الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 2015 ] ( باب اللقطة )

( الفصل الأول )

3033 - عن زيد بن خالد قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة ، فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، قال : فضالة الغنم ؟ قال : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : فضالة الإبل ؟ قال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها . متفق عليه ، وفي رواية لمسلم قال : عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه .

التالي السابق


( باب اللقطة )

بضم اللام وفتح القاف ويسكن . في المغرب : اللقطة الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه ، قال الأزهري : ولم أسمع اللقطة بالسكون لغير الليث . وقال بعض الشروح من علمائنا : هي بفتح القاف المال الملقوط من لقط الشيء والتقطه أخذه من الأرض وعليه الأكثرون وقال الخليل : اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط قياسا على نظائرها من أسماء الفاعلين كهمزة ولمزة وأما اسم المال الملقوط فبسكون القاف .

( الفصل الأول )

3033 - ( عن زيد بن خالد ) لم يذكره المؤلف ( قال جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة ) أي : عن حكمها إذا وجدها ( فقال : اعرف عفاصها ) بكسر أوله أي : وعاءها ( ووكاءها ) بكسر الواو أي : ما تشد به . في الفائق : العفاص الوعاء الذي يكون فيه اللقطة من جلد أو خرقة أو غير ذلك ، وفي النهاية : الوكاء هو الخيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما ، قال ابن الملك : وإنما أمر بمعرفتها ليعلم صدق وكذب من يدعيها ، في شرح السنة : اختلفوا في تأويل قوله : اعرف عفاصها في أنه لو جاء رجل وادعى اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها هل يجب الدفع إليه ؟ فذهب مالك وأحمد إلى أنه يجب الدفع إليه من غير بينة إذ هو المقصود من المعرفة والوكاء ، وقال الشافعي وأصحاب أبي حنيفة - رحمهم الله - إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق فله أن يعطيه وإلا فبينة لأنه قد يصيب في الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها فعلى هذا تأويل قوله اعرف عفاصها ووكاءها لئلا تختلط بماله اختلاطا لا يمكنه التمييز إذا جاء مالكها ( ثم عرفها ) بكسر الراء المشددة ( سنة ) قال ابن الهمام : ظاهر الأمر بتعريفها سنة يقتضي تكرير التعريف عرفا وعادة وإن كان ظرفية السنة للتعريف يصدق بوقوعه مرة واحدة لكن يجب حمله على المعتاد من أنه يفعله وقتا بعد وقت ويكرر ذلك كلما وجد مظنة . وقال ابن الملك : ففي الأسبوع الأول يعرفها في كل يوم مرتين مرة في أول النهار ومرة في آخره ، وفي الأسبوع الثاني في كل يوم مرة ، ثم في كل أسبوع مرة ، وقدر محمد في الأصل مدة التعريف بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير أخذا بهذا الحديث وهو قول مالك والشافعي وأحمد . والصحيح أن شيئا من هذه التقادير ليس بلازم وأن تفويض التقدير إلى رأي الآخذ لإطلاق خبر مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللقطة : " عرفها فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطه إياها وإلا فاستمتع بها " والتقييد بالسنة لعله لكون اللقطة المسئول عنها كانت تقتضي ذلك ولأن الغالب أن تكون اللقطة كذلك ( فإن جاء صاحبها ) شرط حذف جزاؤه للعلم به أي : فردها إليه أو فبها ونعمت أو أخذها ( وإلا ) وإن لم يجئ صاحبها ( فشأنك بها ) بهمزة ساكنة وتبدل الفاء وهو منصوب على المصدرية يقال : شأنت شأنه أي : قصدت قصده واشأن شأنك أي اعمل بما تحسنه ، ذكره الطيبي - رحمه الله - ، وقيل على المفعولية أي : خذ شأنك أي : فاصنع ما شئت من صدقة أو بيع أو أكل ونحوها والحاصل إن كنت محتاجا فانتفع بها وإلا فتصدق بها . قال القاضي : فيه دليل على أن من التقط لقطة وعرفها سنة ولم يظهر صاحبها كان له تملكها سواء كان غنيا أو فقيرا . وإليه ذهب كثير من الصحابة والتابعين وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق ، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : يتصدق بها الغني ولا ينتفع بها ولا يتملكها . وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - ويؤيد الأول ما جيء عن أبي بن كعب أنه قال : " وجدت صرة " إلى قوله : " فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها " وكان أبي من مياسير الأنصار ( قال ) أي : الرجل ( فضالة الغنم ؟ ) بتشديد اللام أي : غاويتها أو متروكتها مبتدأ خبره محذوف أي : ما حكمها ( قال : هي لك ) أي : إن [ ص: 2016 ] أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها فإن لك أن تملكها ( أو لأخيك ) يريد به صاحبها والمعنى إن أخذتها فظهر مالكها فهو له أو تركتها فاتفق أن صادفها فهو أيضا له ، وقيل : معناه إن لم تلتقطها يلتقطها غيرك ( أو للذئب ) بالهمزة وإبداله أي : إن تركت أخذها أخذها الذئب وفيه تحريض على التقاطها . قال الطيبي - رحمه الله - أي : إن تركتها ولم يتفق أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالبا ، نبه بذلك على جواز التقاطها وتملكها وعلى ما هو العلة لها وهي كونها معرضة للضياع ليدل على اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعي بغير راع ( قال ) أي : الرجل ( فضالة الإبل ؟ قال : ما لك ) أي : شيء لك ( ولها ) قيل : ما شأنك معها أي اتركها ولا تأخذها ( معها سقاؤها ) بكسر السين أي : معدتها فتقع موقع السقاء في الري لأنها إذا وردت الماء شربت ما يكون فيه ريها لظمئها أياما ( وحذاؤها ) بكسر الحاء المهملة أي : خفافها والظاهر أن الجملة استئناف مبين للعلة ، وقال بعض الشراح : أي والحال أنها مستقلة بأسباب تعيشها أي : يؤمن عليها من أن تموت عطشا لاصطبارها على الظمأ واقتدارها على المسير إلى المرعى ، والسقاء يكون للبن ويكون للماء وأريد به هنا ما تحويه في كرشها من الماء فتقع موقع السقاء في الرعي أو أراد به صبرها على الظمأ فإنها أصبر الدواب على ذلك ( ترد الماء ) أي : تجيئه وتشرب منه ، ومنه قوله تعالى ( ولما ورد ماء مدين ) ( وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ) أي : مالكها ، قال الطيبي - رحمه الله - : أراد بالسقاء أنها إذا وردت الماء شربت ما يكون فيه ريها لظمئها وهي من أطول البهائم ظمأ ، وقيل : أراد به أنها ترد عند احتياجها إليه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - صبرها على الماء أو ورودها إليه بمثابة سقائها وبالحذاء خفافها وأنها تقوى بها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية ، شبهها النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن كان معه حذاء وسقاء في سعة ، وإنما أضاف الرب إليها لأن البهائم غير متعبدة ولا مخاطبة فهي بمنزلة الأموال التي يجوز إضافة مالكها إليها وجعلهم أربابا لها ، قال القاضي : " وأشار بالتقييد بقوله معها سقاؤها أن المانع من التقاطها ، والفارق بينها وبين الغنم ونحوها استقلالها بالتعيين وذلك إنما يتحقق فيما توجد في الصحراء ، فأما ما توجد في القرى والأمصار فيجوز التقاطها لعدم المانع ووجود الموجب وهو كونها معرضة للتلف مطمحة للطمع ، وذهب قوم إلى أنه لا فرق في الإبل ونحوها من الحيوان الكبار بين أن يؤخذ في الصحراء أو عمران لإطلاق المنع " ، قال ابن الملك : مذهب أبي حنيفة - رحمه الله - أنه لا فرق بين الغنم وغيره في فضيلة الالتقاط إذا خاف الضياع وأشهد على نفسه أنه أخذها ليردها إلى صاحبها ، وأجيب عن حديث زيد بأن ذلك كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة لا تصل إليها يد خائنة إذا تركها وحدها ، وأما في زماننا فلا أمن ففي أخذها إحياء وحفظها على صاحبها فهو أولى ( متفق عليه ، وفي رواية لمسلم : فقال : عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ) الظاهر أن المراد بثم مجرد العطف ليطابق ما سبق ومنه قوله تعالى : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) والله تعالى أعلم بالصواب . وقال ابن حجر - رحمه الله - : " أخر المعرفة عن التعريف على خلاف ما تقدم إيذانا بكون الملتقط مأمورا بمعرفتين يعرف عفاصها أولا ، فإذا عرفها سنة وأراد تملكها ندب له أن يعرفها مرة أخرى تعرفا ثانيا ; ليظهر صدق صاحبها إذا وصفها اه ، وبعده لا يخفى ( ثم استنفق ) أي : فإذا لم تعرف صاحبها تملكها وأنفقها على نفسك والأمر للإباحة ثم إذا تصرف الآخذ لنفسه فقيرا أو تصدق ( بها ) على فقير فالصاحب يخير في تضمين أيهما شاء ولا رجوع لأحد على الآخر وهذا معنى قوله ( فإن جاء ربها فأدها إليه ) أي : إن بقي عينها وإلا فقيمتها .

[ ص: 2017 ]



الخدمات العلمية