الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 267 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة المائدة

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، والضحاك ، هي مدنية . وقال مقاتل: نزلت نهارا وكلها مدنية . وقال أبو سليمان الدمشقي فيها من المكي اليوم أكملت لكم دينكم قال: وقيل: فيها من المكي يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله والصحيح أن قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم نزلت بعرفة يوم عرفة ، فلهذا نسبت إلى مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اختلفوا في المخاطبين بهذا على قولين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم المؤمنون من أمتنا ، وهذا قول الجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم أهل الكتاب ، قاله ابن جريج ، و "العقود": العهود ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والجماعة . وقال الزجاج : "العقود": أوكد العهود .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في المراد بالعهود هاهنا على خمسة أقوال . [ ص: 268 ] أحدها: أنها عهود الله التي أخذها على عباده فيما أحل وحرم ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها عهود الدين كلها ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها عهود الجاهلية ، وهي الحلف الذي كان بينهم ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنها العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب من الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن جريج ، وقد ذكرنا عنه أن الخطاب للكتابيين .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنها عقود الناس بينهم ، من بيع ، ونكاح ، أو عقد الإنسان على نفسه من نذر ، أو يمين ، وهذا قولابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام في بهيمة الأنعام ثلاثة أقاويل .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها أجنة الأنعام التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذبحت الأمهات ، قاله ابن عمر ، وابن عباس . والثاني: أنها الإبل ، والبقر ، والغنم ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الربيع: هي الأنعام كلها . وقال ابن قتيبة: هي الإبل ، والبقر ، والغنم ، والوحوش كلها .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها وحش الأنعام كالظباء ، وبقر الوحش ، روي عن ابن عباس ، وأبي صالح . وقال الفراء: بهيمة الأنعام: بقر الوحش ، والظباء ، والحمر الوحشية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 269 ] قال الزجاج : وإنما قيل: لها بهيمة ، لأنها أبهمت عن أن تميز ، وكل حي لا يميز فهو بهيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلا ما يتلى عليكم روي عن ابن عباس أنه قال: هي الميتة وسائر ما في القرآن تحريمه . وقال ابن الأنباري: المتلو علينا من المحظور الآية التي بعدها ، وهي قوله: (حرمت عليكم الميتة) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: غير محلي الصيد قال أبو الحسن الأخفش: أوفوا بالعقود غير محلي الصيد ، فانتصب على الحال . وقال غيره: المعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام غير مستحلي اصطيادها ، وأنتم حرم ، قال الزجاج : الحرم: المحرمون ، وواحد الحرم: حرام ، يقال: رجل حرام ، وقوم حرم . قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فقلت لها فيئي إليك فإنني حرام وإني بعد ذاك لبيب



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 270 ] أي: ملب . وقوله: (إن الله يحكم ما يريد أي: الخلق له يحل ما يشاء لمن يشاء ، ويحرم ما يريد على من يريد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية