الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 1121 ]

                                                                                                                                                                                        كتاب الحج الأول

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ق 5) نسخة القرويين رقم (368/ 3) [ ص: 1122 ] [ ص: 1123 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

                                                                                                                                                                                        كتاب الحج الأول

                                                                                                                                                                                        باب في وجوب الحج ، وبماذا يجب ، وعلى من يجب ، وهل هو على الفور ؟

                                                                                                                                                                                        الحج فريضة لقول الله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران : 97] ، ولقوله سبحانه : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق [الحج : 27] ، وهذه الآية وإن كانت في شرع إبراهيم عليه السلام ، فقد توجه الخطاب علينا بها لقوله تعالى : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم [النحل : 123] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "بني الإسلام على خمس . . ." فذكر الحج ، ولا خلاف في ذلك .

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة الاستطاعة ، فقال مالك في كتاب محمد : ذلك على قدر الناس . وقد يجد الرجل الزاد والراحلة ولا يقوى على المسير ، وآخر يقوى أن [ ص: 1124 ] يمشي على رجليه ، ولا شيء أبين مما قال الله -عز وجل- : من استطاع إليه سبيلا [آل عمران : 97] . وقال عبد العزيز بن أبي سلمة وسحنون وابن حبيب : الاستطاعة زاد ومركوب ؛ والأول أحسن .

                                                                                                                                                                                        والاستطاعة والوجوب على أربعة أقسام :

                                                                                                                                                                                        فتارة تكون بوجود الزاد والمركوب ، وتارة تكون بعدمهما ، وتارة يجب بوجود أحدهما ، الزاد بانفراده ، أو المركوب بانفراده ، فمن كان لا يستطيع المشي من موضعه أو يستطيع بمشقة فادحة ، وليس معه من المال ما يكتري به ويتزود ، وعيشه في المقام من وجه يتعذر عليه في سفره إلى الحج ؛ لم يجب عليه إلا بالاستطاعة على الوجهين جميعا .

                                                                                                                                                                                        وإن كان يستطيع المشي ، وعيشه في المقام من صنعة لا يتعذر عليه عملها في السفر والعيش منها ، أو كان شأنه التكفف ، وكان سفره في رفقة وجماعة لا يخشى الضيعة فيها- وجب عليه مع عدم الجميع .

                                                                                                                                                                                        وإن كان يستطيع المشي ولا صنعة له ، أو له صناعة يتعذر عليه عملها في سفره ، وليس شأنه التكفف- وجب عليه بوجود الزاد ، والكراء عليه .

                                                                                                                                                                                        وإن كان لا يستطيع المشي وله حرفة يقوم منها عيشه في سفره ذلك - وجب عليه بوجود المذكور ، إلا أن يكون في حرفته فضلا عن عيشه مما يكتري به . وقال أبو محمد عبد الوهاب : من قدر على الوصول إلى البيت من غير [ ص: 1125 ] تكلف بذلة يخرج بها عن عادته ، لزمه ذلك .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : أما الخروج عن عادته في المشي إذا لم تكن عادته وشأنه فغير مراعى . ولم يزل الناس والصحابة والتابعون يعدون ذلك شرفا . وكان بعضهم يحج ماشيا وهو قادر على الركوب . وإن أراد السؤال والتكفف فيمن ليس ذلك شأنه فهو حسن . واختلف فيمن يخرج يسأل الناس ، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم : لا بأس بذلك . وقال أيضا : لا أرى للذي لا يجد ما ينفق أن يخرج إلى الحج أو الغزو ويسأل الناس . يريد : فيمن كان عيشه في مقامه من غير المسألة ، فيكره أن يخرج فتلزم الناس مواساته ، ويتعلق عليهم منه فرض لم يكن . والمراعى في الزاد والمركوب : ما يبلغ دون الرجوع ، إلا أن يعلم أنه إن بقي هناك ضاع وخشي على نفسه ؛ فيراعى ما يبلغه ويرجع به إلى أقرب المواضع ، مما يمكنه التمعش فيه .

                                                                                                                                                                                        ومن كانت به زمانة أو ضرارة بصر ، أو غير ذلك مما يقدر معها على الركوب ، وله مال يكتري به لركوبه ومن يخدمه- لزمه الحج ، وإن كان صحيحا يقدر على المشي لزمه الحج إذا كان يقدر على أن يستأجر من يقوده ، ثم هو في القدرة على العيش على ما تقدم ، إن كان له مال أو كان يتكفف . [ ص: 1126 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية