الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثالث والستون

معرفة طبقات الرواة والعلماء

وذلك من المهمات التي افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين وغيرهم .

و كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي كتاب حفيل كثير الفوائد، وهو ثقة، غير أنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء، ومنهم الواقدي وهو محمد بن عمر الذي لا ينسبه .

والطبقة في اللغة عبارة عن القوم المتشابهين، وعند هذا فرب شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها ، فأنس بن مالك الأنصاري وغيره من أصاغر الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة .

وعلى هذا فالصحابة بأسرهم طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين ثالثة، وهلم جرا .

وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا - على ما سبق ذكره - بضع عشرة طبقة، ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من طبقة العشرة من الصحابة، بل دونهم بطبقات .

والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم، ونحو ذلك، والله أعلم .

النوع الرابع والستون

معرفة الموالي من الرواة والعلماء

وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل : "فلان القرشي" أنه منهم صليبة، فإذا بيان من قيل فيه " قرشي " من أجل كونه مولى لهم مهم .

واعلم أن فيهم من يقال فيه: "مولى فلان" أو " لبني فلان" والمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك .

ومنهم من أطلق عليه لفظ " المولى" والمراد بها ولاء الإسلام ، ومنهم أبو عبد الله البخاري : فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم - وكان مجوسيا - على يد اليمان بن أخنس الجعفي جد عبد الله بن محمد المسندي الجعفي أحد شيوخ البخاري .

وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك : إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه .

ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة: كمالك بن أنس الإمام ونفره: هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موال لتيم قريش بالحلف ، وقيل : لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة فقيل : "مولى التيميين" لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي .

وهذا قسم رابع في ذلك: وهو نحو ما أسلفناه في مقسم أنه قيل فيه: "مولى ابن عباس" للزومه إياه .

وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم :

أبو البختري الطائي سعيد بن فيروز التابعي ، هو مولى طيئ.

أبو العالية رفيع الرياحي التميمي التابعي : كان مولى امرأة من بني رياح .

عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما: هو مولى بني هاشم .

الليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم .

عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي مولاهم .

عبد الله بن وهب المصري القرشي مولاهم .

عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني مولاهم .

وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم . والله أعلم.

روينا عن الزهري قال: "قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري؟ قلت : من مكة . قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت : عطاء بن أبي رباح . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم؟ قلت : بالديانة والرواية . قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا .

قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت : طاوس بن كيسان . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم؟ قلت : بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي .

قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت : يزيد بن أبي حبيب . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .

قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت : مكحول . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل .

قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت : ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .

قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت : الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .

قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال: قلت : الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .

قال: ويلك! فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت : إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من العرب .

قال: ويلك يا زهري! فرجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها . قال: قلت : "يا أمير المؤمنين؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط ".

وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: "لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ".

قلت : وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي ، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار ، والله أعلم .

[ ص: 1485 ] [ ص: 1486 ] [ ص: 1487 ] [ ص: 1488 ] [ ص: 1489 ]

التالي السابق


[ ص: 1485 ] [ ص: 1486 ] [ ص: 1487 ] [ ص: 1488 ] [ ص: 1489 ] النوع الرابع والستون

معرفة الموالي من الرواة والعلماء

268 - قوله: (وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم) فذكر جماعة، ذكر فيهم عبد الله بن وهب المصري القرشي مولاهم، ثم قال: (وربما ينسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي لباب سعيد بن يسار الهاشمي) إلى آخر كلامه.

فذكر المصنف لعبد الله بن وهب فيمن ينسب إلى القبائل من مواليهم ليس بجيد؛ فإن ظاهره يقتضي أنه مولى قريش، وإنما هو مولى مولاها، فكان ينبغي أن يذكر مع سعيد بن يسار لما ذكر أنه مولى بني هاشم؛ وذلك أن عبد الله بن وهب القرشي الفهري مولى يزيد بن رمانة، ويزيد بن رمانة مولى [ ص: 1490 ] أبي عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهري.

ذكر ذلك جماعة منهم ابن يونس في (تاريخ مصر) وبه جزم المزي في (تهذيب الكمال) وقال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) والسمعاني في (الأنساب): "مولى رمانة" وقال البخاري في (التاريخ الكبير): "مولى بني رمانة" وهذا موافق لما تقدم عن ابن يونس، وهو الصواب، وإلى فهر تنسب قريش ومحارب والحارث بن فهر، قال الشاعر:


به جمع الله القبائل من فهر



[ ص: 1491 ] قال مؤلفه الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ، فريد دهره، ووحيد عصره أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي رحم الله تعالى سلفه وأبقى خلفه، وختم بالصالحات عملنا وعمله بمنه وكرمه:

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وهذا آخر ما تيسر جمعه على كتاب علوم الحديث، والله تعالى ينفع به جامعه وقارئه ومن نظر فيه، ويبلغنا من رحمته ما نؤمله ونرتجيه؛ إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

قال مؤلفه عفا الله عنه: "وكان الفراغ من تبييض هذه النسخة في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وثمانين وسبع مائة".




الخدمات العلمية