الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم أخذ الناظم يبين لمن أراد الزواج من يتزوج ويحذره من الاغترار [ ص: 406 ] بالجمال وعدم اعتبار الأصل ، ويعلمه أن الأولى له أن يختار لنطفته . وبدأ بالتنفير عن حسناء الذات قبيحة الصفات فقال :

مطلب : يختار الرجل زوجة ذات أصل : وإياك يا هذا وروضة دمنة سترجع عن قرب إلى أصلها الردي ( وإياك يا هذا ) أي المستمع لنظامي ، المحتفل بكلامي ، المستشير مني ، والطالب للنصيحة من جهتي ، والناقل لها عني ( وروضة دمنة ) أي احذرها ولا تقربها ولا ترغب فيها ، بل ارغب عنها . والروضة هي المكان الذي فيه نبات مجتمع .

قال أبو عبيد : ولا يكون إلا في ارتفاع ، وقال غيره : ولا بد فيها من ماء . قاله في المطالع . وفي القاموس : الروضة والريضة بالكسر من الرمل والعشب مستنقع الماء فيها . والدمنة آثار الدار والموضع القريب منها والجمع دمن .

وفي حديث رواه الدارقطني في الأفراد والعسكري في الأمثال { إياكم وخضراء الدمن ، قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال المرأة الجميلة من المنبت السوء } وقال الدارقطني : لا يصح من وجه . ومعنى كلام الناظم التحذير من البنت الجميلة إذا كانت من بيت متصفين بغير العفاف ، فإن الفروع تتبع الأصول غالبا .

ولذا قال ( سترجع ) تلك البنت وإن كانت جميلة ومتصفة بالعفة ( عن قرب ) ولو تسترت بالعفاف ( إلى أصلها ) ومنبتها ( الردي ) غالبا . ولهذا قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر : ينبغي للعاقل أن ينظر إلى الأصول فيمن يخالطه ويعاشره ويشاركه ويصادقه ويزوجه أو يتزوج إليه ، ثم ينظر بعد ذلك في الصور ، فإن صلاحها دليل على صلاح الباطن .

قال : أما الأصول فإن الشيء يرجع إلى أصله . وبعيد ممن لا أصل له أن يكون فيه معنى مستحسن ، فإن المرأة الحسناء إذا كانت من بيت رديء فقل أن تكون أمينة . وكذلك أيضا المخالط والصديق والمباضع والمعاشر فإياك أن تخالط إلا من له أصل يخاف عليه الدنس ، فالغالب السلامة ، وإن وقع خلاف ذلك كان نادرا .

وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل : أشر علي فيمن أستعمل ؟ فقال : أما [ ص: 407 ] أرباب الدين فلا يريدونك ، وأما أرباب الدنيا فلا تريدهم ، ولكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم عما لا يصلح .

ثم روى عن أبي إسحاق قال : دعاني المعتصم يوما فأدخلني معه الحمام ، ثم خرج فخلا بي وقال : يا أبا إسحاق في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه ، إن أخي المأمون اصطنع فأنجبوا واصطنعت أنا مثلهم فلم ينجبوا . قلت ومن هم ؟ قال اصطنع طاهرا وابنه ، وإسحاق وآل سهل ، فقد رأيت كيف هم ، واصطنعت أنا الأفشين فقد رأيت إلى مآل أمره وأساسه فلم أجده شيئا وكذلك أنباح ووصيف . قلت يا أمير المؤمنين هاهنا جواب علي أمان من الغضب ، قال لك ذلك قلت نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت فروعها ، واستعملت فروعا لا أصول لها فلم تنجب . فقال يا أبا إسحاق مقاساة ما مر بي طول هذه المدة أهون علي من هذا الجواب . انتهى .

وفي خبر { انظر في أي شيء تضع ولدك فإن العرق دساس } .

وقيل إن جعفر بن سليمان بن علي عاب يوما على أولاده وأنهم ليسوا كما يجب ، فقال له ولده ( أحمد بن جعفر ) إنك عمدت إلى فاسقي مكة والمدينة وإماء الحجاز فأوعيت فيهن بضعك ، ثم تريد أن ينجبوا ، وإنما تحن لصاحبات الحجاز ، هلا فعلت في ولدك ما فعل أبوك فيك حين اختار لك عقيلة قومها .

وقال بعضهم في وصف التي ينبغي أن ينافس فيها شعرا :

    صفات من يستحب الشرع خطبتها
جلوتها لأولي الأبصار مختصرا     حسيبة ذات دين زانها أدب
ولو تكون حوت في حسنها القمرا     غريبة لم تكن من أهل خاطبها
هذي الصفات التي أجلو لمن نظرا     بها أحاديث جاءت وهي ثابتة
أحاط علما بها من في العلوم قرا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية