الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 221 ] باب العدة من الموت والطلاق وزوج غائب .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله " وإذا علمت المرأة يقين موت زوجها أو طلاقه ببينة أو أي علم اعتدت من يوم كانت فيه الوفاة والطلاق وإن لم تعتد حتى تمضي العدة لم يكن عليها غيرها ؛ لأنها مدة وقد مرت عليها وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعتد من يوم تكون الوفاة أو الطلاق " وهو قول عطاء وابن المسيب والزهري " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا غاب الزوج عن امرأته ثم طلق ، أو مات في غيبته فعدتها إذا علمت بطلاقها أو موته من حين الطلاق أو الموت لا من وقت العلم بذلك ، وسواء علمت ذلك ببينة أو خبر . وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء ، وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن أول عدتها من وقت علمها بطلاقه أو موته ، ولا تعتد بما مضى سواء علمت ببينة أو خبر . وبه قال داود . وقال عمر بن عبد العزيز : إن علمت ذلك ببينة اعتدت بما مضى ، وإن علمته بخبر اعتدت من وقتها استدلالا بقول الله سبحانه والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] والتربص فعل منها مقصود فخرج ما تقدم منه ، وبما روي أن فريعة بنت مالك قتل زوجها في سفر بالقدوم فلما علمت بقتله أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال لها : امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشرا فأمرها باستئناف العدة لوقتها ولم يعتبر بها ما مضى ؛ ولأنها مأمورة في العدة بالإحداد ، واجتناب الطيب وأن لا تخرج عن مسكنها ، وهي قبل علمها غير قاصدة لأحكام العدة ؛ فلذلك لم تكن في عدة . ودليلنا قول الله : فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] أي في الوقت الذي تعتدن فيه فدل على اتصال العدة بالطلاق ؛ ولأنها لو وضعت حملها انقضت به عدتها ، وإن [ ص: 222 ] لم تعلم بطلاقها كذلك إذا أمضت أقراءها وشهورها ؛ ولأنه لا يخلو حالها قبل علمها بطلاقها من أن تكون زوجة أو مطلقة فبطل أن تكون زوجة ؛ لأنه لو مات لم ترثه فثبت أنها مطلقة ، والمطلقة لا يخلو أن يجري عليها حكم العدة أو لا يجري عليها فبطل أن لا يجري عليها ؛ لأنها لو تزوجت غيره بطل نكاحها ، وإذا جرى عليها حكم العدة وجب أن تجريها عليها كالعالمة ؛ ولأن العدة هي التربص بنفسها عن الأزواج في المدة المقدرة لها وذلك موجود وإن لم تعلم فلم يكن فقد العلم مؤثرا كالصغيرة والمجنونة : لأن النية فيها غير معتبرة ؛ ولأنها لو علمت فنوت أنها غير معتدة وتركت الإحداد ، واستعملت الطيب وخرجت من منزلها ، ولم تتزوج حتى مضت مدة العدة أجزأتها ، وإن كانت عاصية فيما فعلت واعتقدت ، والتي لم تعلم غير عاصية فكان بأن يجزئها أولى . فأما الجواب عن الآية فهو وجود التربص المأمور به فيها مع العلم والجهل فاقتضى إجزاءه في الحالين . وأما الجواب عن حديث فريعة فهو أن أمرها بالمكث يحتمل الابتداء ، ويحتمل الاستدامة ، فلم يكن فيه مع الاحتمال دليل . وأما الجواب عن استدلالهم فإنها غير قاصدة للعدة فهو أن القصد غير معتبر بما ذكرنا والإحداد ليس بشرط فيها - على ما وصفنا وليس للجهل بحالها تأثير إلا في العقد الذي لا يعتبر وترك الإحداد الذي لا يشترط فصح الإجزاء والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية