الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بعل ]

                                                          بعل : البعل : الأرض المرتفعة التي لا يصيبها مطر إلا مرة واحدة في السنة ، وقال الجوهري : لا يصيبها سيح ولا سيل ; قال سلامة بن جندل :


                                                          إذا ما علونا ظهر بعل عريضة تخال عليها قيض بيض مفلق .



                                                          أنثها على معنى الأرض ، وقيل : البعل كل شجر أو زرع لا يسقى ، وقيل : البعل والعذي واحد ، وهو ما سقته السماء ، وقد استبعل الموضع . والبعل من النخل : ما شرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء ، وقيل : هو ما اكتفى بماء السماء ، وبه فسر ابن دريد ما في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأكيدر بن عبد الملك : " لكم الضامنة من النخل ولنا الضاحية من البعل " ، الضامنة : ما أطاف به سور المدينة ، والضاحية : ما كان خارجا أي التي ظهرت وخرجت عن العمارة من هذا النخيل ; وأنشد :


                                                          أقسمت لا يذهب عني بعلها     أو يستوي جثيثها وجعلها .



                                                          وفي حديث صدقة النخل : ما سقي منه بعلا ففيه العشر ، هو ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها . قال الأصمعي : البعل ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي من سماء ولا غيرها . والبعل : ما أعطي من الإتاوة على سقي النخل ، قال عبد الله بن رواحة الأنصاري :


                                                          هنالك لا أبالي نخل بعل     ولا سقي ، وإن عظم الإتاء .



                                                          قال الأزهري : وقد ذكره القتيبي في الحروف التي ذكر أنه أصلح الغلط الذي وقع فيها وألفيته يتعجب من قول الأصمعي : البعل ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي من سماء ولا غيرها ، وقال : ليت شعري ! أنى يكون هذا النخل الذي لا يسقى من سماء ولا غيرها ؟ وتوهم أنه يصلح غلطا فجاء بأطم غلط ، وجهل ما قاله الأصمعي ، وحمله جهله على التخبط فيما لا يعرفه ; قال : فرأيت أن أذكر أصناف النخيل لتقف عليها فيتضح لك ما قاله الأصمعي : فمن النخيل : السقي ويقال المسقوي وهو الذي يسقى بماء الأنهار والعيون الجارية ، ومن السقي ما يسقى نضحا بالدلاء والنواعير وما أشبهها فهذا صنف ، ومنها العذي وهو ما نبت منها في الأرض السهلة ، فإذا مطرت نشفت السهولة ماء المطر فعاشت عروقها بالثرى الباطن تحت الأرض ، ويجيء ثمرها قعقاعا ; لأنه لا يكون ريان كالسقي ، ويسمى التمر إذا جاء كذلك قسبا وسحا ، والصنف الثالث من النخيل ما نبت وديه في أرض يقرب ماؤها الذي خلقه الله تعالى تحت الأرض في رقات الأرض ذات النز ، فرسخت عروقها في ذلك الماء الذي تحت الأرض ، واستغنت عن سقي السماء وعن إجراء ماء الأنهار وسقيها نضحا بالدلاء ، وهذا الضرب هو البعل الذي فسره الأصمعي ، وتمر هذا الضرب من التمر أن لا يكون ريان ولا سحا ، ولكن يكون بينهما ، وهكذا فسر الشافعي البعل في باب القسم فقال : البعل ما رسخ عروقه في الماء فاستغنى عن أن يسقى ، قال الأزهري : وقد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جذيمة عبد القيس نخلا كثيرا عروقها راسخة في الماء ، وهي مستغنية عن السقي وعن ماء السماء تسمى بعلا . واستبعل الموضع والنخل : صار بعلا راسخ العروق في الماء مستغنيا عن السقي وعن إجراء الماء في نهر أو عاثور إليه . وفي الحديث : العجوة شفاء من السم ونزل بعلها من الجنة أي أصلها ، قال الأزهري : أراد ببعلها قسبها الراسخة عروقه في الماء لا يسقى بنضح ولا غيره ويجيء تمره يابسا له صوت . واستبعل النخل إذا صار بعلا وقد ورد في حديث عروة : فما زال وارثه بعليا حتى مات أي غنيا ذا نخل ومال ، قال الخطابي : لا أدري ما هذا إلا أن يكون منسوبا إلى بعل النخل يريد أنه اقتنى نخلا كثيرا فنسب إليه ، أو يكون من البعل : المالك والرئيس ، أي ما زال رئيسا متملكا . والبعل : الذكر من النخل . قال الليث : البعل من النخل ما هو من الغلط الذي ذكرناه عن القتبي ، زعم أن البعل الذكر من النخل والناس يسمونه الفحل ، قال الأزهري : وهذا غلط فاحش وكأنه اعتبر هذا التفسير من لفظ البعل الذي معناه الزوج ; قال : قلت وبعل النخل التي تلقح فتحمل ، وأما الفحال فإن تمره ينتفض ، وإنما يلقح بطلعه طلع الإناث إذا انشق . والبعل : الزوج . قال الليث : بعل يبعل بعولة ، فهو باعل أي مستعلج ، قال الأزهري : وهذا من أغاليط الليث أيضا وإنما سمي زوج المرأة بعلا لأنه سيدها ومالكها وليس من الاستعلاج في شيء ، وقد بعل يبعل بعلا إذا صار بعلا لها . وقوله تعالى : وهذا بعلي [ ص: 116 ] شيخا ; قال الزجاج : نصب ( شيخا ) على الحال ; قال : والحال هاهنا نصبها من غامض النحو ، وذلك إذا قلت : هذا زيد قائما ، فإن كنت تقصد أن تخبر من لم يعرف زيدا أنه زيد لم يجز أن تقول هذا زيد قائما ; لأنه يكون زيدا ما دام قائما فإذا زال عن القيام فليس بزيد ، وإنما تقول للذي يعرف زيدا هذا زيد قائما ، فيعمل في الحال التنبيه ، المعنى : انتبه لزيد في حال قيامه أو أشير إلى زيد في حال قيامه ; لأن هذا إشارة إلى من حضر ، والنصب الوجه كما ذكرنا ، ومن قرأ : هذا بعلي شيخ ، ففيه وجوه : أحدها التكرير كأنك قلت : هذا بعلي هذا شيخ ، ويجوز أن يجعل شيخ مبينا عن هذا ، ويجوز أن يجعل بعلي وشيخ جميعا خبرين عن هذا فترفعهما جميعا بهذا ، كما تقول : هذا حلو حامض ، وجمع البعل ، الزوج بعال وبعول وبعولة ، قال الله - عز وجل - : وبعولتهن أحق بردهن . وفي حديث ابن مسعود : إلا امرأة يئست من البعولة ، قال ابن الأثير : الهاء فيها لتأنيث الجمع ; قال : ويجوز أن تكون البعولة مصدر بعلت المرأة أي صارت ذات بعل ، قال سيبويه : ألحقوا الهاء لتأكيد التأنيث ، والأنثى بعل وبعلة مثل زوج وزوجة ، قال الراجز :


                                                          شر قرين للكبير بعلته     تولغ كلبا سؤره أو تكفته .



                                                          وبعل يبعل بعولة وهو بعل : صار بعلا ; قال :


                                                          يا رب بعل ساء ما كان بعل .



                                                          واستبعل : كبعل . وتبعلت المرأة : أطاعت بعلها ، وتبعلت له : تزينت . وامرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوعة لزوجها محبة له . وفي حديث أسماء الأشهلية : إذا أحسنتن تبعل أزواجكن ، أي مصاحبتهم في الزوجية والعشرة . والبعل والتبعل : حسن العشرة من الزوجين .

                                                          والبعال : حديث العروسين . والتباعل والبعال : ملاعبة المرء أهله ، وقيل : البعال النكاح ، ومنه الحديث في أيام التشريق : " إنها أيام أكل وشرب وبعال " . والمباعلة : المباشرة : ويروى عن ابن عباس - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى يوم الجمعة قال : " يا عائشة ، اليوم يوم تبعل وقران " ، يعني بالقران التزويج . ويقال للمرأة : هي تباعل زوجها بعالا ومباعلة أي تلاعبه ، وقال الحطيئة :


                                                          وكم من حصان ذات بعل تركتها     إذا الليل أدجى ، لم تجد من تباعله .



                                                          أراد أنك قتلت زوجها أو أسرته . ويقال للرجل : هو بعل المرأة ، ويقال للمرأة : هي بعله وبعلته . وباعلت المرأة : اتخذت بعلا . وباعل القوم قوما آخرين مباعلة وبعالا : تزوج بعضهم إلى بعض . وبعل الشيء : ربه ومالكه . وفي حديث الإيمان : " وأن تلد الأمة بعلها " المراد بالبعل هاهنا المالك يعني كثرة السبي والتسري ، فإذا استولد المسلم جارية كان ولدها بمنزلة ربها . وبعل والبعل جميعا : صنم ; سمي بذلك لعبادتهم إياه كأنه ربهم . وقوله - عز وجل - : أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين قيل : معناه أتدعون ربا ، وقيل : هو صنم . يقال : أنا بعل هذا الشيء أي ربه ومالكه ، كأنه قال : أتدعون ربا سوى الله . وروي عن ابن عباس : أن ضالة أنشدت فجاء صاحبها فقال : أنا بعلها ، يريد ربها ، فقال ابن عباس : هو من قوله أتدعون بعلا أي ربا . وورد أن ابن عباس مر برجلين يختصمان في ناقة وأحدهما يقول : أنا والله بعلها أي مالكها وربها . وقولهم : من بعل هذه الناقة ؟ أي من ربها وصاحبها . والبعل : اسم ملك . والبعل : الصنم معموما به ، عن الزجاجي ، وقال كراع : هو صنم كان لقوم يونس - صلى الله على نبينا وعليه - وفي الصحاح : البعل صنم كان لقوم إلياس - عليه السلام - وقال الأزهري : قيل إن بعلا كان صنما من ذهب يعبدونه .

                                                          ابن الأعرابي : البعل الضجر والتبرم بالشيء ; وأنشد :


                                                          بعلت ، ابن غزوان ، بعلت بصاحب     به قبلك الإخوان لم تك تبعل .



                                                          وبعل بأمره بعلا ، فهو بعل : برم فلم يدر كيف يصنع فيه . والبعل : الدهش عند الروع . وبعل بعلا : فرق ودهش ، وامرأة بعلة . وفي حديث الأحنف لما نزل به الهياطلة وهم قوم من الهند : بعل بالأمر ، أي دهش ، وهو بكسر العين . وامرأة بعلة : لا تحسن لبس الثياب . وباعله : جالسه . وهو بعل على أهله أي ثقل عليهم . وفي الحديث : أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أبايعك على الجهاد ، فقال : " هل لك من بعل " ، البعل : الكل ، يقال : صار فلان بعلا على قومه أي ثقلا وعيالا ، وقيل : أراد هل بقي لك من تجب عليك طاعته كالوالدين . وبعل على الرجل : أبى عليه . وفي حديث الشورى : فقال عمر : قوموا فتشاوروا ، فمن بعل عليكم أمركم فاقتلوه أي من أبى وخالف ، وفي حديث آخر : من تأمر عليكم من غير مشورة أو بعل عليكم أمرا . وفي حديث آخر : فإن بعل أحد على المسلمين . يريد شتت أمرهم فقدموه فاضربوا عنقه . وبعلبك : موضع ، تقول : هذا بعلبك ودخلت بعلبك ومررت ببعلبك ، ولا تصرف ، ومنهم من يضيف الأول إلى الثاني ويجري الأول بوجوه الإعراب ، قال الجوهري : القول في بعلبك كالقول في سام أبرص ، قال ابن بري : سام أبرص اسم مضاف غير مركب عند النحويين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية