الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                صفحة جزء
                                                                                5568 ( 44 ) ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب

                                                                                ( 1 ) حدثنا وكيع وابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد بن الحارث أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه ، فقال الناس : تستخلف علينا فظا غليظا ، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ ، فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ، قال أبو بكر : أبربي تخوفونني ؛ أقول : اللهم استخلف عليهم خير خلقك ، ثم أرسل إلى عمر فقال : إني موصيك بوصية إن أنت حفظتها : إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وإن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة ؛ وإنما ثقلت موازين [ ص: 575 ] من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا ، وأن الله ذكر أهل الجنة بصالح ما عملوا ، وأنه تجاوز عن سيئاتهم ، فيقول القائل : ألا أبلغ هؤلاء ، وذكر أهل النار بأسوإ ما عملوا ، وأنه رد عليهم صالح ما عملوا ، فيقول قائل : أنا خير من هؤلاء ، وذكر آية الرحمة وآية العذاب ، ليكون المؤمن راغبا وراهبا ، لا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقي بيده إلى التهلكة ؛ فإن أنت حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ، وإن أنت ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ، ولن تعجزه .

                                                                                ( 2 ) حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت عمر بن الخطاب وبيده عسيب نخل وهو يجلس الناس ويقول : اسمعوا لقول خليفة رسول الله ، قال : فجاء مولى لأبي بكر يقال له شديد بصحيفة ، فقرأها على الناس فقال : يقول أبو بكر اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة ، فوالله ما ألوتكم ، قال قيس : فرأيت عمر بن الخطاب بعد ذلك على المنبر .

                                                                                ( 3 ) حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه ، والتي قالت : استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين والعزيز حين قال لامرأته : أكرمي مثواه .

                                                                                ( 4 ) حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عمرو بن ميمون قال : جئت وإذا عمر واقف على حذيفة وعثمان بن حنيف ، فقال : تخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ، فقال حذيفة : لو شئت لأضعفت أرضي ، وقال عثمان : لقد حملت أرضي أمرا هي له مطيقة ، وما فيها كثير فضل ، فقال : انظرا ما لديكما أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ، ثم قال : والله لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن بعدي إلى أحد أبدا ، قال : فما أتت عليه إلا أربعة حتى أصيب ، وكان إذا دخل المسجد قام بين الصفوف فقال : استووا ، فإذا استووا تقدم فكبر ، قال : فلما كبر طعن مكانه ، قال فسمعته يقول : قتلني الكلب أو أكلني الكلب ، قال عمرو : ما أدري أيهما قال ؟ قال : وما بيني وبينه غير ابن عباس ، فأخذ [ ص: 576 ] عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه وطار العلج وبيده سكين ذات طرفين ، ما يمر برجل يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى أصاب منهم ثلاثة عشر رجلا ، فمات منهم تسعة ، قال : فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا ليأخذه ، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه ، قال فصلينا الفجر صلاة خفيفة ، قال : فأما نواحي المسجد فلا يدرون ما الأمر إلا أنهم حيث فقدوا صوت عمر جعلوا يقولون : سبحان الله مرتين ، فلما انصرفوا كان أول من دخل عليه ابن عباس فقال : انظر من قتلني ؟ قال : فجال ساعة ثم جاء فقال : غلام المغيرة لصناع ، وكان نجارا ، قال : فقال عمر : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ، قاتله الله ، لقد أمرت به معروفا ، قال : ثم قال لابن عباس : لقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة ، قال : فقال ابن عباس : إن شئت فعلنا ، فقال : بعدما تكلموا بكلامكم وصلوا صلاتكم ونسكوا نسككم ؟ قال : فقال له الناس : ليس عليك بأس ، قال : فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه ، ثم دعا بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فظن أنه الموت ، فقال لعبد الله بن عمر : انظر ما علي من الدين فاحسبه ، فقال : ستة وثمانين ألفا ، فقال : إن وفى بها مال آل عمر فأدها عني من أموالهم ، وإلا فسل بني عدي بن كعب ، فإن تفي من أموالهم وإلا فسل قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم ، فأدها عني ، اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلم وقل : يستأذن عمر بن الخطاب ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإني لست لهم اليوم بأمير أن يدفن مع صاحبيه ، قال : فأتاها عبد الله بن عمر فوجدها قاعدة تبكي ، فسلم ثم قال : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ، قالت : قد والله كنت أريده لنفسي ، ولأوثرنه اليوم على نفسي ، فلما جاء قيل : هذا عبد الله بن عمر ، قال : فقال : ارفعاني ، فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : أذنت لك ، قال : فقال عمر : ما كان شيء أهم عندي من ذلك ، ثم قال : إذا أنا مت فاحملوني على سريري ثم قف بي على الباب ثم استأذن فقل : يستأذن عمر بن الخطاب ، فإن أذنت لك فأدخلني ، وإن لم تأذن فردني إلى مقابر المسلمين ، قال : فلما حمل كأن الناس لم تصبهم مصيبة إلا يومئذ ، قال : فسلم عبد الله بن عمر وقال : يستأذن عمر بن الخطاب ، فأذنت له حيث أكرمه الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ، فقالوا له حين حضره الموت : استخلف ، فقال : لا أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فأيهم استخلفوا فهو الخليفة بعدي ، فسمى عليا وعثمان وطلحة [ ص: 577 ] والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، فإن أصابت سعدا فذلك ، وإلا فأيهم استخلف فليستعن به ، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة ، قال : وجعل عبد الله بن عمر يشاور معهم وليس له من الأمر شيء ، قال : فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن بن عوف : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر ، قال : فجعل الزبير أمره إلى علي وجعل طلحة أمره إلى عثمان ، وجعل سعد أمره إلى عبد الرحمن ، قال : فأتمروا أولئك الثلاثة حين جعل الأمر إليهم ، قال : فقال عبد الرحمن : أيكم يتبرأ من الأمر ؟ ويجعل الأمر إلي ، ولكم الله علي أن لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين ، فأسكت الشيخان علي وعثمان ، فقال : عبد الرحمن : تجعلانه إلي وأنا أخرج منها ، فوالله لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين قالوا : نعم ، فخلا بعلي فقال : إن لك من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم ولي الله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن ، قال : فقال : نعم ، قال : وخلا بعثمان فقال مثل ذلك ، فقال له عثمان : نعم ، ثم قال : يا عثمان ، أبسط يدك ، فبسط يده فبايعه وبايعه علي والناس ، ثم قال عمر : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله والمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ، ويعرف لهم حرمتهم ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فإنهم ردء الإسلام وغيظ العدو وجباة الأموال أن لا يؤخذ منهم فيئهم إلا عن رضا منهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا : الذين تبوءوا الدار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام ، أن يؤخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم وأن لا يكلفوا إلا طاقتهم وأن يقاتل من وراءهم .

                                                                                ( 5 ) حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب لما حضر قال : ادعوا لي عليا وطلحة والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعدا ، قال : فلم يكلم أحدا منهم إلا عليا وعثمان ، فقال : يا علي ، لعل هؤلاء القوم يعرفون قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه ، واتق الله ، وإن وليت هذا الأمر فلا ترفعن بني فلان على رقاب الناس ، وقال لعثمان : يا عثمان ، إن هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنك وشرفك ، فإن أنت وليت هذا الأمر فاتق الله ، ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس ، فقال : ادعوا لي صهيبا ، فقال : صل بالناس ثلاثا ، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا ، فإن أجمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم .

                                                                                ( 6 ) حدثنا ابن إدريس عن طلحة بن يحيى عن عميه عيسى بن طلحة وعروة بن [ ص: 578 ] الزبير قالا : قال عمر : ليصل لكم صهيب ثلاثا ، وانظروا فإن كان ذلك وإلا فإن أمر محمد لا يترك فوق ثلاث سدى .

                                                                                ( 7 ) حدثنا ابن علية عن شعبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب قام خطيبا يوم جمعة أو خطب يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر نبي الله صلى الله عليه وسلموأبا بكر ثم قال : أيها الناس ، إني قد رأيت رؤيا كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين ، ولا أرى ذلك إلا لحضور أجلي ، وإن الناس يأمرونني أن أستخلف ، وإن الله لم يكن ليضيع دينه وخلافته ، والذي بعث به نبيه فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الرهط الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فأيهم بايعتم له فاسمعوا له وأطيعوا ، وقد عرفت أن رجالا سيطعنون في هذا الأمر ، وإني قاتلتهم بيدي هذه على الإسلام ، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال ، إني والله ما أدع بعدي أهم إلي من أمر الكلالة ، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن بأصبعه في جنبي أو صدري ، ثم قال : يا عمر ، تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر النساء ، وإن أعش فسأقضي فيها قضية لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن أو لا يقرأ القرآن ، ثم قال : اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار ، فإني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ، ويقسموا فيهم فيئهم ، ويعدلوا فيهم ، فمن أشكل عليه شيء رفعه إلي ، ثم قال : أيها الناس ، إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين : هذا الثوم وهذا البصل ، لقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد ريحه منه فيؤخذ بيده حتى يخرج به إلى البقيع ، فمن كان أكلهما لا بد فليمتهما طبخا ، قال : فخطب بها عمر يوم الجمعة ، وأصيب يوم الأربعاء لأربع بقين لذي الحجة .

                                                                                ( 8 ) حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن أبي حمزة عن جارية بن قدامة السعدي قال : حججت العام الذي أصيب فيه عمر ، قال : فخطب فقال : إني رأيت أن ديكا نقرني نقرتين أو ثلاثا ، ثم لم تكن إلا جمعة أو نحوها حتى أصيب ، قال : فأذن لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أذن لأهل المدينة ، ثم أذن لأهل الشام ، ثم أذن لأهل العراق ، فكنا آخر من دخل عليه وبطنه معصوب ببرد أسود والدماء تسيل ، كلما دخل قوم بكوا وأثنوا عليه ، فقلنا له : أوصنا وما سأله الوصية أحد غيرنا فقال : عليكم بكتاب الله ، فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه ، وأوصيكم بالمهاجرين فإن الناس يكثرون ويقلون ، وأوصيكم بالأنصار فإنهم [ ص: 579 ] شعب الإيمان الذي لجأ إليه ، وأوصيكم بالأعراب فإنها أصلكم ومادتكم ، وأوصيكم بذمتكم فإنها ذمة نبيكم ، ورزق عيالكم ، قوموا عني ، فما زادنا على هؤلاء الكلمات .

                                                                                ( 9 ) حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال : لما طعن عمر ماج الناس بعضهم في بعض ، حتى كادت الشمس أن تطلع ، فنادى مناد : الصلاة ، فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم ، فقرأ بأقصر سورتين في القرآن إنا أعطيناك الكوثر و إذا جاء نصر الله فلما أصبح دخل عليه الطبيب ، وجرحه يسيل دما ، فقال : أي الشراب أحب إليك ؟ قال : النبيذ ، فدعا بنبيذ فشربه فخرج من جرحه ، فقال له الطبيب : أوصه فإني لا أظنك إلا ميتا من يومك أو من غد .

                                                                                ( 10 ) حدثنا إسحاق الرازي عن أبي سنان عن عطاء بن السائب عن عامر قال : أحلف بالله ؛ لقد طعن عمر وإنه لفي النحل يقرؤها .

                                                                                ( 11 ) حدثنا ابن إدريس عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن ابن ميناء عن المسور بن مخرمة قال : سمعت عمر وإن إحدى أصابعي في جرحه هذه أو هذه أو هذه ، وهو يقول : يا معشر قريش ، إني لا أخاف الناس عليكم ، إنما أخافكم على الناس ، إني قد تركت فيكم ثنتين لن تبرحوا بخير ما لزمتموهما : العدل في الحكم ، والعدل في القسم ، وإني قد تركتكم على مثل محرفة النعم إلا أن يتعوج قوم فيعوج بهم .

                                                                                ( 12 ) حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة قال : دخلت أنا وابن عباس على عمر بعدما طعن وقد أغمي عليه ، فقلنا : لا ينتبه لشيء أفرغ له من الصلاة ، فقلنا : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فانتبه وقال : ولا حظ في الإسلام لامرئ ترك الصلاة ، فصلى وجرحه ليثعب دما .

                                                                                ( 13 ) حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قال : كنت أدع الصف الأول هيبة لعمر ، وكنت في الصف الثاني يوم أصيب ؛ فجاء فقال : الصلاة عباد الله ، استووا ، قال : فصلى بنا فطعنه أبو لؤلؤة طعنتين أو ثلاثا ، قال : وعلى عمر ثوب [ ص: 580 ] أصفر ، قال : فجعله على صدره ثم أهوى وهو يقول : وكان أمر الله قدرا مقدورا فقتل وطعن اثني عشر أو ثلاثة عشر ، قال : وما الناس عليه فاتكأ على خنجره فقتل نفسه .

                                                                                ( 14 ) حدثنا ابن نمير عن سفيان عن الأسود بن قيس عن عبد الله بن الحارث الخزاعي قال : سمعت عمر يقول في خطبته : إني رأيت البارحة ديكا نقرني ، ورأيته يجليه الناس عني ، وإني أقسم بالله لئن بقيت لأجعلن سفلة المهاجرين في العطاء على ألفين ألفين ، فلم يمكث إلا ثلاثا حتى قتله غلام المغيرة أبو لؤلؤة .

                                                                                ( 15 ) حدثنا جعفر بن عون عن محمد بن شريك عن ابن أبي مليكة قال : ما خص عمر أحدا من أهل الشورى دون أحد إلا أنه خلا بعلي وعثمان ، كل واحد منهما على حدة ، فقال : يا فلان ، اتق الله فإن ابتلاك الله بهذا الأمر فلا ترفع بني فلان على رقاب الناس ، وقال للآخر مثل ذلك .

                                                                                ( 16 ) حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حسن بن محمد قال : قال عمر لعثمان : اتق الله وإن وليت شيئا من أمور الناس فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ، وقال لعلي : اتق الله وإن وليت شيئا من أمور الناس فلا تحمل بني هاشم على رقاب الناس .

                                                                                ( 17 ) حدثنا ابن إدريس عن عبد العزيز بن عمر عن إبراهيم بن زرعة عالم من علماء أهل الشام قال : قلت له : من صلى على عمر ؟ قال : صهيب .

                                                                                ( 18 ) حدثنا ابن نمير عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن عمر حيث طعن جاء الناس يثنون عليه ويدعون له فقال عمر رحمه الله : أبالإمارة تزكونني ؟ لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض وهو عني راض ، وصحبت أبا بكر فسمعت وأطعت ، فتوفي أبو بكر وأنا سامع مطيع ، وما أصبحت أخاف على نفسي إلا إمارتكم هذه .

                                                                                ( 19 ) حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وأشياخ قالوا : رأى عمر بن الخطاب في المنام فقال : رأيت ديكا أحمر نقرني ثلاث نقرات بين الثنية والسرة ، قالت أسماء بنت عميس أم عبد الله بن جعفر : [ ص: 581 ] قولوا له فليوص ، وكانت تعبر الرؤيا ، فلا أدري أبلغه أم لا ، فجاءه أبو لؤلؤة الكافر المجوسي عبد المغيرة بن شعبة ، فقال : إن المغيرة قد جعل علي من الخراج ما لا أطيق ، قال : كم جعل عليك ؟ قال ، كذا وكذا ، قال : وما عملك ؟ قال : أجوب الأرجاء ، قال : وما ذاك عليك بكثير ، ليس بأرضنا أحد يعملها غيرك ، ألا تصنع لي رحى ؟ قال : بلى والله لأجعلن لك رحى يسمع بها أهل الآفاق ، فخرج عمر إلى الحج ، فلما صدر اضطجع بالمحصب ، وجعل رداءه تحت رأسه ، فنظر إلى القمر فأعجبه استواءه وحسنه ، فقال : بدأ ضعيفا ثم لم يزل الله يزيده وينميه حتى استوى ، فكان أحسن ما كان ، ثم هو ينقص حتى يرجع كما كان ، وكذلك الخلق كله ، ثم رفع يديه فقال : اللهم إن رعيتي قد كثرت وانتشرت فاقبضني إليك غير عاجز ولا مضيع ، فصدر إلى المدينة فذكر له أن امرأة من المسلمين ماتت بالبيداء مطروحة على الأرض يمر بها الناس لا يكفنها أحد ، ولا يواريها أحد حتى مر بها كليب بن البكير الليثي ، فأقام عليها حتى كفنها وواراها ، فذكر ذلك لعمر فقال : من مر عليها من المسلمين ؟ فقالوا : لقد مر عليها عبد الله بن عمر فيمن مر عليها من المسلمين ، فدعاه وقال : ويحك ، مررت على امرأة من المسلمين مطروحة على ظهر الطريق ، فلم توارها ولم تكفنها ؟ قال : ما شعرت بها ولا ذكرها لي أحد ، فقال : لقد خشيت أن لا يكون فيك خير ، فقال : من واراها وكفنها ؟ قالوا : كليب بن بكير الليثي قال : والله لحري أن يصيب كليب خيرا ، فخرج عمر يوقظ الناس بدرته لصلاة الصبح ، فلقيه الكافر أبو لؤلؤة فطعنه ثلاث طعنات بين الثنية والسرة ، وطعن كليب بن بكير فأجهز عليه وتصايح الناس ، فرمى رجل على رأسه ببرنس ثم اضطبعه إليه ، وحمل عمر إلى الدار فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس ، وقيل لعمر : الصلاة فصلى وجرحه يثعب ، وقال : لا حظ في الإسلام لمن لا صلاة له ، فصلى ودمه يثعب ، ثم انصرف الناس عليه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنه ليس بك بأس ، وإنا لنرجو أن ينسئ الله في أثرك ويؤخرك إلى حين ، أو إلى خير ، فدخل عليه ابن عباس وكان يعجب به ، فقال : اخرج فانظر من صاحبي ؟ ثم خرج فجاء فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ، صاحبك أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة ، فكبر حتى خرج صوته من الباب ؛ ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعله رجلا من المسلمين ، يحاجني بسجدة سجدها لله يوم القيامة ، ثم أقبل على القوم فقال : أكان هذا عن ملأ منكم ؟ فقالوا : معاذ الله ؛ والله لوددنا أنا فديناك بآبائنا ، وزدنا في عمرك من [ ص: 582 ] أعمارنا ، أنه ليس بك بأس ، قال : أي يرفأ ؛ ويحك ، اسقني ، فجاءه بقدح فيه نبيذ حلو فشربه ، فألصق رداءه ببطنه ، قال : فلما وقع الشراب في بطنه خرج من الطعنات ، قالوا : الحمد لله ، هذا دم استكن في جوفك ، فأخرجه الله من جوفك ؛ قال : أي يرفأ ، ويحك ؛ اسقني لبنا ، فجاء بلبن فشربه فلما وقع في جوفه خرج من الطعنات ، فلما رأوا ذلك علموا أنه هالك ، قالوا : جزاك الله خيرا ، قد كنت تعمل فينا بكتاب الله وتتبع سنة صاحبيك ؛ لا تعدل عنها إلى غيرها ، جزاك الله أحسن الجزاء ، قال : بالإمارة تغبطونني ، فوالله لوددت أني أنجو منها كفافا لا علي ولا لي ، قوموا فتشاوروا في أمركم ، أمروا عليكم رجلا منكم ، فمن خالفه فاضربوا رأسه ، قال : فقاموا وعبد الله بن عمر مسنده إلى صدره ، فقال عبد الله : أتؤمرون وأمير المؤمنين حي ؟ فقال عمر : لا وليصل صهيب ثلاثا ، وانتظروا طلحة ، وتشاوروا في أمركم ، فأمروا عليكم رجلا منكم ، فإن خالفكم فاضربوا رأسه ، قال : اذهب إلى عائشة فاقرأ عليها مني السلام ، وقل : إن عمر يقول : إن كان ذلك لا يضر بك ولا يضيق عليك فإني أحب أن أدفن مع صاحبي ، وإن كان يضر بك ويضيق عليك فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين من هو خير من عمر ، فجاءها الرسول فقالت : إن ذلك لا يضر ولا يضيق علي ، قال : فادفنوني معهما ، قال عبد الله بن عمر : فجعل الموت يغشاه وأنا أمسكه إلى صدري ، قال : ويحك ضع رأسي بالأرض ، قال : فأخذته غشية فوجدت من ذلك ، فأفاق فقال : ضع رأسي بالأرض ، فوضعت رأسه بالأرض فعفره بالتراب فقال : ويل عمر وويل أمه إن لم يغفر الله له ، قال محمد بن عمرو : وأهل الشورى : علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف .

                                                                                التالي السابق


                                                                                الخدمات العلمية