الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غبن ]

                                                          غبن : الغبن ، بالتسكين في البيع ، والغبن بالتحريك في الرأي . وغبنت رأيك أي نسيته وضيعته . غبن الشيء وغبن فيه غبنا وغبنا : نسيه وأغفله وجهله ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          غبنتم تتابع آلائنا وحسن ، الجوار وقرب النسب

                                                          والغبن : النسيان . غبنت كذا من حقي عند فلان أي نسيته وغلطت فيه . وغبن الرجل يغبنه غبنا : مر به وهو ماثل فلم يره ولم يفطن له . والغبن : ضعف الرأي ، يقال في رأيه غبن . وغبن رأيه بالكسر ، إذا نقصه ، فهو غبين أي ضعيف الرأي ، وفيه غبانة . وغبن رأيه ، بالكسر ، غبنا وغبانة : ضعف . وقالوا : غبن رأيه ، فنصبوه على معنى فعل ، وإن لم يلفظ به ، أو على معنى غبن في رأيه ، أو على التمييز النادر . قال الجوهري : قولهم سفه نفسه وغبن رأيه وبطر عيشه وألم بطنه ووفق أمره ورشد أمره كان الأصل سفهت نفس زيد ورشد أمره ، فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بوقوع الفعل عليه ؛ لأنه صار في معنى سفه نفسه ، بالتشديد ؛ هذا قول البصريين والكسائي ، ويجوز عندهم تقديم هذا المنصوب كما يجوز غلامه ضرب زيد ؛ وقال الفراء : لما حول الفعل من النفس إلى صاحبها خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفه فيه ، وكان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا لأن المفسر لا يكون إلا نكرة ، ولكنه ترك على إضافته ونصب كنصب النكرة تشبيها بها ، ولا يجوز عنده تقديمه لأن المفسر لا يتقدم ؛ ومنه قولهم : ضقت به ذرعا وطبت به نفسا ، والمعنى ضاق ذرعي به وطابت نفسي به . ورجل غبين ومغبون في الرأي والعقل والدين . والغبن في البيع والشراء : الوكس ، غبنه يغبنه غبنا هذا الأكثر أي خدعه ، وقد غبن فهو مغبون ، وقد حكي بفتح الباء . وغبنت في البيع غبنا إذا غفلت عنه ، بيعا كان أو شراء . وغبيت الرجل أغباه أشد الغباء ، وهو مثل الغبن . ابن بزرج : غبن الرجل غبنانا شديدا وغبن أشد الغبنان ، ولا يقولون في الربح إلا ربح أشد الربح والرباحة والرباح ؛ وقوله :


                                                          قد كان ، في أكل الكريص الموضون [ ص: 12 ]     وأكلك التمر بخبز مسمون
                                                          لحضن في ذاك عيش مغبون

                                                          قوله : مغبون أي أن غيرهم فيه وهم يجدونه كأنه يقول هم يقدرون عليه إلا أنهم لا يعيشونه ، وقيل : غبنوا الناس إذا لم ينله غيرهم . وحضن هنا : حي . والغبينة من الغبن : كالشتيمة من الشتم . ويقال : أرى هذا الأمر عليك غبنا ؛ وأنشد :


                                                          أجول في الدار لا أراك ، وفي ال     دار أناس جوارهم غبن

                                                          والمغبن : الإبط والرفغ وما أطاف به . وفي الحديث : كان إذا اطلى بدأ بمغابنه ؛ المغابن : الأرفاع ؛ وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب ، جمع مغبن من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه ، وهي معاطف الجلد أيضا . وفي حديث عكرمة : من مس مغابنه فليتوضأ ؛ أمره بذلك استظهارا واحتياطا ، فإن الغالب على من يلمس ذلك الموضع أن تقع يده على ذكره ، وقيل : المغابن الأرفاع والآباط ، واحدها مغبن . وقال ثعلب : كل ما ثنيت عليه فخذك فهو مغبن . وغبنت الشيء إذا خبأته في المغبن . وغبنت الثوب والطعام : مثل خبنت . والغابن : الفاتر عن العمل . والتغابن : أن يغبن القوم بعضهم بعضا . ويوم التغابن : يوم البعث ، من ذلك ، وقيل : سمي بذلك لأن أهل الجنة يغبن فيه أهل النار بما يصير إليه أهل الجنة من النعيم ويلقى فيه أهل النار من عذاب الجحيم ، ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته ، وضرب الله ذلك مثلا للشراء والبيع كما قال تعالى : هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم وسئل الحسن عن قوله تعالى : ذلك يوم التغابن فقال : غبن أهل الجنة أهل النار أي استنقصوا عقولهم باختيارهم الكفر على الإيمان . ونظر الحسن إلى رجل غبن آخر في بيع فقال : إن هذا يغبن عقلك أي ينقصه . وغبن الثوب يغبنه غبنا : كفه ، وفي التهذيب : طال فثناه ، وكذلك كبنه ، وما قطع من أطراف الثوب فأسقط غبن ؛ وقال الأعشى :


                                                          يساقطها كسقاط الغبن

                                                          والغبن : ثني الشيء من دلو أو ثوب لينقص من طوله . ابن شميل : يقال هذه الناقة ما شئت من ناقة ظهرا وكرما غير أنها مغبونة لا يعلم ذلك منها ، وقد غبنوا خبرها وغبنوها أي لم يعلموا علمها .

                                                          غبا : غبي الشيء وغبي عنه غبا وغباوة : لم يفطن له ؛ قال الشاعر :


                                                          في بلدة يغبى بها الخريت

                                                          أي يخفى ؛ وقال ابن الرقاع :


                                                          ألا رب لهو آنس ولذاذة     من العيش ، يغبيه الخباء المستر

                                                          وغبي الأمر عني : خفي فلم أعرفه . وفي حديث الصوم : فإن غبي عليكم أي خفي ، ورواه بعضهم غبي ، بضم الغين وتشديد الباء المكسورة لما لم يسم فاعله ، وهما من الغباء شبه الغبرة في السماء . التهذيب : ابن الأنباري الغبا يكتب بالألف لأنه من الواو . يقال : غبيت عن الأمر غباوة . الليث : يقال غبي عن الأمر غباوة ، فهو غبي إذا لم يفطن للخب ونحوه . يقال : غبي علي ذلك الأمر إذا كان لا يفطن له ولا يعرفه ، والغباوة المصدر . ويقال : فلان ذو غباوة أي تخفى عليه الأمور . ويقال : غبيت عن ذلك الأمر إذا كان لا يفطن له . ويقال : ادخل في الناس فهو أغبى لك أي أخفى لك . ويقال : دفن فلان لي مغباة ثم حملني عليها ، وذلك إذا ألقاك في مكر أخفاه . ويقال : غب شعرك أي استأصله ، وقد غبى شعره تغبية ، وغبيت الشيء أغباه ، وقد غبي علي مثله إذا لم تعرفه ؛ وقول قيس بن ذريح :


                                                          وكيف يصلي من إذا غبيت له     دماء ذوي الذمات والعهد طلت

                                                          لم يفسر ثعلب غبيت له . وتغابى عنه : تغافل . وفيه غبوة وغباوة أي غفلة . والغبي ، على فعيل : الغافل القليل الفطنة ، وهو من الواو ، وأما أبوعلي فاشتق الغبي من قولهم شجرة غبياء كأن جهله غطى عنه ما وضح لغيره . وغبي الرجل غباوة وغبا وحكى غيره غباء بالمد . وفي الحديث : إلا الشياطين وأغبياء بني آدم ؛ الأغبياء : جمع غبي كغني وأغنياء ، ويجوز أن يكون أغباء كأيتام ، ومثله كمي وأكماء . وفي الحديث : قليل الفقه خير من كثير الغباوة . وفي حديث علي : تغاب عن كل ما لا يصح لك أي تغافل وتباله . وحكى ابن خالويه : أن الغباء الغبار ، وقد يضم ويقصر فيقال الغبى . والغباء : شبيه بالغبرة تكون في السماء . والغبية : الدفعة من المطر ؛ وقال امرؤ القيس :


                                                          وغبية شؤبوب من الشد ملهب

                                                          وهي الدفعة من الحضر شبهها بدفعة المطر . قال ابن سيده : الغبية الدفعة الشديدة من المطر ، وقيل : هي المطرة ليست بالكثيرة وهي فوق البغشة ؛ قال :


                                                          فصوبته ، كأنه صوب غبية     على الأمعز الضاحي إذا سيط أحضرا

                                                          ويقال : أغبت السماء إغباء ، فهي مغبية ؛ قال الراجز :


                                                          وغبيات بينهن وبل

                                                          قال : وربما شبه بها الجري الذي يجيء بعد الجري الأول . وقال أبو عبيد : الغبية كالوثبة في السير ، والغبية صب كثير من ماء ومن سياط ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          إن دواء الطامحات السجل     السوط والرشاء ثم الحبل
                                                          وغبيات بينهن هطل

                                                          قال ابن سيده : وأنا أرى ذلك على التشبيه بغبيات المطر . وجاء على غبية الشمس أي غيبتها ؛ قال : أراه على القلب . وشجرة غبياء : ملتفة وغصن أغبى كذلك . وغبية التراب : ما سطع منه ؛ قال الأعشى :

                                                          [ ص: 13 ]

                                                          إذا حال من دونها غبية     من الترب فانجال سربالها

                                                          وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب أنه قال : الحمى في أصول النخل ، وشر الغبيات غبية التبل ، وشر النساء السويداء الممراض ، وشر منها الحميراء المحياض . وغبى شعره : قصر منه ، لغة لعبد القيس ، وقد تكلم بها غيرهم ؛ قال ابن سيده : وإنما قضينا بأن ألفها ياء لأنها ياء واللام ياء أكثر منها واوا . وغبى الشيء : ستره ؛ قال ابن أحمر :


                                                          فما كلفتك القدر المغبى     ولا الطير الذي لا تعبرينا

                                                          الكسائي : غبيت البئر إذا غطيت رأسها ثم جعلت فوقها ترابا ؛ قال أبو سعيد : وذلك التراب هو الغباء . والغابياء : بعض جحرة اليربوع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية