الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غضب ]

                                                          غضب : الغضب : نقيض الرضا . وقد غضب عليه غضبا [ ص: 55 ] ومغضبة ، وأغضبته أنا فتغضب . وغضب له : غضب على غيره من أجله ، وذلك إذا كان حيا ، فإن كان ميتا قلت : غضب به ؛ قال دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله :


                                                          فإن تعقب الأيام والدهر فاعلموا بني قارب أنا غضاب بمعبد


                                                          وإن كان عبد الله خلى مكانه     فما كان طياشا ولا رعش اليد

                                                          قوله معبد يعني عبد الله ، فاضطر . ومعبد : مشتق من العبد ، فقال : بمعبد ، وإنما هو عبد الله بن الصمة أخوه . وقوله تعالى : غير المغضوب عليهم ؛ يعني اليهود .

                                                          قال ابن عرفة : الغضب من المخلوقين : شيء يداخل قلوبهم ؛ ومنه محمود ومذموم ، فالمذموم ما كان في غير الحق ، والمحمود ما كان في جانب الدين والحق ؛ وأما غضب الله فهو إنكاره على من عصاه ، فيعاقبه . وقال غيره : المفاعيل ، إذا وليتها الصفات ، فإنك تذكر الصفات وتجمعها وتؤنثها ، وتترك المفاعيل على أحوالها ، يقال : هو مغضوب عليه ، وهي مغضوب عليها . وقد تكرر الغضب في الحديث من الله ومن الناس ، وهو من الله سخطه على من عصاه ، وإعراضه عنه ، ومعاقبته له . ورجل غضب ، وغضوب ، وغضب ، بغير هاء ، وغضبة وغضبة ، بفتح الغين وضمها وتشديد الباء ، وغضبان : يغضب سريعا ، وقيل : شديد الغضب . والأنثى غضبى وغضوب ؛ قال الشاعر :


                                                          هجرت غضوب وحب من يتجنب

                                                          والجمع : غضاب وغضابى ، عن ثعلب ؛ وغضابى مثل سكرى وسكارى ؛ قال :


                                                          فإن كنت لم أذكرك والقوم بعضهم     غضابى على بعض فما لي وذائم

                                                          وقال اللحياني : فلان غضبان إذا أردت الحال ، وما هو بغاضب عليك أن تشتمه . قال : وكذلك يقال في هذه الحروف ، وما أشبهها ، إذا أردت افعل ذاك ، إن كنت تريد أن تفعل . ولغة بني أسد : امرأة غضبانة وملآنة ، وأشباهها . وقد أغضبه ، وغاضبت الرجل أغضبته ، وأغضبني ، وغاضبه : راغمه . وفي التنزيل العزيز : وذا النون إذ ذهب مغاضبا قيل : مغاضبا لربه ، وقيل : مغاضبا لقومه . قال ابن سيده : والأول أصح ؛ لأن العقوبة لم تحل به إلا لمغاضبته ربه ؛ وقيل : ذهب مراغما لقومه . وامرأة غضوب ، أي : عبوس . وقولهم : غضب الخيل على اللجم ؛ كنوا بغضبها ، عن عضها على اللجم ، كأنها إنما تعضها لذلك ؛ وقوله أنشده ثعلب :


                                                          تغضب أحيانا على اللجام     كغضب النار على الضرام

                                                          فسره فقال : تعض على اللجام من مرحها ، فكأنها تغضب ، وجعل للنار غضبا ، على الاستعارة ، أيضا ، وإنما عنى شدة التهابها ، كقوله تعالى : سمعوا لها تغيظا وزفيرا ، أي : صوتا كصوت المتغيظ ، واستعاره الراعي للقدر ، فقال :


                                                          إذا أحمشوها بالوقود تغضبت     على اللحم حتى تترك العظم باديا

                                                          ، وإنما يريد : أنها يشتد غليانها ، وتغطمط فينضج ما فيها حتى ينفصل اللحم من العظم . وناقة غضوب : عبوس ، وكذلك غضبى ؛ قال عنترة :


                                                          ينباع من ذفرى غضوب جسرة     زيافة مثل الفنيق المقرم

                                                          وقال أيضا :


                                                          هر جنيب كلما عطفت له     غضبى اتقاها باليدين وبالفم

                                                          والغضوب : الحية الخبيثة . والغضاب : الجدري ، وقيل : هو داء آخر يخرج وليس بالجدري . وقد غضب جلده غضبا ، وغضب ؛ كلاهما عن اللحياني ؛ قال : وغضب - بصيغة فعل المفعول - أكثر . وإنه لمغضوب البصر أي الجلد ، عنه . وأصبح جلده غضبة واحدة ، وحكى اللحياني : غضبة واحدة وغضبة واحدة ، أي : ألبسه الجدري . الكسائي : إذا ألبس الجدري جلد المجدور ، قيل : أصبح جلده غضبة واحدة ؛ قال شمر : روى أبو عبيد هذا الحرف غضنة ، بالنون ، والصحيح غضبة ، بالباء وجزم الضاد ؛ وقال ابن الأعرابي : المغضوب الذي قد ركبه الجدري . وغضب بصر فلان إذا انتفخ من داء يصيبه ، يقال له : الغضاب والغضاب . والغضبة بخصة تكون في الجفن الأعلى خلقة . وغضبت عينه وغضبت : ورم ما حولها . الفراء : الغضابي الكدر في معاشرته ومخالقته ، مأخوذ من الغضاب ، وهو القذى في العينين . والغضبة : الصخرة الصلبة المركبة في الجبل ، المخالفة له ؛ قال :


                                                          أو غضبة في هضبة ما أرفعا

                                                          وقيل : الغضب والغضبة صخرة رقيقة ؛ والغضبة : الأكمة ؛ والغضبة : قطعة من جلد البعير ، يطوى بعضها إلى بعض ، وتجعل شبيها بالدرقة . التهذيب : الغضبة جنة تتخذ من جلود الإبل ، تلبس للقتال . والغضبة : جلد المسن من الوعول ، حين يسلخ ؛ وقال البريق الهذلي :


                                                          فلعمر عرفك ذي الصماح كما     غضب الشفار بغضبة اللهم

                                                          ورجل غضاب : غليظ الجلد . والغضب : الثور . والغضب : الأحمر الشديد الحمرة . وأحمر غضب : شديد الحمرة ؛ وقيل هو الأحمر في غلظ ؛ ويقويه ما أنشده ثعلب :


                                                          أحمر غضب لا يبالي ما استقى     لا يسمع الدلو إذا الورد التقى

                                                          قال : لا يسمع الدلو : لا يضيق فيها حتى تخف ؛ لأنه قوي على حملها . وقيل : الغضب الأحمر من كل شيء . وغضوب والغضوب : اسم امرأة ؛ وأنشد بيت ساعدة بن جؤية :


                                                          هجرت غضوب وحب من يتجنب     وعدت عواد دون وليك تشعب

                                                          [ ص: 56 ] وقال :


                                                          شاب الغراب ولا فؤادك تارك     ذكر الغضوب ولا عتابك يعتب

                                                          فمن قال غضوب ، فعلى قول من قال حارث وعباس ، ومن قال الغضوب فعلى من قال الحارث والعباس . ابن سيده : وغضبى اسم للمائة من الإبل ، حكاه الزجاجي في نوادره ، وهي معرفة لا تنون ، ولا يدخلها الألف واللام ؛ وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ومستخلف من بعد غضبى صريمة     فأحر به لطول فقر وأحريا

                                                          وقال : أراد النون الخفيفة فوقف . ووجدت في بعض النسخ حاشية : هذه الكلمة تصحيف من الجوهري ومن جماعة ، وأنها غضيا ، بالياء المثناة من تحتها مقصورة ، كأنها شبهت في كثرتها بمنبت ، ونسب هذا التشبيه ليعقوب . وعن أبي عمرو : الغضيا واستشهد بالبيت أيضا . والغضاب : مكان بمكة ؛ قال ربيعة بن الحجدر الهذلي :


                                                          ألا عاد هذا القلب ما هو عائده     وراث بأطراف الغضاب عوائده

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية