الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بكا ]

                                                          بكا : البكاء : يقصر ويمد ، قال الفراء وغيره إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها ، قال حسان بن ثابت ، وزعم ابن إسحاق أنه لعبد الله بن رواحة ، وأنشده أبو زيد لكعب بن مالك في أبيات :


                                                          بكت عيني ، وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل     على أسد الإله غداة قالوا :
                                                          أحمزة ذاكم الرجل القتيل ؟     أصيب المسلمون به جميعا
                                                          هناك وقد أصيب به الرسول     أبا يعلى لك الأركان هدت
                                                          وأنت الماجد البر الوصول     عليك سلام ربك في جنان
                                                          مخالطها نعيم لا يزول .



                                                          قال ابن بري : وهذه من قصيدة ذكرها النحاس في طبقات الشعراء ; قال : والصحيح أنها لكعب بن مالك ، وقالت الخنساء في البكاء الممدود ترثي أخاها :


                                                          دفعت بك الخطوب وأنت حي     فمن ذا يدفع الخطب الجليلا ؟
                                                          إذا قبح البكاء على قتيل     رأيت بكاءك الحسن الجميلا .



                                                          وفي الحديث : " فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا " أي تكلفوا البكاء ، وقد بكى يبكي بكاء وبكى ، قال الخليل : من قصره ذهب به إلى معنى الحزن ، ومن مده ذهب به إلى معنى الصوت ، فلم يبال الخليل اختلاف الحركة التي بين البكا وبين حاء الحزن ; لأن ذلك الخطر يسير . قال ابن سيده : وهذا هو الذي جرأ سيبويه على أن قال وقالوا النضر ، كما قالوا الحسن غير أن هذا مسكن الأوسط ، إلا أن سيبويه زاد على الخليل لأن الخليل مثل حركة بحركة وإن اختلفتا ، وسيبويه مثل ساكن الأوسط بمتحرك الأوسط ، ولا محالة أن الحركة أشبه بالحركة وإن اختلفتا من الساكن بالمتحرك ، فقصر سيبويه عن الخليل وحق له ذلك ، إذ الخليل فاقد النظير وعادم المثيل ، وقول طرفة :


                                                          وما زال عني ما كننت يشوقني     وما قلت حتى ارفضت العين باكيا .



                                                          فإنه ذكر باكيا وهي خبر عن العين ، والعين أنثى ; لأنه أراد حتى ارفضت العين ذات بكاء ، وإن كان أكثر ذلك إنما هو فيما كان معنى فاعل لا معنى مفعول ، فافهم ، وقد يجوز أن يذكر على إرادة العضو ، ومثل هذا يتسع فيه القول ، ومثله قول الأعشى :


                                                          أرى رجلا منهم أسيفا ، كأنما     يضم إلى كشحيه كفا مخضبا .



                                                          أي ذات خضاب ، أو على إرادة العضو كما تقدم ; قال : وقد يجوز أن يكون مخضبا حالا من الضمير الذي في يضم . وبكيته وبكيت عليه بمعنى . قال الأصمعي : بكيت الرجل وبكيته ، بالتشديد ، كلاهما إذا بكيت عليه ، وأبكيته إذا صنعت به ما يبكيه ، قال الشاعر :


                                                          الشمس طالعة ، ليست بكاسفة     تبكي عليك نجوم الليل والقمرا .



                                                          واستبكيته وأبكيته بمعنى . و [ التبكاء ] والتبكاء : البكاء ، عن اللحياني . وقال اللحياني : قال بعض نساء الأعراب في تأخيذ الرجال : أخذته في دباء مملإ من الماء معلق بترشاء فلا يزل في تمشاء وعينه في تبكاء ، ثم فسره فقال : الترشاء الحبل والتمشاء المشي ، والتبكاء البكاء ، وكان حكم هذا أن يقول تمشاء وتبكاء ; لأنهما من المصادر المبنية للتكثير كالتهذار في الهذر والتلعاب في اللعب ، وغير ذلك من المصادر التي حكاها سيبويه ، وهذه الأخذة قد يجوز أن تكون كلها شعرا ، فإذا كان كذلك فهو من منهوك المنسرح ، وبيته :


                                                          صبرا بني عبد الدار .



                                                          وقال ابن الأعرابي : التبكاء ، بالفتح ، كثرة البكاء ، وأنشد :


                                                          وأقرح عيني تبكاؤه     وأحدث في السمع مني صمم .



                                                          وباكيت فلانا فبكيته إذا كنت أكثر بكاء منه . وتباكى : تكلف [ ص: 136 ] البكاء . والبكي : الكثير البكاء ، على فعيل . ورجل باك ، والجمع بكاة وبكي ، على فعول مثل جالس وجلوس ، إلا أنهم قلبوا الواو ياء . وأبكى الرجل : صنع به ما يبكيه . وبكاه على الفقيد : هيجه للبكاء عليه ودعاه إليه ، قال الشاعر :


                                                          صفية قومي ولا تقعدي     وبكي النساء على حمزه .



                                                          ويروى : ولا تعجزي ، هكذا روي بالإسكان ، فالزاي على هذا هو الروي لا الهاء لأنها هاء تأنيث ، وهاء التأنيث لا تكون رويا ، ومن رواه مطلقا قال : ( على حمزة ) جعل التاء هي الروي واعتقدها تاء لا هاء ; لأن التاء تكون رويا ، والهاء لا تكون البتة رويا . وبكاه بكاء وبكاه ، كلاهما : بكى عليه ورثاه ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          وكنت متى أرى زقا صريعا     يناح على جنازته ، بكيت .



                                                          فسره فقال : أراد غنيت ، فجعل البكاء بمنزلة الغناء ، واستجاز ذلك لأن البكاء كثيرا ما يصحبه الصوت كما يصحب الصوت الغناء . والبكى مقصور : نبت أو شجر ، واحدته بكاة ، قال أبو حنيفة : البكاة مثل البشامة لا فرق بينهما إلا عند العالم بهما ، وهما كثيرا ما تنبتان معا ، وإذا قطعت البكاة هريقت لبنا أبيض ، قال ابن سيده : وقضينا على ألف البكى بالياء لأنها لام لوجود ب ك ي وعدم ب ك و ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية