الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 1275 ]

                                                                                                                                                                                        كتاب الحج الثالث

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ق 5) نسخة القرويين رقم (368/ 3) [ ص: 1276 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 1277 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        أول الحج الثالث

                                                                                                                                                                                        باب في حكم من فاته الحج أو أفسده

                                                                                                                                                                                        ولمن أحرم بالحج ففاته أن يحل بعمرة ، فإن كان بمكة أو قريبا منها- استحب له أن يحل ؛ لأنه لا يأمن أن يدخل عليه فساد من حاجته إلى النساء ، أو يصيب صيدا ؛ فكان إحلاله أولى وأسلم له . وإن كان على بعد كان بالخيار بين أن يمضي فيحل ، أو يبقى على إحرامه لقابل ؛ لأن عليه مشقة في كلا الأمرين : في بقائه على إحرامه ، وفي مضيه ؛ فيحل فيقيم عند أهله لقابل ، أو يعود فيتكلف الخروج للقضاء . فلم يؤمر أن يقدم أحدهما على الآخر .

                                                                                                                                                                                        وقاله أشهب في كتاب محمد ، في عبد أحرم بالحج بإذن سيده ، ففاته ، قال : فليس لسيده أن يمنعه أن يحل بعمرة إن كان قريبا ، وإن كان بعيدا كان له أن يبقيه فيه على إحرامه لقابل ، أو يأذن له فيحل بعمرة . وقال محمد فيمن أحرم بحج فأفسده ، وفاته : إنه ينحل بعمرة ، ولا يقيم على إحرامه لقابل .

                                                                                                                                                                                        يريد : لأنه إن أقام لقابل على إحرامه ثم حج لم يجزه عن الفائت ؛ لأنه [ ص: 1278 ] فاسد . فأمره بالإحلال ليأتي قابلا بحجة تجزئه ، ولاسيما على القول أن الحج على الفور . وإن استأنف إهلالا بالحج لم ينعقد ، وكان على حجه الفاسد ؛ لأن إحرامه الأول لم ينحل .

                                                                                                                                                                                        ومن فاته الحج فنوى أن ينحل بعمرة ، ثم بدا له أن يقيم لقابل ؛ كان ذلك له . قال محمد : ولكن إن أحب أن يقيم على إحرامه لقابل ، ثم بدا له إن عجل بعمرة ؛ كان ذلك له .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن فاته الحج فطاف وسعى ، وقال هذا لحج قابل : أخاف ألا يكون ذلك مجزئا عنه . وهذا مراعاة لاختلاف الناس فيمن طاف وسعى قبل أشهر الحج : أنه لا يجزئه . وقد قال مالك في الكتاب الأول ، فيمن قرن فطاف وسعى قبل أشهر الحج : أنه يجزئه . والإعادة بعد ذلك أحوط . وقد قيل : معنى قول ابن القاسم ألا يجزئه ؛ لما كان له أن ينحل عقبه بعمرة . وهذا غير صحيح ؛ لأنه لا خلاف أنه باق على إحرامه للحج ، ولم ينحل بذلك الطواف ، والإحلال له جائز ما لم تدخل أشهر الحج ؛ فيؤمر حينئذ ألا ينحل . واختلف إذا فعل ، فقال مرة : إحلاله باطل . وقال مرة : يصح إحلاله ، ولا يكون متمتعا . وقال أيضا : يكون متمتعا . فلم ير إحلاله في القول الأول يصح لما صار إلى وقت ينوب فيه الإنسان إلى أن ينشئ الحج . وقوله : أنه يصح إحلاله إن أراد أن يحل في أوائل أشهر الحج ؛ لأنه قد تكلف مشقة في الصبر إلى الآن ، وفي بقائه على ذلك شهرين آخرين إذا أضيف إلى الأول مشقة . فكان له [ ص: 1279 ] أن يحل وينتفع بأهله ما بينه وبين آخر الوقت . ولا يكون متمتعا فيلزمه هديين : هدي التمتع بالإحلال ، وهدي التمتع بالعمرة ؛ لأنه لم يبتدئ عمرة ، وإنما أتى بها لمكان الإحلال ، فكان عليه هدي التمتع بالإحلال وحده . فإن لم يحل حتى أتى بالحج لقابل لم يكن عليه هدي ؛ لأن الهدي لم يكن لمكان الفوات ، وإنما كان لأجل الانتفاع بالإحلال . وإن أصاب أهله بعد أن فاته الحج ، وقتل صيدا أو تطيب- كان قد أفسد الحج . وإن كان له أن ينحل بعمرة ؛ فلا يكون مفسدا لعمرة ؛ لأنه كان له أن يبقى على إحرامه لقابل ، إلا أن إفساده الحج لا ينقله عن حكم الفوات ، وأن له أن ينحل بعمرة ، ويقضي الفائت حسبما كان له لو لم يفسد .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية