الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 139 ] سؤال في يزيد بن معاوية [ ص: 140 ] [ ص: 141 ] بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

سئل شيخ الإسلام الإمام العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية رضي الله عنه :

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في يزيد بن معاوية هل كان صحابيا؟ وما حكم من يعتقد أنه [كان] صحابيا أو أنه كان نبيا؟ وهل في الصحابة من اسمه يزيد؟

فأجاب رضي الله عنه فقال :

الحمد لله رب العالمين . يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الذي تولى على المسلمين بعد أبيه معاوية بن أبي سفيان لم يكن من الصحابة ، ولكن عمه يزيد بن أبي سفيان من الصحابة . فإن أبا سفيان بن حرب كان له عدة أولاد : منهم يزيد بن أبي سفيان ، ومنهم معاوية بن أبي سفيان ، ومنهم أم حبيبة أم المؤمنين ، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانت قد آمنت قبل أبيها وأخويها ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة ، ثم حلت من زوجها ، فخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - . وزوجها ابن عمها خالد بن سعيد . وأصدق النجاشي صداقها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 142 ]

وزوجة أبي سفيان هند بنت عتبة بن ربيعة .

فلما كان عام فتح مكة أسلم أبو سفيان وامرأته وأولاده ، وأسلم سائر رؤساء قريش مثل سهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام أخي أبي جهل بن هشام ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وغير هؤلاء ، وأسلم أيضا عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وغيرهما .

وهؤلاء كانوا سادات قريش وأكابرهم بعد الذين قتلوا منهم ببدر ، وكانوا قبل ذلك كفارا محاربين لله ورسوله ، قد قاتلوه يوم أحد ويوم الأحزاب ، ثم لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة من عليهم وأطلقهم فسموا الطلقاء .

وكان قد أخذ بعضادتي البيت فقال : ماذا أنتم قائلون؟

قالوا : نقول : أخ كريم وابن عم كريم ، قال : إني قائل لكم ما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .

وكان إسلام أبي سفيان قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة بمر الظهران .

وهرب منه عكرمة ثم رجع فأسلم . وصفوان وغيره شهدوا حنينا وهم كفار ، ثم أسلموا بعد ذلك . [ ص: 143 ]

وعامة هؤلاء الذين أسلموا عام الفتح حسن إسلامهم ، مثل سهيل بن عمرو ، ومثل عكرمة بن أبي جهل ، ومثل يزيد بن أبي سفيان ، ومثل الحارث بن هشام ، ومثل أبي سفيان بن الحارث .

فإن هؤلاء صاروا من خيار المسلمين .

فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر وقام بجهاد المرتدين والكافرين أمر الأمراء لقتال النصارى بالشام وفتح الشام . فكان ممن أمره يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية وعم يزيد الذي تولى الملك . وأمر خالد بن الوليد ، وأمر عمرو بن العاص ، وأمر شرحبيل بن حسنة ، وهؤلاء كلهم من الصحابة .

ومشى أبو بكر الصديق في ركاب يزيد بن أبي سفيان ووصاه بوصية معروفة عند العلماء ذكرها مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيرهم ، واعتمد عليها العلماء في الجهاد .

ففي "الموطأ" عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام ، فخرج معه يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع . فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر : إما أن تركب وإما أن أنزل . فقال أبو بكر : ما أنت بنازل وما أنا براكب . إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية