الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فزع ]

                                                          فزع : الفزع : الفرق والذعر من الشيء ، وهو في الأصل مصدر . فزع منه وفزع فزعا وفزعا وفزعا وأفزعه وفزعه : أخافه وروعه ، فهو فزع ; قال سلامة :


                                                          كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب



                                                          والمفزعة ، بالهاء : ما يفزع منه . وفزع عنه أي كشف عنه الخوف . وقوله تعالى : حتى إذا فزع عن قلوبهم عداه بعن لأنه في معنى كشف الفزع ، ويقرأ فزع أي فزع الله ، وتفسير ذلك أن ملائكة السماء كان عهدهم قد طال بنزول الوحي من السماوات العلا ، فلما نزل جبريل إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالوحي أول ما بعث ظنت الملائكة الذين في السماء أنه نزل لقيام الساعة ففزعت لذلك ، فلما تقرر عندهم أنه نزل لغير ذلك كشف الفزع عن قلوبهم فأقبلوا على جبريل ومن معه من الملائكة ، فقال كل فريق منهم لهم : ماذا قال ربكم ؟ سألت لأي شيء نزل جبريل ، عليه السلام ، قالوا : الحق أي قالوا قال الحق ; وقرأ الحسن فزع أي فزعت من الفزع . وفي حديث عمرو بن معد يكرب : قال له الأشعث : لأضرطنك ! فقال : كلا إنها لعزوم مفزعة أي صحيحة تنزل بها الأفزاع . والمفزع : الذي كشف عنه الفزع وأزيل . ورجل فزع ، ولا يكسر لقلة فعل في الصفة وإنما جمعه بالواو والنون ، وفازع ، والجمع فزعة ، وفزاعة : كثير الفزع ، وفزاعة أيضا : يفزع الناس كثيرا . وفازعه ففزعه يفزعه : صار أشد فزعا منه . وفزع إلى القوم : استغاثهم . وفزع القوم وفزعهم فزعا وأفزعهم : أغاثهم ; قال زهير :


                                                          إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم     طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل



                                                          وقال الكلحبة اليربوعي ، واسمه هبيرة بن عبد مناف والكلحبة أمه :


                                                          فقلت لكأس ألجميها فإنما     حللت الكثيب من زرود لأفزعا



                                                          أي لنغيث ونصرخ من استغاث بنا ; ومثله للراعي :


                                                          إذا ما فزعنا أو دعينا لنجدة     لبسنا عليهن الحديد المسردا



                                                          فقوله فزعنا أي أغثنا ; وقول الشاعر هو الشماخ :


                                                          إذا دعت غوثها ضراتها فزعت     أعقاب ني على الأثباج منضود



                                                          يقول : إذا قل لبن ضراتها نصرتها الشحوم التي على ظهورها وأغاثتها فأمدتها باللبن . ويقال : فلان مفزعة ، بالهاء ، يستوي فيه التذكير والتأنيث إذا كان يفزع منه . وفزع إليه : لجأ ، فهو مفزع لمن فزع إليه أي ملجأ لمن التجأ إليه . وفي حديث الكسوف : فافزعوا إلى الصلاة أي الجئوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث . وتقول : فزعت إليك وفزعت منك ولا تقل فزعتك . والمفزع والمفزعة : الملجأ وقيل : المفزع المستغاث به ، والمفزعة الذي يفزع من أجله ، فرقوا بينهما ، قال الفراء : المفزع يكون جبانا ويكون شجاعا ، فمن جعله شجاعا مفعولا به قال : بمثله تنزل الأفزاع ، ومن جعله جبانا جعله يفزع من كل شيء ، قال : وهذا مثل قولهم للرجل إنه لمغلب وهو [ ص: 179 ] غالب ، ومغلب وهو مغلوب . وفلان مفزع الناس وامرأة مفزع وهم مفزع : معناه إذا دهمنا أمر فزعنا إليه أي لجأنا إليه واستغثنا به . والفزع أيضا : الإغاثة قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع أي تكثرون عند الإغاثة ، وقد يكون التقدير أيضا عند فزع الناس إليكم لتغيثوهم . قال ابن بري : وقالوا : فزعته فزعا بمعنى أفزعته أي أغثته وهي لغة ففيه ثلاث لغات : فزعت القوم وفزعتهم وأفزعتهم ، كل ذلك بمعنى أغثتهم . قال ابن بري : ومما يسأل عنه يقال كيف يصح أن يقال فزعته بمعنى أغثته متعديا واسم الفاعل منه فعل ، وهذا إنما جاء في نحو قولهم حذرته فأنا حذره ، واستشهد سيبويه عليه بقوله حذر أمورا ، وردوا عليه وقالوا : البيت مصنوع ، وقال الجرمي : أصله حذرت منه فعدى بإسقاط منه ، قال : وهذا لا يصح في فزعته بمعنى أغثته أن يكون على تقدير من ، وقد يجوز أن يكون فزع معدولا عن فازع كما كان حذر معدولا عن حاذر ، فيكون مثل سمع معدولا عن سامع فيتعدى بما تعدى سامع ، قال : والصواب في هذا أن فزعته بمعنى أغثته بمعنى فزعت له ثم أسقطت اللام لأنه يقال فزعته وفزعت له ، قال : وهذا هو الصحيح المعول عليه . والإفزاع : الإغاثة . والإفزاع : الإخافة . يقال : فزعت إليه فأفزعني أي لجأت إليه من الفزع فأغاثني ، وكذلك التفزيع ، وهو من الأضداد ، أفزعته إذا أغثته ، وأفزعته إذا خوفته ، وهذه الألفاظ كلها صحيحة ومعانيها عن العرب محفوظة . يقال : أفزعته لما فزع أي أغثته لما استغاث . وفي حديث المخزومية : ففزعوا إلى أسامة أي استغاثوا به . قال ابن بري : ويقال فزعت الرجل أغثته بمعنى أفزعته ، فيكون على هذا الفزع المغيث والمستغيث ، وهو من الأضداد . قال الأزهري : والعرب تجعل الفزع فرقا ، وتجعله إغاثة للمفزوع المروع ، وتجعله استغاثة ، فأما الفزع بمعنى الاستغاثة ففي الحديث : أنه فزع أهل المدينة ليلا فركب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فرسا لأبي طلحة عريا ، فلما رجع قال : لن تراعوا ، إني وجدته بحرا ; معنى قوله فزع أهل المدينة أي استصرخوا وظنوا أن عدوا أحاط بهم ، فلما قال لهم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لن تراعوا ، سكن ما بهم من الفزع . يقال : فزعت إليه فأفزعني أي استغثت إليه فأغاثني . وفي صفة علي ، عليه السلام : فإذا فزع فزع إلى ضرس حديد أي إذا استغيث به التجئ إلى ضرس ، والتقدير فإذا فزع إليه فزع إلى ضرس ، فحذف الجار واستتر الضمير . وفزع الرجل : انتصر ، وأفزعه هو . وفي الحديث : أنه فزع من نومه محمرا وجهه ، وفي رواية : أنه نام ففزع وهو يضحك أي هب وانتبه ; يقال : فزع من نومه وأفزعته أنا ، وكأنه من الفزع الخوف لأن الذي ينبه لا يخلو من فزع ما . وفي الحديث : ألا أفزعتموني أي أنبهتموني . وفي حديث فضل عثمان : قالت عائشة للنبي ، صلى الله عليه وسلم : ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان ؟ فقال : عثمان رجل حيي . يقال : فزعت لمجيء فلان إذا تأهبت له متحولا من حال إلى حال كما ينتقل النائم من النوم إلى اليقظة ، ورواه بعضهم بالراء والغين المعجمة من الفراغ والاهتمام ، والأول الأكثر . وفزع وفزاع وفزيع : أسماء . وبنو فزع : حي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية