الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غنا ]

                                                          غنا : في أسماء الله عز وجل : الغني . ابن الأثير : هو الذي لا [ ص: 94 ] يحتاج إلى أحد في شيء وكل أحد محتاج إليه ، وهذا هو الغنى المطلق ولا يشارك الله تعالى فيه غيره . ومن أسمائه المغني ، سبحانه وتعالى ، وهو الذي يغني من يشاء من عباده . ابن سيده : الغنى ، مقصور ، ضد الفقر ، فإذا فتح مد ، فأما قوله :


                                                          سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقر يدوم ولا غناء



                                                          فإنه يروى بالفتح والكسر ، فمن رواه بالكسر أراد مصدر غانيت ومن رواه بالفتح أراد الغنى نفسه ؛ قال أبو إسحاق : إنما وجهه ولا غناء لأن الغناء غير خارج عن معنى الغنى ؛ قال : وكذلك أنشده من يوثق بعلمه . وفي الحديث : خير الصدقة ما أبقت غنى ، وفي رواية : ما كان عن ظهر غنى أي ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم ، فإذا أعطيتها غيرك أبقيت بعدها لك ولهم غنى ، وكانت عن استغناء منك ومنهم عنها ، وقيل : خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة ؛ قال : ظاهر هذا الكلام أنه ما أغنى عن المسألة في وقته أو يومه ، وأما أخذه على الإطلاق ففيه مشقة للعجز عن ذلك . وفي حديث الخيل : رجل ربطها تغنيا وتعففا أي استغناء بها عن الطلب من الناس . وفي حديث الجمعة : من استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه ، والله غني حميد أي اطرحه الله ورمى به من عينه فعل من استغنى عن الشيء فلم يلتفت إليه ، وقيل : جزاه جزاء استغنائه عنها كقوله تعالى : نسوا الله فنسيهم . وقد غني به عنه غنية وأغناه الله . وقد غني غنى واستغنى واغتنى وتغانى وتغنى فهو غني . وفي الحديث : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ؛ قال أبو عبيد : كان سفيان بن عيينة يقول : ليس منا من لم يستغن بالقرآن عن غيره ولم يذهب به إلى الصوت ؛ قال أبو عبيد : وهذا جائز فاش في كلام العرب ، تقول : تغنيت تغنيا بمعنى استغنيت وتغانيت تغانيا أيضا ؛ قال الأعشى :


                                                          وكنت امرأ زمنا بالعراق     عفيف المناخ طويل التغن


                                                          يريد الاستغناء وقيل : أراد من لم يجهر بالقراءة . قال الأزهري : وأما الحديث الآخر ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به ، قال : فإن عبد الملك أخبرني عن الربيع عن الشافعي أنه قال : معناه تحسين القراءة وترقيقها ، قال : ومما يحقق ذلك الحديث الآخر زينوا القرآن بأصواتكم ، قال : ونحو ذلك قال أبو عبيد ؛ وقال أبو العباس : الذي حصلناه من حفاظ اللغة في قوله ، صلى الله عليه وسلم : كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن أنه على معنيين : على الاستغناء وعلى التطريب ؛ قال الأزهري : فمن ذهب به إلى الاستغناء فهو من الغنى ، مقصور ، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغناء الصوت ، ممدود . الأصمعي في المقصور والممدود : الغنى من المال مقصور ، ومن السماع ممدود ، وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء . والغناء ، بالفتح : النفع . والغناء ، بالكسر : من السماع . والغنى مقصور : اليسار . قال ابن الأعرابي : كانت العرب تتغنى بالركباني ، إذا ركبت الإبل ، وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها ، فلما نزل القرآن أحب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن يكون هجيراهم بالقرآن مكان التغني ، بالركباني وأول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة فورثه عنه عبيد الله بن عمر ولذلك يقال قرأت العمري وأخذ ذلك عنه سعيد العلاف الإباضي . وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث أي تنشدان الأشعار التي قيلت يوم بعاث ، وهو حرب كانت بين الأنصار ، ولم ترد الغناء المعروف بين أهل اللهو واللعب ، وقد رخص عمر ، رضي الله عنه ، في غناء الأعراب وهو صوت كالحداء . واستغنى الله : سأله أن يغنيه ؛ عن الهجري ، قال : وفي الدعاء اللهم إني أستغنيك عن كل حازم ، وأستعينك على كل ظالم . وأغناه الله وغناه ، وقيل : غناه في الدعاء وأغناه في الخبر ، والاسم من الاستغناء عن الشيء الغنية والغنوة والغنية والغنيان . وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض ؛ قال المغيرة بن حبناء التميمي :


                                                          كلانا غني عن أخيه حياته     ونحن إذا متنا أشد تغانيا



                                                          واستغنى الرجل : أصاب غنى . أبو عبيد : أغنى الله الرجل حتى غني غنى أي صار له مال ، وأقناه الله حتى قني قنى ، وهو أن يصير له قنية من المال . قال الله عز وجل : وأنه هو أغنى وأقنى . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه ، أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأغنياء فأتى أهله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فلم يجعل عليه شيئا . قال ابن الأثير : قال الخطابي كان الغلام الجاني حرا وكانت جنايته خطأ وكانت عاقلته فقراء فلا شيء عليهم لفقرهم . قال : ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه حرا أيضا ، لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهل الجاني بالفقر معنى لأن العاقلة لا تحمل عبدا كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا ، فأما المملوك إذا جنى على عبد أو حر فجنايته في رقبته ، وللفقهاء في استيفائها منه خلاف ؛ وقول أبي المثلم :


                                                          لعمرك ! والمنايا غاليات     وما تغني التميمات الحماما

                                                          أراد من الحمام ، فحذف وعدى . قال ابن سيده : فأما ما أثر من أنه قيل لابنة الخس : ما مائة من الضأن فقالت : غنى ، فروي لي أن بعضهم قال : الغنى اسم المائة من الغنم ، قال : وهذا غير معروف في موضوع اللغة ، وإنما أرادت أن ذلك العدد غنى لمالكه كما قيل لها عند ذلك : وما مائة من الإبل ؟ فقالت : منى ، فقيل لها : وما مائة من الخيل ؟ فقالت : لا ترى ؛ فمنى ولا ترى ليسا باسمين للمائة من الإبل والمائة من الخيل ، وكتسمية أبي النجم في بعض شعره الحرباء بالشقي ، وليس الشقي باسم للحرباء وإنما سماه به لمكابدته للشمس واستقباله لها ، وهذا النحو كثير . والغني والغاني : ذو الوفر ؛ أنشد     ابن الأعرابي
                                                          لعقيل بن علفة قال :


                                                              أرى المال يغشى ذا الوصوم فلا ترى
                                                          ويدعى من الأشراف من كان غانيا



                                                          و ؛ قال طرفة :


                                                          وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد



                                                          [ ص: 95 ] ورجل غان عن كذا أي مستغن ، وقد غني عنه . وما لك عنه غنى ولا غنية ولا غنيان ولا مغنى أي ما لك عنه بد . ويقال : ما يغني عنك هذا أي ما يجزئ عنك وما ينفعك . وقال في معتل الألف : لي عنه غنوة أي غنى ؛ حكاه اللحياني عن الكسائي ، والمعروف غنية . والغانية من النساء : التي غنيت بالزوج ؛ وقال جميل :


                                                          أحب الأيامى إذ بثينة أيم     وأحببت لما أن غنيت الغوانيا

                                                          وغنيت المرأة بزوجها غنيانا أي استغنت ، قال قيس بن الخطيم :


                                                          أجد بعمرة غنيانها     فتهجر أم شاننا شانها ؟



                                                          والغانية من النساء : الشابة المتزوجة ، وجمعها غوان ؛ وأنشد ابن بري لنصيب :


                                                          فهل تعودن ليالينا بذي سلم     كما بدأن وأيامي بها الأول
                                                          أيام ليلى كعاب غير غانية     وأنت أمرد معروف لك الغزل


                                                          والغانية : التي غنيت بحسنها وجمالها عن الحلي ، وقيل : هي التي تطلب ولا تطلب ، وقيل : هي التي غنيت ببيت أبويها ولم يقع عليها سباء . قال ابن سيده : وهذه أغربها ؛ وهي عن ابن جني وقيل : هي الشابة العفيفة ، كان لها زوج أو لم يكن . الفراء : الأغناء إملاكات العرائس . وقال ابن الأعرابي : الغنى التزويج ، والعرب تقول : الغنى حصن العزب أي التزويج . أبو عبيدة : الغواني ذوات الأزواج ؛ وأنشد :


                                                          أزمان ليلى كعاب غير غانية



                                                          وقال ابن السكيت عن عمارة : الغواني الشواب اللواتي يعجبن الرجال ويعجبهن الشبان . وقال غيره : الغانية الجارية الحسناء ، ذات زوج كانت أو غير ذات زوج ، سميت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة . وقال ابن شميل : كل امرأة غانية ، وجمعها الغواني ؛ وأما قول ابن قيس الرقيات :


                                                          لا بارك الله في الغواني هل     يصبحن إلا لهن مطلب ؟



                                                          فإنما حرك الياء بالكسرة للضرورة ورده إلى أصله ، وجائز في الشعر أن يرد الشيء إلى أصله ؛ وقوله :


                                                          وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه     ويعدن أعداء بعيد وداد

                                                          إنما أراد الغواني ، فحذف الياء تشبيها للام المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء ، فحذف الياء لأجل اللام كما تحذفها لأجل التنوين ؛ وقول المثقب العبدي :


                                                          هل عند غان لفؤاد صد     من نهلة في اليوم أو في غد ؟



                                                          إنما أراد ( غانية ) فذكر على إرادة الشخص ، وقد غنيت غنى . وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ومغناه ومغناته : ناب عنه وأجزأ عنه مجزأه . والغناء ، بالفتح : النفع . والغناء بفتح الغين ممدود : الإجزاء والكفاية . يقال : رجل مغن أي مجزئ كاف ؛ قال ابن بري : الغناء مصدر أغنى عنك أي كفاك على حذف الزوائد مثل قوله :


                                                          وبعد عطائك المائة الرتاعا



                                                          وفي حديث عثمان : أن عليا ، رضي الله عنهما ، بعث إليه بصحيفة فقال للرسول : أغنها عنا ، أي اصرفها وكفها كقوله تعالى : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي يكفه ويكفيه . يقال : أغن عني شرك أي اصرفه وكفه ؛ ومنه قوله تعالى : لن يغنوا عنك من الله شيئا وحديث ابن مسعود : وأنا لا أغني لو كانت لي منعة أي لو كان معي من يمنعني لكفيت شرهم وصرفتهم . وما فيه غناء ذلك أي إقامته والاضطلاع به . وغني به أي عاش . وغني القوم بالدار غنى : أقاموا . وغني بالمكان : أقام . قال ابن بري : تقول غني بالمكان مغنى وغني القوم في ديارهم إذا طال مقامهم فيها . قال الله عز وجل : كأن لم يغنوا فيها أي لم يقيموا فيها ؛ وقال مهلهل :


                                                          غنيت دارنا تهامة في الدهر     وفيها بنو معد حلولا

                                                          وقال الليث : يقال للشيء إذا فني كأن لم يغن بالأمس أي كأن لم يكن . وفي حديث علي ، رضي الله عنه : ورجل سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما سالما أي لم يلبث في أخذ العلم يوما تاما ؛ من قولك غنيت بالمكان أغنى إذا أقمت به . والمغاني : المنازل التي كان بها أهلوها ، واحدها مغنى ، وقيل : المغنى المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا عنه . وغنيت لك مني بالبر والمودة أي بقيت . وغنيت دارنا تهامة أي كانت دارنا تهامة ؛ وأنشد لمهلهل : غنيت دارنا أي كانت ؛ وقال تميم بن مقبل :


                                                          أأم تميم إن تريني عدوكم     وبيتي فقد أغنى الحبيب المصافيا

                                                          أي أكون الحبيب . الأزهري : وسمعت رجلا من العرب يبكت خادما له يقول : أغن عني وجهك بل شرك بمعنى اكفني شرك وكف عني شرك ؛ ومنه قوله تعالى : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه يقول : يكفيه شغل نفسه عن شغل غيره . والمغنى : واحد المغاني ، وهي المواضع التي كان بها أهلوها . والغناء من الصوت : ما طرب به ؛ قال حميد بن ثور :


                                                          عجبت لها أنى يكون غناؤها     فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما


                                                          وقد غنى بالشعر وتغنى به قال :


                                                          تغن بالشعر إما كنت قائله     إن الغناء بهذا الشعر مضمار

                                                          أراد إن التغني ، فوضع الاسم موضع المصدر . وغناه بالشعر وغناه إياه . ويقال : غنى فلان يغني أغنية وتغنى بأغنية حسنة ، وجمعها الأغاني ؛ فأما ما أنشده ابن الأعرابي من قول الشاعر :


                                                          ثم بدت تنبض أحرادها     إن متغناة وإن حاديه

                                                          فإنه أراد إن متغنية ، فأبدل الياء ألفا كما قالوا الناصاة في الناصية ، والقاراة في القارية . وغنى بالمرأة : تغزل بها . وغناه بها : ذكره إياها في شعر ؛ قال :


                                                          ألا غننا بالزاهرية إنني     على النأي مما أن ألم بها ذكرا

                                                          [ ص: 96 ] وبينهم أغنية وإغنية يتغنون بها أي نوع من الغناء وليست الأولى بقوية إذ ليس في الكلام أفعلة إلا أسنمة ، فيمن رواه ، بالضم ، والجمع الأغاني . وغنى وتغنى بمعنى . وغنى بالرجل وتغنى به : مدحه أو هجاه . وفي الخبر : أن بعض بني كليب قال لجرير : هذا غسان السليطي يتغنى بنا أي يهجونا ؛ وقال جرير :


                                                          غضبتم علينا أم تغنيتم بنا     أن اخضر من بطن التلاع غميرها

                                                          وغنيت الركب به : ذكرته لهم في شعر . قال ابن سيده : وعندي أن الغزل والمدح والهجاء إنما يقال في كل واحد منها غنيت وتغنيت بعد أن يلحن فيغنى به . وغنى الحمام وتغنى : صوت . والغناء : رمل بعينه ؛ قال الراعي :


                                                          لها خصور وأعجاز ينوء بها     رمل الغناء وأعلى متنها رؤد

                                                          التهذيب : ورمل الغناء ممدود ؛ ومنه قول ذي الرمة :


                                                          تنطقن من رمل الغناء وعلقت     بأعناق أدمان الظباء القلائد

                                                          أي اتخذن من رمل الغناء أعجازا كالكثبان وكأن أعناقهن أعناق الظباء . وقال الأصمعي : الغناء موضع : ، واستشهد ببيت الراعي :


                                                          رمل الغناء وأعلى متنها رؤد



                                                          والمغني : الفصيل الذي يصرف بنابه ؛ قال :


                                                          يا أيها الفصيل المغني



                                                          وغني : حي من غطفان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية