الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل المعرفة

قال صاحب المنازل : ( باب المعرفة ) قال الله تعالى : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق المعرفة : إحاطة بعين الشيء كما هو .

قلت : وقع في القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم ، فلفظ المعرفة كقوله : مما عرفوا من الحق ، وقوله : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .

[ ص: 313 ] وأما لفظ العلم فهو أوسع إطلاقا ، كقوله : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، وقوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو الآية ، وقوله : والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ، وقوله : وقل رب زدني علما ، وقوله : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ، وقوله : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وقوله : وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ، وقوله : وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ، وقوله : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ، وقوله : قال الذي عنده علم من الكتاب ، وقوله : اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ، وقوله : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو ، وقوله : واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ، وقوله : فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وهذا كثير .

واختار سبحانه لنفسه اسم العلم وما تصرف منه ، فوصف نفسه بأنه عالم ، وعليم ، وعلام ، وعلم ، ويعلم ، وأخبر أن له علما دون لفظ المعرفة في القرآن ، ومعلوم أن الاسم الذي اختاره الله لنفسه أكمل نوعه المشارك له في معناه .

وإنما جاء لفظ المعرفة في القرآن في مؤمني أهل الكتاب خاصة ، كقوله : ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون إلى قوله مما عرفوا من الحق ، وقوله : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .

[ ص: 314 ] وهذه الطائفة ترجح المعرفة على العلم جدا ، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأسا ، ويعده قاطعا وحجابا دون المعرفة ، وأهل الاستقامة منهم : أشد الناس وصية للمريدين بالعلم ، وعندهم أنه لا يكون ولي لله كامل الولاية من غير أولي العلم أبدا ، فما اتخذ الله ولا يتخذ وليا جاهلا ، والجهل رأس كل بدعة وضلالة ونقص ، والعلم أصل كل خير وهدى وكمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية