الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 537 ] باب الفوات والإحصار

م1 - اتفقوا : على أن الإحصار بالعدو يبيح التحلل .

م2 - واختلفوا : فيمن قدر على أحد هذين الركنين الوقوف ، أو الطواف ، ثم صد عن التمام ، هل يكون محصرا ، كمن لم يقدر على واحد منهما ؟ .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي في القديم : متى وقف بعرفة ، ورمى جمرة العقبة ، وتحلل التحلل الأول ، ثم صد عن البيت ، فإنه لا يكون محصرا ، ولا سبيل إلى تحلله ، ويبقى محرما أبدا حتى يطوف للزيارة ، فإن سافر إلى بلده ، فإنه يجب عليه العود بإحرامه الأول ، ويطوف ويسعى ، وعليه دم لترك الوقوف بالمزدلفة ، إن لم يكن وقف بها ، وعليه دم لرمي الجمار ، إن لم يكن رماها ، وكذلك لتأخير الحلق ، وعليه دم لتأخير طواف الزيارة عن أيام النحر عند أبي حنيفة ، والشافعي .

وعند مالك : يجب عليه دم ؛ لتأخير طواف الزيارة ، إن أخره إلى المحرم ، كما تقدم من مذهبه ، فإن جامع قبل أن يطوف للزيارة بعد التحلل الأول في هذه الصورة ، فعليه بدنة عندهم ، وعند أبي حنيفة رواية أخرى : عليه شاة ، فإن تكرر منه الوطء نظر ، فإن كان بنية ترك الإحرام ورفضه ، فإنه يكفيه دم واحد ، وإن لم يكن على نية رفض الإحرام ، نظر ، فإن كان الوطء المتكرر في مجلس واحد ، فيلزمه دم واحد ، وإن كان في مجالس متفرقة ، فلكل مجلس دم .

فأما من أحصر بمكة ، فقال أبو حنيفة : ليس بمحصر . [ ص: 538 ] قال أبو بكر الرازي من أصحابه : إنما هذا في حق من قدر على طواف الزيارة أو الوقوف بعرفة ، فإنه متى قدر على أحد هذين الركنين ، فلا يكون محصرا .

فأما إذا لم يقدر على الطواف ، ولا على الوقوف بعرفة ، فهو محصر .

وقال مالك : من حصره العدو تحلل بعمل عمرة ، إلا أن يكون مكيا ، فيخرج إلى الحل ، ثم يتحلل بعمرة .

وقال الشافعي في الجديد ، وأحمد : إن الإحصار بمكة والإحصار قبل الوقوف بعرفة ، وبعد الوقوف بها كله سواء في إثبات حكم الإحصار ، وإن المحصر في حال من هذه الأحوال كمن لم يقدر عليها كلها .

قال الوزير رحمه الله : والصحيح عندي في هذه المسألة ، ما ذهب إليه الشافعي في قوله الجديد ، وأحمد ، وأن قوله سبحانه : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، محمول على العموم في حق كل من أحصر ، سواء كان قبل الوقوف أو بعده ، وبمكة أو بغيرها ، وسواء كان طاف بالبيت أو لم يطف ، وأن يتحلل كما قال الله عز وجل ؛ ولأنه سبحانه أطلق ذلك في قوله ولم يخصصه ، وعلى ذلك فيما جرى للحاج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، فإن الذين صدوا عن المسجد الحرام ، وخاف كل واحد منهم الهلاك والقتل ، ليس على أحدهم إلا ما استيسر من الهدي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية