أضحية غيره ضمنه ، ثم يتصدق كل واحد منهما بما أخذ من القيمة ; لأنه بدل لحم الأضحية ، فصار كما لو باع أضحيته . فقير اشترى أضحية فضاعت فاشترى أخرى ثم وجد الأولى فعليه أن يضحي بهما ; لأن الواجب على الفقير بالشراء بنية الأضحية بمنزلة النذر عرفا ، والشراء قد تعدد ، بخلاف الغني لأن الوجوب عليه بإيجاب الشرع ، والشرع لم يوجب عليه إلا مرة واحدة . وذكر الزعفراني : إن أوجب الثانية إيجابا مستأنفا فعليه أن يضحي بهما ، وإن أوجبها بدلا عن الأولى فله أن يذبح أيهما شاء ; لأن الإيجاب متحد فاتحد الواجب ، والله أعلم .




الخدمات العلمية