الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأما إن أراد البسيطة عن ذلك التركيب وإن كانت مركبة من [ ص: 96 ] أجزاء متشابهة فنذكر الجواب الثاني:

فيقال: هب أن كل جزء من تلك الأجزاء يصح أن يكون ممسوس يمينه وممسوس يساره وبالعكس؛ لكن لم قلت: إن كل واحد من تلك الأجزاء يصح أن يماس بيمينه ويساره ما يصح أن يماسه الجزء الآخر بيمينه ويساره، وذلك لأن تلك الأجزاء إذا كانت مختلفة في الحقيقة مع تساويها في المقدار لم تكن مستوية في الحقيقة والصفة فلا يجب أن يكون حكم كل واحد منها حكم الآخر، وإن كان حكم جانب كل واحد حكم الجانب الآخر لاسيما والذي يجب أن ينتهي إليه تحليل المركب من أجزاء مختلفة الحقائق، إنما هي المبرأة عن ذلك التركيب إلى أجزاء بسيطة، وإن كانت أجساما بسيطة لا يجب أن تنتهي إلى الجوهر الفرد، والأجزاء البسيطة تكون مختلفة الحقائق كما هو التقدير أنه مركب من أجزاء مختلفة الحقائق وقد تقدم أنه إذا سلم لك وجود الجوهر الفرد الذي ينتهي إليه تحليل التركيب لم يسلم لك أن الجواهر مستوية في الحقيقة.

وهذا أمر يشهد له الحس، فإن أجزاء الماء وإن تفرقت وتصاغرت ليست في الحقيقة مثل أجزاء التراب، ولا أجزاء الذهب وإن تصاغرت مثل أجزاء الفضة، وإن كانت هذه الأجزاء [ ص: 97 ] الصغار ليست هي الجواهر المنفردة بل تلك أصغر منها، فإما أن يستدل بما شهد في المحسوسات على ما لم يعلم منها وبقياس غائبها عن الإدراك على شاهدها فهذا من أوضح القياس وأثبته وهو قياس الأجزاء المتساوية في الحقيقة بعضها على بعض في حكم تلك الحقيقة، فإن تفاوتها بالصغر والكبر لا يوجب اختلاف حقيقتها وصفتها، وإما أن لا يقال إن ذلك الجزء الذي لا ينقسم لا يعلم حكمه.

أما أن يقال إن الأمور المختلفة في الحقيقة يجب أن تكون أجزاؤها المساوية لها في الحقيقة متماثلة في الحقيقة، فهذا مما يعلم ببديهة العقل بطلانه، وهذا المستدل قد فرض أجزاء مختلفة في الحقيقة. وقال: لا بد أن ينتهي تحليل تركيبها إلى أجزاء صغار لا تنقسم. فيقال: هب أن الأمر كذلك، إلا أن أجزاء الأجسام المختلفة في الحقيقة لا يقال: يجب أن تكون متماثلة؛ بل إذا قيل: يجب أن تكون مختلفة لأن بعض الجسم مساو لكله في الحقيقة كان هذا الكلام أصح وأولى بالقبول من أن يقال: يجب أن تكون أجزاء الأجسام المختلفة متماثلة في الحقيقة، ولهذا كان من قال: إن الأجسام متماثلة قال: إن الجواهر متماثلة. ومن قال: إنها مختلفة قال: إن الجواهر مختلفة. إما أن يقال: إن الجواهر متماثلة في الحقيقة ولكن [ ص: 98 ] مجرد ضم بعضها إلى بعض حتى زادت بعد الجمع منها: اختلفت في الحقيقة، أو يقال: إنها كانت متماثلة في الحقيقة فبتفريقها اختلفت في الحقيقة!!.

التالي السابق


الخدمات العلمية