الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فكك ]

                                                          فكك : الليث : يقال فككت الشيء فانفك بمنزلة الكتاب المختوم تفك خاتمه كما تفك الحنكين تفصل بينهما . وفككت الشيء : خلصته . وكل مشتبكين فصلتهما فقد فككتهما ، وكذلك التفكيك . ابن سيده : فك الشيء يفكه فكا فانفك فصله . وفك الرهن يفكه فكا وافتكه : بمعنى خلصه . وفكاك الرهن وفكاكه ، بالكسر : ما فك به . الأصمعي : الفك أن تفك الخلخال والرقبة . وفك يده فكا إذا أزال المفصل ، يقال : أصابه فكك ; قال رؤبة :


                                                          هاجك من أروى كمنهاض الفكك



                                                          وفك الرقبة : تخليصها من إسار الرق . وفك الرهن وفكاكه وفكاكه : تخليصه من غلق الرهن . ويقال : هلم فكاك فكاك رهنك . وكل شيء أطلقته فقد فككته . وفلان يسعى في فكاك رقبته ، وانفكت رقبته من الرق ، وفك الرقبة يفكها فكا : أعتقها ، وهو من ذلك لأنها فصلت من الرق . وفي الحديث : أعتق النسمة وفك الرقبة ، تفسيره في الحديث : أن عتق النسمة أن ينفرد بعتقها ، وفك الرقبة : أن يعين في عتقها وأصل الفك الفصل بين الشيئين وتخليص بعضهما من بعض . وفك الأسير فكا وفكاكة : فصله من الأسر . والفكاك والفكاك : ما فك به . وفي الحديث : عودوا المريض وفكوا العاني أي أطلقوا الأسير ، ويجوز أن يريد به العتق . وفككت يده فكا ، وفك يده : فتحها عما فيها . والفك في اليد : دون الكسر . وسقط فلان فانفكت قدمه أو إصبعه إذا انفرجت وزالت . والفكك : انفساخ القدم ; وأنشد قول رؤبة : كمنهاض الفكك ; قال الأصمعي : إنما هو الفك من قولك فكه يفكه فكا ، فأظهر التضعيف ضرورة . وفي الحديث : أنه ركب فرسا فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه ; الانفكاك : ضرب من الوهن والخلع ، وهو أن ينفك بعض أجزائها عن بعض . والفكك ; وفي المحكم : والفك انفراج المنكب عن مفصله استرخاء وضعفا ; وأنشد الليث :


                                                          أبد يمشي مشية الأفك



                                                          ويقال : في فلان فكة أي استرخاء في رأيه ; قال أبو قيس بن الأسلت :


                                                          الحزم والقوة خير من ال     إشفاق والفكة والهاع



                                                          ورجل أفك المنكب وفيه فكة أي استرخاء وضعف في رأيه . والأفك : الذي انفرج منكبه عن مفصله ضعفا واسترخاء تقول منه : ما كنت أفك ولقد فككت تفك فككا . والفكة أيضا : الحمق مع استرخاء . ورجل فاك : أحمق بالغ الحمق ويتبع فيقال : فاك تاك ، والجمع فككة وفكاك ; عن ابن الأعرابي . وقد فككت وفككت وقد حمقت وفككت ، وبعضهم يقول فككت ، ويقال : ما كنت فاكا ولقد فككت ، بالكسر ، تفك فكة . وفلان يتفكك إذا لم يكن به تماسك من حمق . وقال النضر : الفاك المعيي هزالا . ناقة فاكة وجمل فاك ، والفاك : الهرم من الإبل والناس ، فك يفك فكا وفكوكا . وشيخ فاك إذا انفرج لحياه من الهرم . ويقال للشيخ الكبير : قد فك وفرج ; يريد فرج لحييه ، وذلك في الكبر إذا هرم . وفككت الصبي : جعلت الدواء في فيه . وحكى يعقوب : شيخ فاك وتاك ، جعله بدلا ولم يجعله إتباعا ; قال : وقال الحصيني : أحمق فاك وهاك ، وهو الذي يتكلم بما يدري وما لا يدري ، وخطؤه أكثر من صوابه ، وهو فكاك هكاك . والفك : اللحي . والفكان : اللحيان ، وقيل : مجتمع اللحيين عند الصدغ من أعلى وأسفل يكون من الإنسان والدابة . قال أكثم بن صيفي : مقتل الرجل بين فكيه ; يعني لسانه . وفي التهذيب : الفكان ملتقى الشدقين من الجانبين . والفك : مجتمع الخطم . والأفك : هو مجمع الخطم ، وهو مجمع الفكين على تقدير أفعل . وفي النوادر : أفك الظبي من الحبالة إذا وقع فيها ثم انفلت . ومثله : أفسح الظبي من الحبالة . والفكك : انكسار الفك أو زواله . ورجل أفك : مكسور الفك ، وانكسر أحد فكيه أي لحييه ; وأنشد :


                                                          كأن بين فكها والفك     فأرة مسك ذبحت في سك



                                                          والفكة : نجوم مستديرة بحيال بنات نعش خلف السماك الرامح تسميها الصبيان قصعة المساكين ، وسميت قصعة المساكين لأن في جانبها ثلمة ، وكذلك تلك الكواكب المجتمعة في جانب منها فضاء . ويقال : ناقة متفككة إذا أقربت فاسترخى صلواها وعظم ضرعها ودنا نتاجها ، شبهت بالشيء يفك فيتفكك أي يتزايل وينفرج ، وكذلك ناقة مفكة قد أفكت ، وناقة مفكهة ومفكه بمعناها ، قال : وذهب بعضهم بتفكك الناقة إلى شدة ضبعتها ; وروى الأصمعي :


                                                          أرغثتهم ضرعها الدن     يا وقامت تتفكك


                                                          انفشاح الناب للسق     ب متى ما يدن تحشك



                                                          أبو عبيد : المتفككة من الخيل الوديق التي لا تمتنع عن الفحل . وما انفك فلان قائما أي ما زال قائما . وقوله عز وجل : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة قال الزجاج : المشركين في موضع نسق على أهل الكتاب ، المعنى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين ، وقوله : منفكين حتى تأتيهم البينة أي لم يكونوا منفكين من كفرهم أي منتهين عن كفرهم ، وهو قول مجاهد ، وقال الأخفش : منفكين زائلين عن كفرهم ، وقال مجاهد : لم يكونوا ليؤمنوا حتى تبين لهم الحق ، وقال أبو عبد الله نفطويه : معنى قوله : ( منفكين ) يقول لم يكونوا مفارقين الدنيا حتى أتتهم البينة التي أبينت لهم في التوراة من صفة محمد ، صلى الله عليه وسلم ، ونبوته ; وتأتيهم لفظه لفظ المضارع ومعناه الماضي ، وأكد ذلك فقال تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ومعناه أن فرق أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا مقرين [ ص: 212 ] قبل مبعث محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أنه مبعوث ، وكانوا مجتمعين على ذلك ، فلما بعث تفرقوا فرقتين كل فرقة تنكره ، وقيل : معنى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم أنه لم يكن بينهم اختلاف في أمره ، فلما بعث آمن به بعضهم وجحد الباقون وحرفوا وبدلوا ما في كتابهم من صفته ونبوته ; قال الفراء : قد يكون الانفكاك على جهة يزال ، ويكون على الانفكاك الذي نعرفه ، فإذا كان على جهة يزال فلا بد لها من فعل وأن يكون معناها جحدا ، فتقول ما انفككت أذكرك ، تريد ما زلت أذكرك ، وإذا كانت على غير جهة يزال قلت قد انفككت منك ، وانفك الشيء من الشيء فتكون بلا جحد وبلا فعل ; قال ذو الرمة :


                                                          قلائص لا تنفك إلا مناخة     على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا



                                                          فلم يدخل فيها إلا : إلا ، وهو ينوي به التمام ، وخلاف يزال لأنك لا تقول ما زلت إلا قائما . وأنشد الجوهري هذا البيت حراجيج ما تنفك ; وقال : يريد ما تنفك مناخة فزاد إلا ، قال ابن بري : الصواب أن يكون خبر تنفك قوله على الخسف ، وتكون إلا مناخة نصبا على الحال ، تقديره ما تنفك على الخسف والإهانة إلا في حال الإناخة فإنها تستريح ; قال الأزهري : وقول الله تعالى : ( منفكين ) ليس من باب ما انفك وما زال ، إنما هو من انفكاك الشيء من الشيء إذا انفصل عنه وفارقه ، كما فسره ابن عرفة ، والله أعلم . وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال : فك فلان أي خلص وأريح من الشيء ، ومنه قوله تعالى : ( منفكين ) قال : معناه لم يكونوا مستريحين حتى جاءهم البيان مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية