الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فقر ]

                                                          فقر : الفقر والفقر : ضد الغنى ، مثل الضعف والضعف . الليث : والفقر لغة رديئة ; ابن سيده : وقدر ذلك أن يكون له ما يكفي عياله ، ورجل فقير من المال ، وقد فقر ، فهو فقير ، والجمع فقراء ، والأنثى فقيرة من نسوة فقائر ، وحكى اللحياني : نسوة فقراء ، قال ابن سيده : ولا أدري كيف هذا ، قال : وعندي أن قائل هذا من العرب لم يعتد بهاء التأنيث فكأنه إنما جمع فقيرا ، قال : ونظيره نسوة فقهاء . ابن السكيت : الفقير الذي له بلغة من العيش ; قال الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو إليه سعاته :


                                                          أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد



                                                          قال : والمسكين الذي لا شيء له . وقال يونس : الفقير أحسن حالا من المسكين . قال : وقلت لأعرابي مرة : أفقير أنت ؟ فقال : لا والله بل مسكين فالمسكين أسوأ حالا من الفقير . وقال ابن الأعرابي : الفقير الذي لا شيء له ، قال : والمسكين مثله . والفقر : الحاجة ، وفعله الافتقار ، والنعت فقير . وفي التنزيل العزيز : إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ ص: 206 ] سئل أبو العباس عن تفسير الفقير والمسكين فقال : قال أبو عمرو بن العلاء فيما يروي عنه يونس : الفقير الذي له ما يأكل ، والمسكين الذي لا شيء له ; وروى ابن سلام عن يونس قال : الفقير يكون له بعض ما يقيمه ، والمسكين الذي لا شيء له ; ويروى عن خالد بن يزيد أنه قال : كأن الفقير إنما سمي فقيرا لزمانة تصيبه مع حاجة شديدة تمنعه الزمانة من التقلب في الكسب على نفسه فهذا هو الفقير . الأصمعي : المسكين أحسن حالا من الفقير ، قال : وكذلك قال أحمد بن عبيد ، قال أبو بكر : وهو الصحيح عندنا لأن الله تعالى سمى من له الفلك مسكينا فقال : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وهي تساوي جملة ، قال : والذي احتج به يونس من أنه قال لأعرابي أفقير أنت ؟ فقال : لا والله بل مسكين ، يجوز أن يكون أراد لا والله بل أنا أحسن حالا من الفقير ، والبيت الذي احتج به ليس فيه حجة ; لأن المعنى كانت لهذا الفقير حلوبة فيما تقدم وليست له في هذه الحالة حلوبة ، وقيل : الفقير الذي لا شيء له ، والمسكين الذي له بعض ما يكفيه ، وإليه ذهب الشافعي ، رضي الله عنه ، وقيل فيهما بالعكس ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، رحمه الله ، قال : والفقير مبني على فقر قياسا ولم يقل فيه إلا افتقر يفتقر فهو فقير . وفي الحديث : عاد البراء بن مالك ، رضي الله عنه ، في فقارة من أصحابه أي في فقر . وقال الفراء في قوله عز وجل : إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال الفراء : هم أهل صفة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كانوا لا عشائر لهم فكانوا يلتمسون الفضل في النهار ويأوون إلى المسجد ، قال : والمساكين الطوافون على الأبواب . وروي عن الشافعي ، رضي الله عنه ، أنه قال : الفقراء الزمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم ، وأهل الحرفة الضعيفة التي لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعا ، والمساكين : السؤال ممن له حرفة تقع موقعا ولا تغنيه وعياله ، قال الأزهري : الفقير أشد حالا عند الشافعي ، رحمه الله تعالى . قال ابن عرفة : الفقير ، عند العرب المحتاج . قال الله تعالى : أنتم الفقراء إلى الله أي المحتاجون إليه ، فأما المسكين فالذي قد أذله الفقر ، فإذا كان هذا إنما مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة وكان فقيرا مسكينا ، وإذا كان مسكينا قد أذله سوى الفقر فالصدقة لا تحل له ، إذ كان شائعا في اللغة أن يقال : ضرب فلان المسكين وظلم المسكين ، وهو من أهل الثروة واليسار ، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة ، فمن لم تكن مسكنته من جهة الفقر فالصدقة عليه حرام . قال عبد الله محمد بن المكرم ، عفا الله عنه : عدل هذه الملة الشريفة وإنصافها وكرمها وإلطافها إذا حرمت صدقة المال على مسكين الذلة أباحت له صدقة القدرة ، فانتقلت الصدقة عليه من مال ذي الغنى إلى نصرة ذي الجاه فالدين يفرض للمسكين الفقير مالا على ذوي الغنى ، وهو زكاة المال ، والمروءة تفرض للمسكين الذليل على ذوي القدرة نصرة ، وهو زكاة الجاه ليتساوى من جمعته أخوة الإيمان فيما جعله الله تعالى للأغنياء من تمكين وإمكان ، والله سبحانه هو ذو الغنى والقدرة والمجازي على الصدقة على مسكين الفقر والنصرة لمسكين الذلة ، وإليه الرغبة في الصدقة على مسكينينا بالنصرة والغنى ونيل المنى ، إنه غني حميد . وقال سيبويه : وقالوا افتقر كما قالوا اشتد ولم يقولوا فقر كما لم يقولوا شدد ، ولا يستعمل بغير زيادة . وأفقره الله من الفقر فافتقر . والمفاقر : وجوه الفقر ، لا واحد لها . وشكا إليه فقوره أي حاجته . وأخبره فقوره أي أحواله . وأغنى الله مفاقره أي وجوه فقره . ويقال : سد الله مفاقره أي أغناه وسد وجوه فقره ، وفي حديث معاوية أنه ; أنشد :


                                                          لمال المرء يصلحه فيغني     مفاقره أعف من القنوع



                                                          المفاقر : جمع فقر على غير قياس كالمشابه والملامح ، ويجوز أن يكون جمع مفقر مصدر أفقره أو جمع مفقر . وقولهم : فلان ما أفقره وما أغناه ، شاذ لأنه يقال في فعليهما افتقر واستغنى ، فلا يصح التعجب منه . والفقرة والفقرة والفقارة ، بالفتح : واحدة فقار الظهر ، وهو ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب ، والجمع فقر وفقار ، وقيل في الجمع : فقرات وفقرات وفقرات . قال ابن الأعرابي : أقل فقر البعير ثماني عشرة وأكثرها إحدى وعشرون إلى ثلاث وعشرين ، وفقار الإنسان سبع . ورجل مفقور وفقير : مكسور الفقار ; قال لبيد يصف لبدا وهو السابع من نسور لقمان بن عاد :


                                                          لما رأى لبد النسور تطايرت     رفع القوادم كالفقير الأعزل



                                                          والأعزل من الخيل : المائل الذنب . وقال : الفقير المكسور الفقار ; يضرب مثلا لكل ضعيف لا ينفذ في الأمور . التهذيب : الفقير معناه المفقور الذي نزعت فقره من ظهره ، فانقطع صلبه من شدة الفقر ، فلا حال هي أوكد من هذه . أبو الهيثم : للإنسان أربع وعشرون فقارة وأربع وعشرون ضلعا ، ست فقارات في العنق ، وست فقارات في الكاهل ، والكاهل بين الكتفين بين كل ضلعين من أضلاع الصدر فقارة من فقارات الكاهل الست ثم ست فقارات أسفل من فقارات الكاهل ، وهي فقارات الظهر التي بحذاء البطن ، بين كل ضلعين من أضلاع الجنبين فقارة منها ، ثم يقال لفقارة واحدة تفرق بين فقار الظهر والعجز : القطاة ، ويلي القطاة رأسا الوركين ، ويقال لهما : الغرابان بعدهما تمام فقار العجز ، وهي ست فقارات آخرها القحقح والذنب متصل بها ، وعن يمينها ويسارها الجاعرتان ، وهما رأسا الوركين اللذان يليان آخر فقارة من فقارات العجز ، قال : والفهقة فقارة في أصل العنق داخلة في كوة الدماغ التي إذا فصلت أدخل الرجل يده في مغرزها فيخرج الدماغ . وفي حديث زيد بن ثابت : ما بين عجب الذنب إلى فقرة القفا ثنتان وثلاثون فقرة في كل فقرة أحد وثلاثون دينارا ; يعني خرز الظهر . ورجل فقر : يشتكي فقاره ; قال طرفة :


                                                          وإذا تلسنني ألسنها     إنني لست بموهون فقر



                                                          وأجود بيت في القصيدة يسمى فقرة ، تشبيها بفقرة الظهر . والفاقرة : الداهية الكاسرة للفقار . يقال : عمل به الفاقرة أي الداهية . قال أبو إسحاق في قوله تعالى : تظن أن يفعل بها فاقرة المعنى توقن أن يفعل بها داهية من العذاب ، ونحو ذلك ; قال الفراء : قال وقد جاءت أسماء القيامة والعذاب بمعنى الدواهي وأسمائها ; وقال الليث : [ ص: 207 ] الفاقرة داهية تكسر الظهر . والفاقرة : الداهية وهو الوسم الذي يفقر الأنف . ويقال : فقرته الفاقرة أي كسرت فقار ظهره . ويقال أصابته فاقرة وهي التي فقرت فقاره أي خرز ظهره . وأفقرك الصيد : أمكنك من فقاره أي فارمه ، وقيل : معناه قد قرب منك . وفي حديث الوليد بن يزيد بن عبد الملك : أفقر بعد مسلمة الصيد لمن رمى أي أمكن الصيد من فقاره لراميه ; أراد أن عمه مسلمة كان كثير الغزو يحمي بيضة الإسلام ويتولى سداد الثغور ، فلما مات اختل ذلك وأمكن الإسلام لمن يتعرض إليه . يقال : أفقرك الصيد فارمه أي أمكنك من نفسه . وذكر أبو عبيدة وجوه العواري وقال : أما الإفقار فأن يعطي الرجل الرجل دابته فيركبها ما أحب في سفر ثم يردها عليه . ابن السكيت : أفقرت فلانا بعيرا إذا أعرته بعيرا يركب ظهره في سفر ثم يرده . وأفقرني ناقته أو بعيره : أعارني ظهره للحمل أو للركوب ، وهي الفقرى على مثال العمرى ; قال الشاعر :


                                                          له ربة قد أحرمت حل ظهره     فما فيه للفقرى ولا الحج مزعم



                                                          وأفقرت فلانا ناقتي أي أعرته فقارها . وفي الحديث : ما يمنع أحدكم أن يفقر البعير من إبله أي يعيره للركوب . يقال : أفقر البعير يفقره إفقارا إذا أعاره ، مأخوذ من ركوب فقار الظهر ، وهو خرزاته ، الواحدة فقارة . وفي حديث الزكاة : ومن حقها إفقار ظهرها . وفي حديث جابر : أنه اشترى منه بعيرا وأفقره ظهره إلى المدينة . وفي حديث عبد الله : سئل عن رجل استقرض من رجل دراهم ثم إنه أفقر المقرض دابته ، فقال : ما أصاب من ظهر دابته فهو ربا . وفي حديث المزارعة : أفقرها أخاك أي أعره أرضك للزراعة ، استعاره للأرض من الظهر . وأفقر ظهر المهر : حان أن يركب . ومهر مفقر : قوي الظهر ، وكذلك الرجل . ابن شميل : إنه لمفقر لذلك الأمر أي مقرن له ضابط ; مفقر لهذا العزم وهذا القرن ومؤد سواء . والمفقر من السيوف : الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه ; يقال منه : سيف مفقر . وكل شيء حز أو أثر فيه ، فقد فقر . وفي الحديث : كان اسم سيف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ذا الفقار ; شبهوا تلك الحزوز بالفقار . قال أبو العباس : سمي سيف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ذا الفقار لأنه كانت فيه حفر صغار حسان ، ويقال للحفرة فقرة ، وجمعها فقر ; واستعاره بعض الشعراء للرمح فقال :


                                                          فما ذو فقار لا ضلوع لجوفه     له آخر من غيره ومقدم



                                                          عنى بالآخر والمقدم الزج والسنان ، وقال : من غيره لأنهما من حديد ، والعصا ليست بحديد . والفقر : الجانب ، والجمع فقر ، نادر ; عن كراع ، وقد قيل : إن قولهم أفقرك الصيد أمكنك من جانبه . وفقر الأرض وفقرها : حفرها . والفقرة : الحفرة وركية فقيرة مفقورة . والفقير : البئر التي تغرس فيها الفسيلة ثم يكبس حولها بترنوق المسيل ، وهو الطين ، وبالدمن وهو البعر ، والجمع فقر ، وقد فقر لها تفقيرا . الأصمعي : الودية إذا غرست حفر لها بئر فغرست ثم كبس حولها بترنوق المسيل والدمن ، فتلك البئر هي الفقير . الجوهري : الفقير حفير يحفر حول الفسيلة إذا غرست . وفقير النخلة : حفيرة تحفر للفسيلة إذا حولت لتغرس فيها . وفي الحديث : قال لسلمان : اذهب ففقر الفسيل أي احفر لها موضعا تغرس فيه واسم تلك الحفرة فقرة وفقير . والفقير : الآبار المجتمعة الثلاث فما زادت ، وقيل : هي آبار تحفر وينفذ بعضها إلى بعض ، وجمعه فقر . والبئر العتيقة : فقير ، وجمعها فقر . وفي حديث عبد الله بن أنيس ، رضي الله عنه : ثم جمعنا المفاتيح فتركناها في فقير من فقر خيبر أي بئر من آبارها . وفي حديث عثمان ، رضي الله عنه : أنه كان يشرب وهو محصور من فقير في داره أي بئر وهي القليلة الماء . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : وذكر امرأ القيس فقال : افتقر عن معان عور أصح بصر أي فتح عن معان غامضة . وفي حديث القدر : قبلنا ناس يتفقرون العلم ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية ، بتقديم الفاء على القاف ، قال والمشهور بالعكس ; قال : وقال بعض المتأخرين هي عندي أصح الروايات وأليقها بالمعنى ; يعني أنهم يستخرجون غامضه ويفتحون مغلقه ، وأصله من فقرت البئر إذا حفرتها لاستخراج مائها ، فلما كان القدرية بهذه الصفة من البحث والتتبع لاستخراج المعاني الغامضة بدقائق التأويلات وصفهم بذلك . والفقير : ركية بعينها معروفة ; قال :


                                                          ما ليلة الفقير إلا شيطان     مجنونة تودي بروح الإنسان



                                                          لأن السير إليها متعب ، والعرب تقول للشيء إذا استصعبوه : شيطان . والفقير : فم القناة التي تجري تحت الأرض ، والجمع كالجمع ، وقيل : الفقير مخرج الماء من القناة . وفي حديث محيصة : أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في عين أو فقير ; الفقير : فم القناة . والفقر : أن يحز أنف البعير . وفقر أنف البعير يفقره ويفقره فقرا ، فهو مفقور وفقير إذا حزه بحديدة حتى يخلص إلى العظم أو قريب منه ثم لوى عليه جريرا ليذلل الصعب بذلك ويروضه . وفي حديث سعد ، رضي الله عنه : فأشار إلى فقر في أنفه أي شق وحز كان في أنفه ; ومنه قولهم : قد عمل بهم الفاقرة . أبو زيد : الفقر إنما يكون للبعير الضعيف ، قال : وهي ثلاث فقر . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : ثلاث من الفواقر أي الدواهي ، واحدتها فاقرة ، كأنها تحطم فقار الظهر كما يقال قاصمة الظهر . والفقار : ما وقع على أنف البعير الفقير من الجرير ; قال :


                                                          يتوق إلى النجاء بفضل غرب     وتقذعه الخشاشة والفقار



                                                          ابن الأعرابي : قال أبو زياد : تكون الحرقة في اللهزمة . أبو زياد : وقد يفقر الصعب من الإبل ثلاثة أفقر في خطمه ، فإذا أراد صاحبه أن يذله ويمنعه من مرحه جعل الجرير على فقره الذي يلي مشفره فملكه كيف شاء ، وإن كان بين الصعب والذلول جعل الجرير على فقره الأوسط فتزيد في مشيته واتسع ، فإذا أراد أن ينبسط ويذهب بلا مئونة على صاحبه جعل الجرير على فقره الأعلى فذهب كيف شاء ، قال : فإذا حز الأنف حزا فذلك الفقر وبعير مفقور . وروى مجالد عن عامر في قوله تعالى : والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا قال الشعبي : فقرات ابن آدم ثلاث : يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، هي التي ذكر عيسى ، عليه السلام ، قال : وقال أبو [ ص: 208 ] الهيثم الفقرات هي الأمور العظام جمع فقرة ، بالضم ، كما قيل في قتل عثمان ، رضي الله عنه ، : استحلوا الفقر الثلاث : حرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام وحرمة الخلافة ; قال الأزهري : وروى القتيبي قول عائشة ، رضي الله عنها ، في عثمان : المركوب منه الفقر الأربع ، بكسر الفاء ، وقال : الفقر خرزات الظهر ، الواحدة فقرة ; قال : وضربت فقر الظهر مثلا لما ارتكب منه لأنها موضع الركوب ، وأرادت أنه ركب منه أربع حرم عظام تجب له بها الحقوق فلم يرعوها وانتهكوها ، وهي حرمته بصحبة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وصهره وحرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام . قال الأزهري : والروايات الصحيحة الفقر الثلاث ، بضم الفاء ، على ما فسره ابن الأعرابي وأبو الهيثم ، وهو الأمر الشنيع العظيم ، ويؤيد قولهما ما قاله الشعبي في تفسير الآية وقوله : فقرات ابن آدم ثلاث . وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : البعير يقرم أنفه ، وتلك القرمة يقال لها الفقرة ، فإن لم يسكن قرم أخرى ثم ثالثة ; قال : ومنه قول عائشة في عثمان ، رضي الله عنهما : بلغتم منه الفقر الثلاث ، وفي رواية : استعتبتموه ثم عدوتم عليه الفقر الثلاث . قال أبو زيد : وهذا مثل ، تقول : فعلتم به كفعلكم بهذا البعير الذي لم تبقوا فيه غاية ; أبو عبيد : الفقير له ثلاثة مواضع ، يقال : نزلنا ناحية فقير بني فلان ، يكون الماء فيه هاهنا ركيتان لقوم فهم عليه ، وهاهنا ثلاث وهاهنا أكثر فيقال : فقير بني فلان أي حصتهم منها كقوله :


                                                          توزعنا فقير مياه أقر     لكل بني أب فيها فقير
                                                          فحصة بعضنا خمس وست     وحصة بعضنا منهن بير



                                                          والثاني أفواه سقف القني ; وأنشد :


                                                          فوردت والليل لما ينجل     فقير أفواه ركيات القني



                                                          وقال الليث : يقولون في النضال : أراميك من أدنى فقرة ومن أبعد فقرة أي من أبعد معلم يتعلمونه من حفيرة أو هدف أو نحوه . قال : والفقرة حفرة في الأرض . وأرض متفقرة : فيها فقر كثيرة . ابن سيده : والفقرة العلم من جبل أو هدف أو نحوه . ابن المظفر في هذا الباب : التفقير في رجل الدواب بياض مخالط للأسؤق إلى الركب ، شاة مفقرة وفرس مفقر ، قال الأزهري : هذا عندي تصحيف والصواب بهذا المعنى التقفيز ، بالزاي والقاف قبل الفاء ، وسيأتي ذكره . وفقر الخرز : ثقبه للنظم ; قال :


                                                          غرائر في كن وصون ونعمة     يحلين ياقوتا وشذرا مفقرا



                                                          قال الأزهري : وهو مأخوذ من الفقار . وفقرة القميص : مدخل الرأس منه . وأفقرك الرمي : أكثبك . وهو منك فقرة أي قريب ; قال ابن مقبل :


                                                          راميت شيبي كلانا موضع حججا     ستين ثم ارتمينا أقرب الفقر



                                                          والفقرة : نبت ، وجمعها فقر ; حكاها سيبويه ، قال : ولا يكسر لقلة فعلة في كلامهم والتفسير لثعلب ولم يحك الفقرة إلا سيبويه ثم ثعلب . ابن الأعرابي : فقور النفس وشقورها همها ، وواحد الفقور فقر . وفي حديث الإيلاء على فقير من خشب ، فسره في الحديث بأنه جذع يرقى عليه إلى غرفة أي جعل فيه كالدرج يصعد عليها وينزل ، قال ابن الأثير : والمعروف نقير ، بالنون أي منقور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية