الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل من يربي القرآن

ومثل من يربي القرآن كمثل رجل آوى يتيما إلى منزله وكفله وكساه وأطعمه وسقاه ونزهه ونقاه ووقاه من الآفات والأدناس وجعل حجره له حواء فهو يغسله بيده وينقيه كما لولده ويرشفه ويقوم عليه في جميع أحواله [ ص: 59 ] فلا يزال دأبه معه يتربى هذا اليتيم في حجره إلى أن يدرك فإذا أدرك فعرف تربيته فشكر له وقام له بالبنوة يحمي عنه في كل مكان ويذب عنه ويدفع عنه ويربيه في وقت ضعفه وكبر سنه وآخر رام تربية هذا اليتيم فأدخله بيته ساعة من نهار فأعطاه كسرة خبز وشيئا من عنب ثم أخذ بيده وأقامه على قارعة الطريق فإذا أدرك هذا اليتيم مدرك الرجال قل ما يلتفت إلى هذا وإنما يعرف له بقدر ما رأى من تلك الكسرات والعناقيد

فكذا من قرأ كلام الله عز وجل في كل يوم وردا أو جزءا ثم وضعه في ناحية من بيت ولم يقم بين يديه فالقرآن في زماننا كاليتيم الذي ليس له مأوى ملقى على قارعة الطريق لا يؤبه به ولا يتكفل أحد بتربيته فالمحسن من أهل هذا الزمان كمن أدخل اليتيم في بيته ساعة فأطعمه شيئا وسقاه ثم أعرض عنه وترك كفالته

فالقرآن إنما يلج صدورا طاهرة نقية فإذا لم يجد تلك الصدور فهو كاليتيم الذي لا يجد كفيلا ولا مأوى وقد قال جل ذكره يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون [ ص: 60 ] من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين

قال كتاب مبين من الله الحروف المؤلفة التي تضمنت المعاني .والنور كسوة تلك الحروف أهداها رب العزة إلى هذه الأمة قد تضمنها الوحي حتى أوصلها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتلقتها الأذهان والعقول وأخذتها منه قال جل ذكره وإنه لتذكرة للمتقين فالتذكرة كدفتر حساب يرجع إليه في كل يوم وساعة إذا أصبح ينظر فيه فيدبر أمره من التذكرة مما أحكمه ورده إلى الديوان الأكبر الذي فيه جملة حساب تجارته فالمتقي ينظر فيه كل يوم يتدبر أمره فيه ومنه ويقابل أموره مما أمر الله فيه ويسويه ويتلافى ما ضاع منه وما قصر فيه ثم يؤديه إلى ديوان الله عز وجل وهو اللوح المحفوظ

ثم قال وإنه لحسرة على الكافرين

فإذا رأى الكافر ما يصنع القرآن بأهله من الثناء عليهم بين يدي الله عز وجل ونظر إلى كرامة الله على أهل القرآن صار ذلك كله حسرة عليه وتقطع قلبه حسرات

[ ص: 61 ] ثم قال وإنه لحق اليقين أي هذا القرآن من حق اليقين أي كما أعطيتكم من نور المعرفة فاستقرت قلوبكم وأيقنت بربوبيتي وبوحدانيتي فاطمأنت نفوسكم بي وآمنت كان من حق ذلك اليقين علينا أن أنزل كلامي إليكم لتسكن به تلك الصدور التي استقر اليقين في تلك القلوب فيها ويجاوره بأحسن المجاورة فهذا حقه ويساكته في مستقره فاليقين في القلب وكلامي في الصدور وهو ساحة اليقين فذلك حق اليقين

التالي السابق


الخدمات العلمية