الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غضض ]

                                                          غضض : الغض والغضيض : الطري . وفي الحديث : من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد ؛ الغض الطري الذي لم يتغير ، أراد طريقه في القراءة وهيئته فيها ، وقيل : أراد الآيات التي سمعها منه من أول سورة النساء إلى قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا . ومنه حديث علي : هل ينتظر أهل غضاضة الشباب ، أي : نضارته وطراوته . وفي حديث ابن عبد العزيز أن رجلا قال : إن تزوجت فلانة حتى أكل الغضيض فهي طالق ؛ الغضيض : الطري ، والمراد به الطلع ؛ وقيل : الثمر أول ما يخرج . ويقال : شيء غض بض وغاض باض ، والأنثى غضة وغضيضة . وقال اللحياني : الغضة من النساء الرقيقة الجلد الظاهرة الدم ، وقد غضت تغض وتغض غضاضة وغضوضة . ونبت غض : ناعم ؛ وقوله :


                                                          فصبحت والظل غض ما زحل

                                                          أي : أنه لم تدركه الشمس فهو غض كما أن النبت إذا لم تدركه الشمس كان كذلك . وتقول منه : غضضت وغضضت غضاضة وغضوضة . وكل ناضر غض نحو الشاب وغيره . قال ابن بري : أنكر علي بن حمزة غضاضة ، وقال : غض بين الغضوضة لا غير ، قال : وإنما يقال ذلك فيما يغتض منه ويؤنف ، والفعل منه غض ، واغتض ، أي : وضع ونقص . قال ابن بري : وقد قالوا بض بين البضاضة والبضوضة ، قال : وهذا يقوي قول الجوهري في الغضاضة . التهذيب : واختلف في فعلت من غض . فقال بعضهم : غضضت تغض ، وقال بعضهم : غضضت تغض . والغض : الحبن من حين يعقد إلى أن يسود ويبيض ، وقيل : هو بعد أن يحدر إلى أن ينضج . والغضيض الطلع حين يبدو . والغض من أولاد البقر : الحديث النتاج ، والجمع الغضاض ؛ قال أبو حية النميري :


                                                          خبأن بها الغن الغضاض فأصبحت     لهن مرادا والسخال مخابئا

                                                          الأصمعي : إذا بدا الطلع فهو الغضيض ، فإذا اخضر قيل : خضب النخل ثم هو البلح . ابن الأعرابي : يقال للطلع الغيض والغضيض والإغريض ، ويقال غضض إذا أكل الغض . والغضاضة : الفتور في الطرف ، يقال : غض وأغضى إذا دانى بين جفنيه ولم يلاق ؛ وأنشد :


                                                          وأحمق عريض عليه غضاضة     تمرس بي من حينه وأنا الرقم

                                                          قال الأزهري : عليه غضاضة ، أي : ذل . ورجل غضيض : ذليل بين الغضاضة من قوم أغضاء وأغضة ، وهم الأذلاء . وغض طرفه وبصره يغضه غضا وغضاضا وغضاضا وغضاضة ؛ فهو مغضوض وغضيض : كفه وخفضه وكسره ، وقيل : هو إذا دانى بين جفونه ونظر ، وقيل : الغضيض الطرف المسترخي الأجفان . وفي الحديث : كان إذا فرح غض طرفه ، أي : كسره وأطرق ولم يفتح عينه ، وإنما كان يفعل ذلك ليكون أبعد من الأشر والمرح . وفي حديث أم سلمة : حماديات النساء غض الأطراف ، في قول القتيبي ؛ ومنه قصيد كعب :


                                                          وما سعاد غداة البين إذ رحلوا     إلا أغن غضيض الطرف مكحول

                                                          هو فعيل بمعنى مفعول ، وذلك إنما يكون من الحياء والخفر ، وغض من صوته ، وكل شيء كففته ، فقد غضضته ، والأمر منه في لغة أهل الحجاز : اغضض . وفي التنزيل : واغضض من صوتك أي اخفض الصوت . وفي حديث العطاس : إذا عطس غض صوته ، أي : خفضه ولم يرفعه ؛ وأهل نجد يقولون : غض طرفك بالإدغام ؛ قال جرير :


                                                          فغض الطرف إنك من نمير     فلا كعبا بلغت ولا كلابا

                                                          معناه : غض طرفك ذلا ومهانة . وغض الطرف ، أي : كف البصر . ابن الأعرابي : بضض الرجل إذا تنعم ، وغضض صار غضا متنعما ، وهي الغضوضة . وغضض إذا أصابته غضاضة . وانغضاض الطرف : انغماضه . وظبي غضيض الطرف ، أي : فاتره . وغض الطرف : احتمال المكروه ؛ وأنشد أبو الغوث :


                                                          وما كان غض الطرف منا سجية     ولكننا في مذحج غربان

                                                          ويقال : غض من بصرك وغض من صوتك . ويقال : إنك لغضيض الطرف نقي الظرف ؛ قال : والظرف وعاؤه ، يقول : لست بخائن ؛ [ ص: 58 ] ويقال : غض من لجام فرسك ، أي : صوبه وانقص من غربه وحدته . وغض منه يغض ، أي : وضع ونقص من قدره . وغضه يغضه غضا : نقصه ولا أغضك درهما ، أي : لا أنقصك . وفي حديث ابن عباس : لو غض الناس في الوصية من الثلث ، أي : نقصوا وحطوا ؛ وقوله :


                                                          أيام أسحب لمتي عفر الملا     وأغض كل مرجل ريان

                                                          قيل : يعني به الشعر ، فالمرجل على هذا الممشوط ، والريان المرتوي بالدهن ، وأغض : أكف منه ، وقيل : إنما يعني به الزق ، فالمرجل على هذا الذي يسلخ من رجل واحدة ، والريان الملآن . وما عليك بهذا غضاضة ، أي : نقص ولا انكسار ولا ذل . ويقال : ما أردت بذا غضيضة فلان ولا مغضته كقولك : ما أردت نقيصته ومنقصته . ويقال : ما غضضتك شيئا ، أي : ما نقصتك شيئا . والغضغضة : النقص . وتغضغض الماء : نقص . الليث : الغض وزع العذل ؛ وأنشد :


                                                          غض الملامة إني عنك مشغول

                                                          وغضغض الماء والشيء فغضغض وتغضغض : نقصه فنقص . وبحر لا يغضغض ولا يغضغض ، أي : لا ينزح . يقال : فلان بحر لا يغضغض ؛ وفي الخبر : أن أحد الشعراء الذين استعانت بهم سليط على جرير لما سمع جريرا ينشد :


                                                          يترك أصفان الخصى جلاجلا

                                                          قال : علمت أنه بحر لا يغضغض أو يغضغض ، قال الأحوص :


                                                          سأطلب بالشام الوليد فإنه     هو البحر ذو التيار لا يتغضغض

                                                          ومطر لا يغضغض ، أي : لا ينقطع . والغضغضة : أن يتكلم الرجل فلا يبين . والغضاض والغضاض : ما بين العرنين وقصاص الشعر ، وقيل : ما بين أسفل روثة الأنف إلى أعلاه ، وقيل : هي الروثة نفسها ؛ قال :


                                                          لما رأيت العبد مشرحفا


                                                          للشر لا يعطي الرجال النصفا


                                                          أعدمته غضاضه والكفا

                                                          ورواه يعقوب في الألفاظ عضاضه ، وقد تقدم ، وقيل : هو مقدم الرأس وما يليه من الوجه ، ويقال للراكب إذا سألته أن يعرج عليك قليلا : غض ساعة ؛ وقال الجعدي :


                                                          خليلي غضا ساعة وتهجرا

                                                          أي : غضا من سيركما وعرجا قليلا ثم روحا متهجرين . ولما مات عبد الرحمن بن عوف ، قال عمرو بن العاص : هنيئا لك يا ابن عوف ! خرجت من الدنيا ببطنتك ولم يتغضغض منها شيء ؛ قال الأزهري : ضرب البطنة مثلا لوفور أجره الذي استوجبه بهجرته وجهاده مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لم يتلبس بشيء من ولاية ولا عمل ينقص أجوره التي وجبت له . وروى ابن الفرج عن بعضهم : غضضت الغصن وغضفته إذا كسرته فلم تنعم كسره . وقال أبو عبيد في باب موت البخيل : وماله وافر لم يعط منه شيئا ؛ من أمثالهم في هذا : مات فلان ببطنته لم يتغضغض منها شيء ، زاد غيره : كما يقال مات وهو عريض البطان ، أي : سمين من كثرة المال .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية