الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في اللحد

                                                                      3208 حدثنا إسحق بن إسمعيل حدثنا حكام بن سلم عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا [ ص: 20 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 20 ] " 4025 " باب في اللحد

                                                                      ( اللحد ) : بفتح اللام وضمها . في النهاية : اللحد الشق الذي يعمل في جانب القبر لموضع الميت ، لأنه قد أميل عن وسط القبر إلى جانبه ، يقال لحدت وألحدت انتهى . وقال النووي : يقال لحد يلحد كذهب يذهب وألحد يلحد إذا حفر القبر ، واللحد بفتح اللام وضمها معروف وهو الشق تحت الجانب القبلي من القبر انتهى . زاد المناوي : قدر ما يسع الميت ويوضع فيه وينصب عليه اللبن ( لنا ) : أي هو الذي نؤثره ونختاره أيها المسلمون قاله المناوي ( والشق ) : بفتح الشين أن يحفر وسط أرض القبر ويبنى حافتاه بلبن أو غيره ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه ( لغيرنا ) : من الأمم السابقة فاللحد من خصوصيات هذه الأمة . وفيه دليل على أفضلية اللحد ، وليس فيه نهي عن الشق . قال القاضي : معناه . أن اللحد آثر لنا والشق لهم ، وهذا يدل على اختيار اللحد ، فإنه أولى من الشق لا المنع منه لكن محل أفضلية اللحد في الأرض الصلبة وإلا فالشق أفضل . قال ابن تيمية : وفيه تنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب في كل ما هو شعارهم .

                                                                      عن ابن شهاب قال : حدثنا أبو سلمة عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نذر في معصية وكفارتها كفارة اليمين ( وقال أحمد بن محمد ) المروزي شيخ المؤلف ( وتصديق ذلك ) أي تدليس الزهري في هذا الحديث ( ما حدثنا أيوب يعني ابن سليمان ) وسيأتي حديثه بتمامه ، وأبو اليقظان الأعمى عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف ولفظ أبي نعيم في الحلية بإسناده إلى جرير بن عبد الله " ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا " . قال العلقمي : وإسناده ضعيف وأجمع العلماء على أن الدفن في اللحد والشق جائزان ، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها [ ص: 21 ] فاللحد أفضل ، وإن كانت رخوة فالشق أفضل . وقال المتولي : اللحد أفضل مطلقا لظاهر هذا الحديث وغيره انتهى .

                                                                      والحاصل : أن حديث ابن عباس يدل على استحباب اللحد وأنه أولى من الضرح ، وإلى ذلك ذهب الأكثر كما قال النووي وحكى في شرح مسلم إجماع العلماء على جواز اللحد والشق ، ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن أنس قال " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد وآخر يضرح فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه ، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا له " ولابن ماجه هذا المعنى من حديث ابن عباس : وفيه أن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح وأن أبا طلحة كان يلحد ، وحديث أنس إسناده حسن وحديث ابن عباس فيه ضعف قاله الحافظ .

                                                                      ومعنى قوله : كان يضرح أي يشق في وسط القبر . قال الجوهري : الضرح الشق انتهى .

                                                                      ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر من كان يضرح ولم يمنعه . وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي : إن كان المراد بضمير الجمع في " لنا " المسلمين ، وبـ " غيرنا " اليهود والنصارى مثلا فلا شك أنه يدل على أفضلية اللحد بل على كراهية غيره وإن كان المراد بـ " غيرنا " الأمم السابقة ففيه إشعار بالأفضلية . وعلى كل تقدير ليس اللحد واجبا والشق منهيا عنه وإلا لما كان يفعله أبو عبيدة وهو لا يكون إلا بأمر من الرسول أو تقرير منه ، ولم يتفقوا على أن أيهما جاء أولا عمل عمله انتهى كلامه .

                                                                      وعند أحمد من حديث ابن عمر بلفظ : " أنهم ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا " وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بلفظ : " ألحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر " .

                                                                      وحديث ابن عباس الذي في الباب لم يتكلم عليه المنذري وصححه ابن السكن قال الشوكاني : وحسنه الترمذي كما وجدنا ذلك في بعض النسخ الصحيحة من جامعه . وفي إسناده : عبد الأعلى بن عامر . قال المناوي : قال جمع : لا يحتج بحديثه ، وقال أحمد : منكر الحديث . وقال ابن معين : ليس بالقوي . وقال ابن عدي : حدث بأشياء لا يتابع عليها . وقال ابن القطان : فأرى هذا الحديث لا يصح من أجله . وقال ابن حجر : الحديث ضعيف من وجهين . انتهى كلامه .

                                                                      [ ص: 22 ] فإن قلت : لما كان عند ابن عباس علم في ذلك لم تحير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته هل يلحدون له أو يضرحون ؟ قلت : يمكن أن يكون من سمع منه صلى الله عليه وسلم ذلك لم يحضر عند موته .

                                                                      وقد أغرب العيني في شرح البخاري حيث قال في معنى حديث ابن عباس : ومعنى " اللحد لنا " أي لأجل أموات المسلمين والشق لأجل أموات الكفار انتهى ، وقد قال الحافظ زين الدين العراقي : المراد بقوله " لغيرنا " أهل الكتاب كما ورد مصرحا به في بعض طرق حديث جرير في مسند الإمام أحمد ، والشق لأهل الكتاب انتهى .

                                                                      وقال في الفتح : وهو يؤيد فضيلة اللحد على الشق انتهى .

                                                                      قال المنذري : والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي غريب ، وأخرجه أيضا من حديث جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم .




                                                                      الخدمات العلمية