الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 210 ] فصل:

وقد أورد الأبهري ومن اتبعه على هذه الحجة المذكورة لقطع التسلسل في العلل اعتراضا زعم أنه يبين ضعفها، فقال في كلامه على ملخص الرازي وغيره: "قول القائل: مجموع تلك العلل الممكنة يحتاج إلى كل واحد منها .. إلخ. قلنا: لم لا يجوز أن يكون المؤثر في ذلك المجموع واحدا منها؟ أما قوله بأن ذلك لا يكون علة لنفسه ولا لما قبله، فلا يكون علة للمجموع. قلنا: لا نسلم وإنما يلزم أن لو كان علة المجموع علة لكل واحد من أجزائه فلم قلتم إنه كذلك، وهذا لأن الشيء جاز أن يكون علة للمجموع من حيث هو مجموع، فلا يكون علة لكل واحد من أجزائه، فإن الواجب لذاته علة لمجموع الموجودات، وليس علة لكل واحد من أجزائه لاستحالة كونه علة لنفسه، لا يقال بأن مجموع تلك العلل المتسلسلة ممكن وكل ممكن فهو مفتقر إلى علة خارجية، فذلك المجموع افتقر إلى علة خارجية عنه لأنا نقول: لا نسلم أن كل ممكن فهو محتاج إلى علة خارجية عنه، فإن المجموع المركب من الواجب والممكن ممكن لافتقاره إلى الممكن، وليس مفتقرا إلى علة خارجية عنه، لا يقال بأن المجموع المركب من آحاد كل واحد منها محتاج إلى علة خارجية، لأنا [ ص: 211 ] نقول: لا نسلم، وإنما يكون كذلك أن لو لم يكن كل واحد منها معولا لآخر إلى غير النهاية. لا يقال: إن جملة ما يفتقر إليه المجموع إما أن يكون نفس المجموع أو داخلا فيه أو خارجا عنه، والأول محال، وإلا لكان الشيء علة نفسه. والثاني محال، وإلا لكان بعض الأجزاء كافيا في المجموع. والثالث حق. قلنا: إن أردتم بجملة ما يفتقر إليه المجموع جملة الأمور التي يصدق على كل واحد منها أنه مفتقر إليه، فلم قلتم بأنه لا يجوز أن يكون هو نفس المجموع، والذي يدل عليه أن جملة الأمور التي يفتقر إليها الواجب والممكن ليس داخلا في المجموع لتوقفه على كل جزء منه ولا خارجا عنه، فهو نفس المجموع. وإن أردتم العلة الفاعلية فلم قلتم إنه يلزم أن يكون بعض الأجزاء كافيا في المجموع، وإذا كان المجموع ممكنا في نفسه فهو مفتقر إلى غيره، فما يفتقر إليه المجموع إما أن يكون هو المجموع أو داخلا فيه أو خارجا منه. والأول محال، وإلا لكان الشيء علة لنفسه. والثاني محال، وإلا لكان بعض الأجزاء كافيا في المجموع، لأن المجموع إذا كان ممكنا وإنما يفتقر إلى البعض، لزم أن يكون البعض هو المقتضي للمجموع، فيلزم أن يكون مقتضيا لنفسه ولعلته، وإن كان ما [ ص: 212 ] يفتقر إليه المجموع خارجا عن المجموع فهو المطلوب، وهذا التحرير يوجب أن يكون البعض علة فاعلة للمجموع، والعلة الفاعلة كافية للمجموع.

وقوله: "إن أردتم بجملة ما يفتقر إليه المجموع جملة الأمور التي يصدق على كل واحد منها أنه مفتقر إليه، فلم قلتم بأنه لا يجوز أن يكون هو نفس المجموع".

التالي السابق


الخدمات العلمية