الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 289 ] بسم الله الرحمن الرحيم سورة طه القول من أولها إلى قوله : فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى [الآيات : 1- 60 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      طه ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنـزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني [ ص: 290 ] إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها .سبلا وأنـزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى .

                                                                                                                                                                                                                                      الأحكام :

                                                                                                                                                                                                                                      فيه مما يتعلق بها موضعان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : قوله : فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ، فظاهر هذه الآية [ ص: 291 ] يدل على وجوب نزع النعلين في المساجد ، وذلك غير لازم ، وإنما أمر موسى عليه السلام بخلع نعليه ؛ لأنهما كانتا من جلد حمار غير ذكي ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما : إنما أمر بخلعهما ؛ ليباشر الوادي المقدس بقدميه ؛ تبركا به .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن ، وابن جريج : وكانت نعلاه من جلد بقر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ثبت : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه ولا ينزعهما ، وكان يدخل بهما مسجده والمسجد الحرام ) .

                                                                                                                                                                                                                                      والآية الأخرى : قوله : وأقم الصلاة لذكري ؛ روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من نسي صلاة أو نام عنها ؛ فليصلها إذا ذكرها ؛ فإن الله تعالى يقول : وأقم الصلاة لذكري ، والمصدر على هذه القراءة يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل ؛ التقدير : لذكري إقامة الصلاة ؛ يعني : نحو قوله : وأقيموا الصلاة [البقرة : 43 ] ، ويجوز أن يكون مضافا إلى المفعول ؛ كأنه قال : لتذكرني ؛ لأن في الصلاة ذكر الله تعالى وتعظيمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : أقم الصلاة ؛ لأن أذكرك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 292 ] وقيل : المعنى : أقم الصلاة إذا ذكرتني .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {للذكرى} ؛ فالمعنى : أقم الصلاة لتتذكر بها ما يلزمك أن تتذكره .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا نسخ فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية