الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      باب

                                                                                      من إخباره بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر

                                                                                      شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن عبد الله بن يزيد ، عن حذيفة قال : لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة ، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها . رواه مسلم .

                                                                                      وقال الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، وفي لفظ : " حفظه من حفظه " وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثم إذا رآه عرفه . رواه الشيخان بمعناه .

                                                                                      وقال عزرة بن ثابت : حدثنا علباء بن أحمر قال : حدثنا أبو زيد قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ، ثم نزل فصلى ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى أظنه قال : حضرت العصر ، ثم نزل فصلى ، ثم صعد فخطبنا حتى غربت الشمس ، قال : فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأحفظنا أعلمنا . رواه مسلم .

                                                                                      وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن خباب قال : شكونا [ ص: 328 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر الله لنا ؟ فجلس محمارا وجهه ، ثم قال : " والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فتحفر له الحفرة ، فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، أو يمشط بأمشاط الحديد ما بين عصبه ولحمه ، ما يصرفه عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر ، حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تعجلون " . متفق عليه .

                                                                                      وقال الثوري ، عن ابن المنكدر ، عن جابر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل لك من أنماط ؟ " . قلت : يا رسول الله ، وأنى يكون لي أنماط ؟ قال : أما إنها ستكون . قال : فأنا أقول اليوم لامرأتي : نحي عني أنماطك ، فتقول : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط بعدي ، فأتركها . متفق عليه .

                                                                                      وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن أبي زهير النميري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تفتح اليمن ، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح الشام ، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم تفتح العراق ، فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " . أخرجاه . [ ص: 329 ] وقال الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن العلاء بن زبر : حدثنا بسر بن عبيد الله ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وهو في قبة من أدم ، فقال لي : " يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا " . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال ابن وهب : أخبرني حرملة بن عمران ، عن عبد الله بن شماسة ، سمع أبا ذر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما " . رواه مسلم .

                                                                                      وقال الليث وغيره ، عن ابن شهاب ، عن ابن لكعب بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما " . مرسل مليح الإسناد .

                                                                                      وقد رواه موسى بن أعين ، عن إسحاق بن راشد ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه متصلا .

                                                                                      قال ابن عيينة : من الناس من يقول : هاجر أم إسماعيل كانت قبطية ، ومن الناس من يقول : مارية أم إبراهيم قبطية .

                                                                                      وقال معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 330 ] " يهلك كسرى ، ثم لا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكن ، ثم لا يكون قيصر بعده ، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله " . متفق عليه .

                                                                                      أما كسرى ، وقيصر الموجودان عند مقالته صلى الله عليه وسلم فإنهما هلكا ، ولم يكن بعد كسرى آخر ، ولا بعد قيصر بالشام قيصر آخر ، ونفقت كنوزهما في سبيل الله في إمرة عمر رضي الله عنه ، وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية ، بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثبت ملكه " حين أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يقضي الله تعالى فتح القسطنطينية ، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله عليه السلام " يمزق ملكه " حين مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وروى حماد بن سلمة ، عن يونس ، عن الحسن ، أن عمر رضي الله عنه أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه ، وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال : فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز ، فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه ، فلما رآهما عمر في يدي سراقة قال : الحمد لله سوارا كسرى في يد سراقة ، أعرابي من بني مدلج .

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن عدي بن حاتم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، هب لي ابنة بقيلة ، قال : " هي لك " . فأعطوه إياها ، فجاء أبوها فقال : أتبيعها ؟ قال : نعم . قال : بكم ؟ احكم ما شئت . قال : ألف درهم . قال : قد أخذتها ، قالوا له : لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها . قال : وهل عدد أكثر من ألف ؟ .

                                                                                      وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، ومكحول ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكم ستجندون أجنادا جندا بالشام ، وجندا بالعراق ، وجندا [ ص: 331 ] باليمن " . فقلت : يا رسول الله خر لي . قال : " عليك بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه ، ويسق من غدره ، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله " ، قال أبو إدريس : من تكفل الله به فلا ضيعة عليه . صحيح .

                                                                                      وقال معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوز وكرمان - قوما من الأعاجم حمر الوجوه ، فطس الأنوف ، صغار الأعين ، كأن وجوههم المجان المطرقة . وقال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر " . البخاري .

                                                                                      وقال هشيم ، عن سيار أبي الحكم ، عن جبر بن عبيدة ، عن أبي هريرة قال : وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند ، فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي ، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء ، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر . غريب .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت ذات ليلة كأنا في دار عقبة بن رافع ، وأتينا برطب من رطب ابن طاب ، فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب " . رواه مسلم .

                                                                                      وقال شعبة ، عن فرات القزاز ، سمع أبا حازم ، يقول : قاعدت أبا هريرة خمس سنين ، فسمعته يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " كانت بنو [ ص: 332 ] إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلف نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر " . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " . اتفقا عليه .

                                                                                      وقال جرير بن حازم ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عتوة ، وجبرية ، وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج ، والخمور ، والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله " .

                                                                                      وقال عبد الوارث ، وغيره ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء " . قال لي سفينة : أمسك أبو بكر سنتين ، وعمر عشرا ، وعثمان اثنتي عشرة ، وعلي ستا . قلت لسفينة : إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن خليفة ؟ قال : كذبت أستاه بني الزرقاء ، يعني بني مروان . كذا قال في علي " ستا " ، وإنما كانت خلافة علي خمس سنين إلا شهرين ، وإنما تكمل الثلاثون سنة بعشرة أشهر زائدة عما ذكر لأبي بكر ، وعمر . أخرجه أبو داود .

                                                                                      وقال صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه ، فقلت : وارأساه . فقال : " وددت أن ذاك كان وأنا حي ، فهيأتك ودفنتك " . فقلت غيرى : كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك . فقال : " بل أنا وارأساه ، ادع لي أباك وأخاك ، حتى أكتب لأبي بكر كتابا ، فإني [ ص: 333 ] أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن : إنا ، ولا ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " . رواه مسلم ، وعنده : فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : إنا ، ولا .

                                                                                      وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فرجف بهم ، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله ، وقال : " اثبت عليك نبي وصديق وشهيدان " . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال أبو حازم ، عن سهل بن سعد نحوه ، لكنه قال " حراء " بدل " أحد " ، وإسناده صحيح .

                                                                                      وقال سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء ، هو وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق ، أو شهيد " . رواه مسلم .

                                                                                      أبو بكر صديق ، والباقون قد استشهدوا .

                                                                                      وقال إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب : أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري ، عن أبيه ، أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت . قال : ولم ؟ قال : نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل ، وأجدني أحب الحمد ، ونهانا عن الخيلاء ، وأجدني أحب الجمال ، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا جهير [ ص: 334 ] الصوت . فقال : " يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة " ؟ قال : بلى يا رسول الله . قال : فعاش حميدا ، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب . مرسل ، وثبت أنه قتل يوم اليمامة .

                                                                                      وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش " . رواه مسلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية