الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب الشفعة ) بإسكان الفاء من الشفاعة أي : الزيادة أو التقوية أو من الشفع وهو أحسنها فإن الشفع هو الزوج والشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه فصار شفعا والشافع هو جاعل الوتر شفعا والشفيع فعيل بمعنى فاعل وهي ثابتة بالسنة فروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة } رواه أحمد والبخاري وحكى ابن المنذر الإجماع عليها ( وهي استحقاق الشريك ) في ملك الرقبة ولو مكاتبا ( انتزاع حصة شريكه ) إذا انتقلت إلى غيره من يد من انتقلت حصة الشريك ( إليه إن كان ) المنتقل إليه ( مثله ) أي : الشفيع في الإسلام أو الكفر ( أو دونه ) بأن كان الشفيع مسلما والمشتري كافرا فإن كان بالعكس فلا شفعة ويأتي وقوله ( بعوض مالي ) متعلق بانتقلت وقوله ( بثمنه ) أي : نصيب الشريك ( الذي استقر عليه العقد ) متعلق بانتزاع فخرج بقوله " الشريك " الجار والموصى له بنفع دار إذا باعها أو بعضها وارث ; لأن الموصى له ليس بمالك لشيء من الدار وقوله " بعوض " مخرج للموروث والموصى به والمرهون بلا عوض ونحوه .

                                                                                                                      وقوله " مالي " مخرج للمجعول عوضا عن مهر أو خلع أو دم عمد صلحا ونحوه قال الحارثي : وأورد على قيد الشركة أنه لو كان من تمام الحد لما حسن أن يقال : هل تثبت الشفعة [ ص: 135 ] للجار أو لا ؟ انتهى ويرد بأن السؤال لا يكون ممن عرف هذا الحد وإنما يكون من الجاهل به فيجاب بأن الشفعة استحقاق الشريك لا الجار .

                                                                                                                      ( ولا يحل الاحتيال لإسقاطها ) أي : الشفعة قال الإمام أحمد : لا يجوز شيء من الحيل في إبطالها ولا إبطال حق مسلم واستدل الأصحاب بحديث أبي هريرة مرفوعا { لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل } قاله في المغني وغيره ورواه ابن بطة بإسناده وقد حرم الله الحيل في كتابه في مواضع ( ولا تسقط ) الشفعة ( به ) أي : بالاحتيال لإسقاطها ; لأنها وضعت لدفع الضرر فلو سقطت بالتحيل للحق الضرر .

                                                                                                                      ( والحيلة أن يظهرا ) أي : المتعاقدان ( في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه و ) أن ( يتواطآ في الباطن على خلافه ) أي : خلاف ما أظهراه ( فمن صور الاحتيال : أن تكون قيمة الشقص ) بكسر الشين أي : النصيب ( مائة وللمشتري عرض قيمته مائة فيبيعه ) أي : فيتواطآن على بيع ( العرض ) لمالك الحصة ( بمائتين ثم يشتري الشقص منه بمائتين فيتقاصان أو يتواطآن على أن ) يبيعه الشقص بمائتين ثم ( يدفع إليه عشرة دنانير عن المائتين وهي ) أي : العشرة الدنانير ( أقل ) قيمة من المائتين من الدراهم ( فلا يقدم الشفيع عليه ) أي : على أخذ الشقص ( لنقصان قيمته عن المائتين ومنها ) أي : صور الاحتيال ( إظهار كون الثمن مائة ويكون المدفوع ) ثمنا باطنا ( عشرين فقط ومنها أن يكون كذلك ) أي : أن يظهرا أن الثمن مائة ( فيبرئه ) البائع من ثمانين من المائة ويأخذ عشرين .

                                                                                                                      ( ومنها ) أي : من صور الاحتيال ( أن يهبه ) البائع ( الشقص ويهبه الموهوب له الثمن ) بعد أن تواطآ على ذلك ( ومنها أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة ) ب ( المشاهدة مجهولة المقدار ) ليمنع الشفيع من الشفعة لجهالة قدر الثمن ( أو ) يبيعه الشقص ( بجوهرة ونحوها ) مما تجهل قيمته ليمنع أخذ الشفيع بالشفعة ( فالشفيع على شفعته في جميع ذلك ) المذكور من الصور كما تقدم ( فيدفع ) الشفيع إذا أخذ بالشفعة ( في ) الصورة ( الأولى ) وهي ما إذا كانت قيمة الشقص مائة وللمشتري عرض قيمته مائة فأظهرا ببيع كل منهما بمائتين وتقاصا ( قيمة العرض مائة ) ; لأنها الثمن حقيقة ( أو ) يدفع فيما إذا كانت قيمة الشقص مائة وأظهرا البيع بمائتين ثم عوضه عنها عشرة دنانير ( مثل العشرة دنانير ) دون المائتين ; لأنها غير مقصودة باطنا .

                                                                                                                      ( و ) يدفع ( في ) الصورة ( الثانية ) وهي ما إذا أظهر أن الثمن مائة والمدفوع عشرون فقط [ ص: 136 ] عشرين .

                                                                                                                      ( و ) في ( الثالثة ) وهي ما إذا أظهرا أن الثمن مائة وأبرأه من ثمانين ( عشرين ) ; لأن ما زاد عليها ليس مقصودا حقيقة ( و ) يدفع ( في ) الصورة ( الرابعة ) وهي ما إذا أظهرا التواهب ( مثل الثمن الموهوب له ) أي : للبائع .

                                                                                                                      ( و ) يدفع ( في ) الصورة ( الخامسة ) وهي ما إذا باعه بصبرة دراهم مشاهدة مجهولة القدر حيلة أو بجوهرة ونحوها مجهولة القيمة حيلة ( مثل الثمن المجهول ) من الدراهم ( أو قيمته ) إذا كان جوهرة ونحوها ( إن كان ) الثمن ( باقيا ولو تعذر معرفة الثمن ) مع الحيلة ( بتلف ) الثمن المعقود عليه ( أو موت ) العبد ونحوه المجعول ثمنا ( دفع ) الشفيع ( إليه ) أي : المشتري ( قيمة الشقص ) المشفوع ; لأن الأصل في عقود المعاوضات أن يكون العوض فيها بقدر القيمة ; لأنها لو وقعت بأقل أو أكثر لكانت محاباة والأصل عدمها " تتمة " في الفائق قلت : ومن صور التحيل : أن يقفه المشتري أو يهبه حيلة لإسقاطها فلا تسقط بذلك عند الأئمة الأربعة ويغلط من يحكم بهذا ممن ينتحل مذهب أحمد وللشفيع الأخذ بدون حكم انتهى قال في القاعدة الرابعة والخمسين : من الأظهر .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية