الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فنن ]

                                                          فنن : الفن : واحد الفنون وهي الأنواع ، والفن : الحال . والفن : الضرب من الشيء ، والجمع أفنان وفنون ، وهو الأفنون . يقال : رعينا فنون النبات وأصبنا فنون الأموال ; وأنشد :


                                                          قد لبست الدهر من أفنانه كل فن ناعم منه حبر



                                                          والرجل يفنن الكلام أي يشتق في فن بعد فن ، والتفنن فعلك . ورجل مفن : يأتي بالعجائب ، وامرأة مفنة . ورجل معن مفن : ذو عنن واعتراض وذو فنون من الكلام ; وأنشد أبو زيد :

                                                          [ ص: 231 ]

                                                          إن لنا لكنه معنة مفنه



                                                          وافتن الرجل في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين ، وهو مثل اشتق ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فافتن بعد تمام الورد ناجية     مثل الهراوة ثنيا بكرها أبد



                                                          قال ابن بري : فسر الجوهري افتن في هذا البيت بقولهم افتن الرجل في حديثه وخطبته إذا جاء بالأفانين ، قال : وهو مثل اشتق ، يريد أن افتن في البيت مستعار من قولهم افتن الرجل في كلامه وخصومته إذا توسع وتصرف لأنه يقال افتن الحمار بأتنه واشتق بها إذا أخذ في طردها وسوقها يمينا وشمالا وعلى استقامة وعلى غير استقامة ; فهو يفتن في طردها أفانين الطرد ; قال : وفيه تفسير آخر وهو أن يكون افتن في البيت من فننت الإبل إذا طردتها ، فيكون مثل كسبته واكتسبته في كونهما بمعنى واحد ، وينتصب ناجية بأنه مفعول لافتن من غير إسقاط حرف جر ، لأن افتن الرجل في كلامه لا يتعدى إلا بحرف جر ; وقوله : ثنيا بكرها أبد أي ولدت بطنين ، ومعنى بكرها أبد أي ولدها الأول قد توحش معها . وافتن : أخذ في فنون من القول . والفنون : الأخلاط من الناس . وإن المجلس ليجمع فنونا من الناس أي ناسا ليسوا من قبيلة واحدة . وفنن الناس : جعلهم فنونا . والتفنين : التخليط ; يقال : ثوب فيه تفنين إذا كان فيه طرائق ليست من جنسه . والفنان في شعر الأعشى : الحمار ; قال : الوحشي الذي يأتي بفنون من العدو ; قال ابن بري وبيت الأعشى الذي أشار إليه هو قوله :


                                                          وإن يك تقريب من الشد غالها     بميعة فنان الأجاري مجذم



                                                          والأجاري : ضروب من جريه ، واحدها إجريا ، والفن : الطرد . وفن الإبل يفنها فنا إذا طردها ; قال الأعشى :


                                                          والبيض قد عنست وطال جراؤها     ونشأن في فن وفي أذواد



                                                          وفنه يفنه فنا إذا طرده . والفن : العناء . فننت الرجل أفنه فنا إذا عنيته وفنه يفنه فنا : عناه ; قال :


                                                          لأجعلن لابنة عمرو فنا     حتى يكون مهرها دهدنا



                                                          وقال الجوهري : فنا أي أمرا عجبا ، ويقال : عناء أي آخذ عليها بالعناء حتى تهب لي مهرها . والفن : المطل . والفن : الغبن ، والفعل كالفعل ، والمصدر كالمصدر . وامرأة مفنة : يكون من الغبن ويكون من الطرد والتغبية . وأفنون الشباب : أوله ، وكذلك أفنون السحاب . والفنن : الغصن المستقيم طولا وعرضا ; قال العجاج :


                                                          والفنن الشارق والغربي



                                                          والفنن : الغصن ، وقيل : الغصن القضيب ; يعني المقضوب ، والفنن : ما تشعب منه ، والجمع أفنان . قال سيبويه : لم يجاوزا به هذا البناء . والفنن : جمعه أفنان ، ثم الأفانين ; قال الشاعر يصف رحى :


                                                          لها زمام من أفانين الشجر



                                                          وأما قول الشاعر :


                                                          منا أن ذر قرن الشمس حتى     أغاث شريدهم فنن الظلام



                                                          فإنه استعار للظلمة أفنانا ، لأنها تستر الناس بأستارها وأوراقها كما تستر الغصون بأفنانها وأوراقها . وشجرة فنواء : طويلة الأفنان ، على غير قياس . وقال عكرمة في قوله تعالى : ذواتا أفنان قال : ظل الأغصان على الحيطان ; وقال أبو الهيثم : فسره بعضهم ذواتا أغصان ، وفسره بعضهم ذواتا ألوان ، واحدها حينئذ فن وفنن ، كما قالوا سن وسنن وعن وعنن . قال أبو منصور : واحد الأفنان إذا أردت بها الألوان فن ، وإذا أردت بها الأغصان فواحدها فنن . أبو عمرو : شجرة فنواء ذات أفنان . قال أبو عبيد : وكان ينبغي في التقدير فناء . ثعلب : شجرة فناء وفنواء ذات أفنان ، وأما قنواء ، بالقاف ، فهي الطويلة . قال أبو الهيثم : الفنون تكون في الأغصان ، والأغصان تكون في الشعب ، والشعب تكون في السوق ، وتسمى هذه الفروع ; يعني فروع الشجر الشذب ، والشذب العيدان التي تكون في الفنون . ويقال للجذع إذا قطع عند الشذب : جذع مشذب ; قال امرؤ القيس :


                                                          يرادا على مرقاة جذع مشذب



                                                          يرادا أي يدارا . يقال : راديته وداريته . والفنن : الفرع من الشجر ، والجمع كالجمع . وفي حديث سدرة المنتهى : يسير الراكب في ظل الفنن مائة سنة . وامرأة فنواء : كثيرة الشعر ، والقياس في كل ذلك فناء ، وشعر فينان ; قال سيبويه : معناه أن له فنونا كأفنان الشجر ، ولذلك صرف ، ورجل فينان وامرأة فينانة ; قال ابن سيده : وهذا هو القياس لأن المذكر فينان مصروف مشتق من أفنان الشجر . وحكى ابن الأعرابي : امرأة فينى كثيرة الشعر ، مقصور ، قال : فإن كان هذا كما حكاه فحكم فينان أن لا ينصرف ، قال : وأرى ذلك وهما من ابن الأعرابي . وفي الحديث : أهل الجنة مرد مكحلون أولو أفانين ; يريد أولو شعور وجمم . وأفانين : جمع أفنان ، وأفنان : جمع فنن وهو الخصلة من الشعر شبه بالغصن ; قال الشاعر :


                                                          ينفضن أفنان السبيب والعذر



                                                          يصف الخيل ونفضها خصل شعر نواصيها وأذنابها ; وقال المرار :


                                                          أعلاقة أم الوليد بعدما     أفنان رأسك كالثغام المخلس



                                                          يعني خصل جمة رأسه حين شاب . أبو زيد : الفينان الشعر الطويل الحسن . قال أبو منصور : فينان فيعال من الفنن والياء زائدة . التهذيب : وإن أخذت قولهم شعر فينان من الفنن وهو الغصن صرفته في حالي النكرة والمعرفة ، وإن أخذته من الفينة وهو الوقت من الزمان ألحقته بباب فعلان وفعلانة ، فصرفته في النكرة ولم تصرفه في المعرفة . وفي الحديث : جاءت امرأة تشكو زوجها فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : تريدين أن تزوجي ذا جمة فينانة على كل خصلة منها شيطان ; الشعر الفينان : الطويل الحسن ، والياء زائدة . ويقال : فنن فلان رأيه إذا لونه ولم يثبت على رأي واحد . والأفانين : الأساليب ، وهي أجناس الكلام وطرقه . ورجل متفنن أي ذو فنون . وتفنن : اضطرب كالفنن . وقال بعضهم : تفنن اضطرب ولم يشتقه من الفنن ، والأول أولى ; قال :

                                                          [ ص: 232 ]

                                                          لو أن عودا سمهريا من قنا     أو من جياد الأرزنات أرزنا
                                                          لاقى الذي لاقيته تفننا

                                                          والأفنون : الحية ، وقيل : العجوز ، وقيل : العجوز المسنة ، وقيل : الداهية ; وأنشد ابن بري لابن أحمر في الأفنون العجوز :


                                                          شيخ شآم وأفنون يمانية     من دونها الهول والموماة والعلل


                                                          وقال الأصمعي : الأفنون من التفنن ; قال ابن بري : وبيت ابن أحمر شاهد لقول الأصمعي ، وقول يعقوب إن الأفنون العجوز بعيد جدا ، لأن ابن أحمر قد ذكر قبل هذا البيت ما يشهد بأنها محبوبته ، وقد حال بينه وبينها القفر والعلل . والأفنون من الغصن : الملتف . والأفنون : الجري المختلط من جري الفرس والناقة . والأفنون : الكلام المثبج من كلام الهلباجة . وأفنون : اسم امرأة ، وهو أيضا اسم شاعر سمي بأحد هذه الأشياء . والمفننة من النساء : الكبيرة السيئة الخلق ; ورجل مفنن كذلك . والتفنين : فعل الثوب إذا بلي فتفزر بعضه من بعض ، وفي المحكم : التفنين تفرز الثوب إذا بلي من غير تشقق شديد ، وقيل : هو اختلاف عمله برقة في مكان وكثافة في آخر ; وبه فسر ابن الأعرابي قول أبان بن عثمان : مثل اللحن في الرجل السري ذي الهيئة كالتفنين في الثوب الجيد . وثوب مفنن : مختلف . ابن الأعرابي : التفنين البقعة السخيفة السمجة الرقيقة في الثوب الصفيق وهو عيب ، والسري الشريف النفيس من الناس . والعرب تقول كنت بحال كذا وكذا فنة من الدهر وفينة من الدهر وضربة من الدهر أي طرفا من الدهر . والفنين : ورم في الإبط ووجع ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          فلا تنكحي يا أسم ، إن كنت حرة     عنينة نابا نج عنها فنينها



                                                          نصب نابا على الذم أو على البدل من عنينة أي هو في الضعف كهذه الناب التي هذه صفتها ; قال ابن سيده : وهكذا وجدناه بضبط الحامض نج ، بضم النون ، والمعروف نج . وبعير فنين ومفنون : به ورم في إبطه ; قال الشاعر :


                                                          إذا مارست ضغنا لابن عم     مراس البكر في الإبط الفنينا


                                                          أبو عبيد : اليفن ، بفتح الياء والفاء وتخفيف النون ، الكبير ، وقيل : الشيخ الفاني ، والياء فيه أصلية ; وقال بعضهم : بل هو على تقدير يفعل لأن الدهر فنه وأبلاه ، وسنذكره في يفن . والفينان : فرس قريبة بن عوية الضبي ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية