الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 416 ] بسم الله الرحمن الرحيم سورة الحج القول من أولها إلى قوله تعالى: بالبيت العتيق [الآيات: 1- 27].

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [ ص: 417 ] يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا .ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنـزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه .والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق [ ص: 418 ] ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .

                                                                                                                                                                                                                                      الأحكام:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم يعني بقوله: من تراب : آدم عليه السلام، ثم من نطفة يعني: ولد آدم، ثم من علقة يعني: الدم، قاله الخليل، قال: (العلق) : الدم قبل أن ييبس، الواحدة: علقة، وكذلك تصير (النطفة) .

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيد: (العلق) : ما اشتدت حمرته، و(المضغة) : لحمة صغيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مخلقة وغير مخلقة : قال مجاهد: مصورة، وغير مصورة.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: تامة الخلق، وغير تامة الخلق.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى أنس بن مالك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "وكل الله بالرحم ملكا يقول: أي رب; أنطفة؟ أي رب; أعلقة؟ أي رب، أمضغة؟ فإذا أراد أن يقضي خلقها; قال: مخلقة; فيقول الملك: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الأجل؟ فما الرزق؟ فيكتب ذلك في بطن أمه".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 419 ] علقمة: إذا وقعت النطفة في الرحم; قال الملك: أمخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة; مجت الرحم دما، وإن قال: مخلقة; قال: أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له: اكتبها من اللوح المحفوظ، فيجد صفته، فيستنسخه، فلا يزال العبد يعمل عمله عليه حتى يموت.

                                                                                                                                                                                                                                      الشعبي: النطفة والعلقة والمضغة إذا نكست في الخلق الرابع; كانت مخلقة، وإذا قذفتها قبل ذلك; كانت غير مخلقة.

                                                                                                                                                                                                                                      الطبري: قوله: وغير مخلقة يعني به: السقط الذي لم يتم خلقه، وقوله: مخلقة وغير مخلقة عنده من نعت {مضغة} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنه من نعت {نطفة} ; فـ (المخلقة) : ما كان خلقا سويا، و(غير المخلقة) : ما ألقته الأرحام من النطفة قبل أن يكون خلقا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: ثم من نطفة غير مخلقة، ومخلقة; أي: أنها تكون أولا غير مخلقة; وهي الحالة الثالثة، ثم تخلق بعد ذلك، والواو لا توجب الترتيب.

                                                                                                                                                                                                                                      والذي في هذه الآية من الأحكام: أن أهل العلم أجمعوا على أن الأمة تكون أم ولد بما أسقطته من ولد تام الخلق، وتكون عند مالك والأوزاعي وغيرهما أم ولد بالمضغة، كانت مخلقة، أو غير مخلقة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك: إذا علم أنها مضغة، وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهما:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 420 ] إن كان قد تبين له شيء من خلق بني آدم; إصبع، أو عين، أو غير ذلك; فهي به أم ولد.

                                                                                                                                                                                                                                      وأجمعوا على أن المولود إذا استهل صارخا يصلى عليه، [فإن لم يستهل صارخا; لم يصل عليه عند مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عمر: أنه يصلى عليه]، وقاله ابن المسيب، وابن سيرين، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرنا ميراثه وأحكامه في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد : اختلف العلماء في دور مكة وبيوتها:

                                                                                                                                                                                                                                      فقال بعضهم: الناس فيها سواء، من احتاج إلى شيء منها; سكن.

                                                                                                                                                                                                                                      ونهى ابن عمر: أن تغلق دور مكة في زمن الحج، وكان الناس ينزلون حيث وجدوا فارغا، ويضربون الأخبية في جوف الدور.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الحديث: (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبا بكر وعمر قبضوا وما تدعى دور مكة إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 421 ] وكره ابن حنبل، وإسحاق، وغيرهما: بيع رباع مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكره عمر بن عبد العزيز، وعطاء: أجرة الدور بمكة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك، والأوزاعي: افتتحت مكة عنوة، قيل: وإنما تركت قسمتها وتخميسها; لأن الخمس كان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يخمس ما رأى، ويترك ما رأى، وقيل: لأن قريشا لا يجوز عليها الرق; فجعلت أموالهم تبعا لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: وغيره: افتتحت مكة صلحا، وأباح عكرمة وغيره كراء منازل مكة، واشترى عمر ـ رضي الله عنه ـ دار صفوان بن أمية بأربعة آلاف، وجعلها سجنا.

                                                                                                                                                                                                                                      إسماعيل القاضي: تأول قوم في بيوت مكة كما ذكرناه; يعني: من كون العاكف والبادي فيها سواء، قال: والقرآن يوجب أنه المسجد الذي يكون فيه قضاء النسك، وذكر قوله: ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ، وشبهه، قال: فإنما كان ذلك; لتملك قريش على المسجد الحرام، وادعائهم أنهم أربابه، ومنعهم منه من أرادوا، ولم تزل المنازل لأهل مكة والدور، إلا أن المواساة واجبة عند الضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية