الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 76 ] ( باب ) الغصب ، أخذ مال ، قهرا ، تعديا ، بلا حرابة

التالي السابق


( باب ) في بيان حقيقة الغصب وأحكامه

[ ص: 76 ] الغصب ) أي حقيقته شرعا ، وأما لغة فهو أخذ شيء ظلما . الجوهري غصب الشيء أخذه ظلما والاغتصاب مثله ( أخذ ) بفتح فسكون مصدر مضاف لمفعوله ، جنس شمل المعرف وغيره ، وإضافته ل ( مال ) فصل مخرج أخذ غيره أخذا ( قهرا ) فصل ثان مخرج أخذ مال بلا قهر باشتراء أو قبول هبة وصدقة وعارية الوديعة ورهن ، أو بسرقة أو اختلاس ( تعديا ) أي ظلما ، فصل ثالث مخرج أخذ مال قهرا بحق كأخذ دين الوديعة ودية وأرش جناية وعوض متلف ومسروق ومغصوب ممن هو عليه قهرا ( بلا حرابة ) أي مقاتلة ، فصل رابع مخرج الحرابة . ابن عرفة الغصب أخذ مال غير منفعة ظلما قهرا لا بخوف قتال فيخرج أخذه غيلة ، إذ لا قهر فيه لأنه بموت مالكه وحرابة ، وقول ابن الحاجب مختصرا كلام ابن شاس أخذ المال عدوانا قهرا من غير حرابة يبطل طرده بأخذ المنافع كذلك ، كسكنى ربع وخربة وليس غصبا ، بل تعديا ، وتعقب بتركيبه وهو وقف معرفته على معرفة حقيقة أخرى ليست أعم منه ولا أخص من أعمه . وقول ابن عبد السلام ذكر القيود في الرسم بحرف السلب لا يحصل به تمييز ، بل يوجب إجمالا ، فإنك لا تشاء تقول مثل ذلك في حد أو رسم إلا قلته يرد بأن العدم الإضافي يفيد نفي ما كان محتملا الثبوت ، إفادة ظاهرة ، ولذا صح وروده في النعوت في كلام العرب والقرآن ، كقوله تعالى { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } ، والخاصية من الماهيات الجعلية الاصطلاحية يصح كونها عدمية ، ولذا لم يتعقب الأشياخ حد القاضي القياس بقوله حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من [ ص: 77 ] إثبات حكم أو صفة أو نفيها باشتماله على قيدين عدميين ، مع كثرة إيراد الأسئلة عليه . وفي الذخيرة عرف بعضهم الغصب بأنه رفع اليد المستحقة ووضع اليد العادية قهرا . وقيل وضع اليد العادية قهرا ، وينبغي على التعريفين أن الغاصب من الغاصب غاصب على الثاني ، لا على الأول ، لكونه لم يرفع اليد المستحقة . ( تنبيهات )

الأول : المراد بالأخذ الاستيلاء على المال وإن يجزه الغاصب لنفسه بالفعل ، فإذا استولى الظالم على مال شخص قهرا تعديا فاستيلاؤه غصب ، ولو أبقاه بموضعه الذي وضعه ربه فيه .

الثاني : في المقدمات التعدي على رقاب الأموال سبعة أقسام لكل قسم منها حكم يخصه ، وهي كلها مجمع على تحريمها ، وهي الحرابة والغصب ، والاختلاس والسرقة والخيانة والإدلال والجحد .

الثالث : في التنبيهات الغصب يطلق في لسان العرب على أخذ كل ملك بغير رضا صاحبه من ذوات أو منافع ، وكذلك التعدي سرا أو جهرا أو اختلاسا أو سرقة أو خيانة أو قهرا ، غير أنه استعمل في عرف الفقهاء في أخذ أعيان المتملكات بغير رضا أربابها وغير ما يجب على وجه القهر والغلبة من غير ذي سلطان وقوة ، واستعمل التعدي عرفا في التعدي على عينها أو منافعها ، سواء كان للمتعدي في ذلك يد بإذن أربابها أو لم يكن كالقراض والودائع والإجارة والصناع والبضائع والعواري وفرق الفقهاء بين الغصب والتعدي بوجوه منها أن الغاصب يضمن المغصوب يوم غصبه لأنه يوم وضع يده عليه والمتعدي يوم التعدي وأن الغاصب يضمن الفساد اليسير والمتعدي لا يضمن إلا الكثير ، وأن المتعدي يضمن كراء ما تعدى عليه وأجرته بكل حال عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وقال في الغاصب لا كراء عليه ، وفي هذه الأصول اختلاف بين أصحابنا معلوم .

الرابع : ابن عرفة معرفة حرمته في الدين ضرورية لأن حفظ الأموال إحدى الكليات التي اجتمعت الملل عليها .




الخدمات العلمية