الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الثالث والعشرون والمائة بين قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين )

وهو إما المصلحة أو الأمان والجميع يوجب الأمان والتأمين غير أن عقد الجزية يكون لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء الجزية بقوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فجعل القتال مغيا إلى وقت موافقتهم على أداء الجزية ولا يعقده إلا الإمام ويدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام الساعة إلا أن [ ص: 24 ] يحصل للعقد ناقض كما تقدم تفصيل النواقض وأنه ليس رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان ذلك وأما التأمين فيصح من آحاد الناس بخلاف عقد الجزية يشترط أن يكون في عدد محصور كالواحد ونحوه .

وأما الجيش الكثير فالعقد في تأمينه للأمير على وجه المصلحة ولا يجوز إلا لضرورة تقتضي ذلك وكذلك عقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة ولا يعقده إلا الإمام ويكون إلى مدة معينة بخلاف الجزية ويجوز بغير مال يعطونه بخلاف الجزية لا بد فيها من المال وهو رخصة على خلاف قاعدة القتال وطلب الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز عن قتالهم أو إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية وشروط الجزية كثيرة معلومة متقررة في الشرع وشروط المصالحة بحسب ما يحصل الإنفاق عليها ما لم يكن في الشروط فساد المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب الواقع واللازم فيه مطلق الأمان والتأمين وعقد الجزية يوجب على المسلمين حقوقا متأكدة من الصون لهم والذب عنهم كما تقدم بيانه والمصالحة لا توجب مثل تلك الحقوق بل يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في ذمتنا غير أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط ونقوم بما التزمنا لهم في العقد ومن الشروط واتفقنا عليها من غير أن نواسي فقيرهم وننصر مظلومهم بل نتركهم ينفصلون بأنفسهم بخلاف عقد الجزية يجب علينا فيه دفع التظالم بينهم وغير ذلك مما هو مقرر في الفقه مبسوطا هنالك فهذا هو الفرق بين هذه القواعد .

[ ص: 24 ]

التالي السابق


[ ص: 24 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث والعشرون والمائة بين قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين من عقدي المصالحة والتأمين وذلك أن القاعدتين وإن اشتركا في وجوب الأمان والتأمين إلا أنهما افترقا من وجوه )

( الوجه الأول ) أن عقد الجزية يكون لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء الجزية بقوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فجعل القتل مغيا إلى وقت موافقتهم على أداء الجزية وعقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك عقد الأمير تأمين الجيش الكبير لا يجوز إلا لضرورة تقتضيه .

( والوجه الثاني ) أن عقد الجزية لا يعقده إلا الإمام كعقد المصالحة .

وأما التأمين فيصح من آحاد الناس بشرط أن يكون في عدد محصور كالواحد ونحوه وأما الجيش الكبير فعقد تأمينه للأمير على وجه المصلحة ( والوجه الثالث ) أن عقد الجزية يدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام الساعة إلا أن يحصل للعقد ناقض من النواقض المتقدم تفصيلها وعقد المصالحة إنما يكون إلى مدة معينة .

( والوجه الرابع ) أن عقد الجزية ليس رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان ذلك وعقد المصالحة رخصة على خلاف قاعدة القتال وطلب الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز وقتالهم أو إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية ( والوجه الخامس ) أن شروط عقد الجزية كثيرة معلومة مقررة في الشرع وشروط عقد المصالحة بحسب ما يحصل الاتفاق عليها ما لم يكن في الشروط فساد على المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب الواقع ( والوجه السادس )

أن عقد الجزية لا بد فيه من المال وعقد المصالحة يجوز بغير مال يعطونه ( والوجه السابع )

أن عقد الجزية يوجب على المسلمين زيادة على الأمن والتأمين حقوقا متأكدة من الصون والذب [ ص: 39 ] عنهم ودفع التظالم بينهم وغير ذلك مما هو مقرر ومبسوط في كتب الفقه وتقدم بيانه والمصالحة لا توجب مثل تلك الحقوق بل يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في ذمتنا غير أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط بل نقوم بما التزمنا لهم في العقد من الشروط التي اتفقنا عليها ونتركهم ينفصلون بأنفسهم من غير أن ننصر مظلومهم ولا أن نواسي فقيرهم واللازم في عقد التأمين مطلق الأمان والتأمين والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية