الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 545 ] فصل ( في ذكر أحاديث تتعلق بالفصول السالفة في اللباس ) .

عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي ، وحرم على ذكورها } رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه مع أن فيه انقطاعا وروى أبو داود وابن ماجه وغيرهما معناه من حديث علي رضي الله عنه بإسناد حسن قال ابن المديني : هو حديث حسن رجاله معروفون . وعن حذيفة قال { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير ، والديباج وأن يجلس عليه ، } رواه البخاري . { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة } رواه مسلم من حديث عمر { وكان له صلى الله عليه وسلم جبة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني ، وفرجاها مكفوفان به } رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عبيد الله مولى أسماء عن أسماء الحديث ورواه مسلم ولم يذكر لفظة الشبر . وعن معاوية قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب إلا مقطعا } إسناده جيد رواه أحمد وأبو داود والنسائي ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا { من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة } إسناده جيد رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .

وقال صلى الله عليه وسلم { لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا } وقال أيضا { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } متفق عليهما .

وقال أيضا : { ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار } رواه البخاري وعن حذيفة رضي الله عنه { لا حق للإزار في الكعبين } إسناده حسن رواه ابن ماجه وغيره { ولعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال } رواه البخاري { ولعن أيضا الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبس الرجل } إسناده صحيح رواه أحمد وأبو داود . [ ص: 546 ] وروى سعيد في سننه حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال كانوا يرخصون للصبي في الخاتم الذهب فإذا بلغ ألقاه { وأمر صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وهو مسبل إزاره بالوضوء فتوضأ ، ثم جاء ، فقال له رجل يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ، ثم سكت عنه فقال إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل } رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم { إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين ، وإذا نزع فليبدأ بالشمال } وعنه مرفوعا { لا يمشي أحدكم في نعل واحدة } متفق عليهما . وفي رواية { إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها } رواه مسلم .

ورواه أيضا من حديث جابر وفيه { ولا تمش في خف واحد } وعن عائشة رضي الله عنها أنها مشت في خف واحد وقالت لأحنثن أبا هريرة إنه يقول لا تمشي في نعل واحدة ولا خف واحد رواه سعيد . حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة وعن علي رضي الله عنه أنه مشى في نعل . واحدة رواه سعيد . وعن جابر رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائما } رواه أبو داود عن أبي يحيى محمد بن عبد الرحمن عن أحمد محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان وعن أبي الزبير عن جابر فذكره إسناده جيد . وأبو الزبير إسناده حسن .

وقال سعيد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه كره أن ينتعل الرجل قائما موقوف .

ورواه أبو محمد الخلال والآجري مرفوعا .

وروى أحمد ذلك عن ابن عمر وروى أبو محمد الخلال عن عائشة قالت { كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتعل قائما وقاعدا } . وعن أنس رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما } متفق عليه .

ورواه الترمذي ولفظه { أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قمص الحرير لحكة كانت بهما } ، وسبق في التداوي بالمحرمات . [ ص: 547 ]

وعن عبد الله بن سعد بن عثمان عن أبيه سعد قال { رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم } سعد لم يرو عنه غير ابنه ووثقه ابن حبان رواه البخاري في تاريخه وأبو داود والبيهقي . وقد صح عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم لبس الخز وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال { إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المسمط من قز } قال ابن عباس أما السدى والعلم فلا نرى به بأسا . فيه خصيف بن عبد الرحمن وهو متكلم فيه . رواه أحمد وأبو داود والبيهقي وعن معاوية رضي الله عنه مرفوعا { لا تركبوا الخز ولا النمار } إسناد حسن رواه أبو داود وغيره .

وقال صلى الله عليه وسلم { ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير إلى أن قال يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة } إسناده ثقات . رواه أبو داود والبيهقي والبخاري تعليقا . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها . } وعن علي رضي الله عنه قال { نهاني رسول الله عن التختم بالذهب وعن لباس القسي والمعصفر } رواهما مسلم { ونهى صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال } رواه الترمذي وقال حسن صحيح .

وقال البراء { رأيته في حلة حمراء يعني النبي صلى الله عليه وسلم } وقال أبو حنيفة { خرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء } متفق عليهما ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال { مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران فسلم فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم } رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه وفي إسناده أبو يحيى القتات وفيه ضعف وباقي إسناده ثقات . وعن سمرة رضي الله عنه مرفوعا { البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم } رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه وعن أنس رضي الله عنه قال { دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء } . وعن عائشة رضي الله عنها قالت { خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه [ ص: 548 ] مرط مرحل من شعر أسود } رواهما مسلم { وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم خالد خميصة سوداء وقال أبلي وأخلقي يا أم خالد هذا سنا } قال ذلك مرتين والسنا بلسان الحبشة حسن رواه البخاري .

قال في النهاية يروى " أخلقي " بالقاف من إخلاق الثوب تقطيعه وقد خلق الثوب وأخلق ويروى بالفاء بمعنى العوض والبدل قال وهو الأشبه .

وعن أبي سعيد قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء ، ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له } إسناده جيد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه . وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال { كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه } رواه مسلم .

وروى الترمذي معناه من حديث ابن عمر ولم يقل سوداء وإن ابن عمر كان يفعل ذلك وإسناده ثقات سوى يحيى بن محمد المديني فإن فيه ضعفا .

وقال الترمذي حسن غريب . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا { إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده } رواه الترمذي وحسنه وإسناده جيد إلى عمرو وحديثه حسن . وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا { كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا غير مخيلة ولا سرف } رواه البخاري وأحمد { فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدهن بالزعفران ويصبغ به ثيابه كلها حتى عمامته } رواه أبو داود والنسائي وقال صلى الله عليه وسلم { لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . { وقد اتكأ صلى الله عليه وسلم على مخدة فيها صورة } رواه أحمد من حديث عائشة .

وفي الصحيحين أو البخاري { أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل قالت فعرفت في وجهه [ ص: 549 ] الكراهية قلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت قال فما بال هذه النمرقة ؟ فقالت اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم } .

وقال { إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة } والقول بهذا الخبر أولى ; لأن الذي قبله أصله في الصحيحين وانفراد أحمد بالزيادة فإن صحت فلا تحرم وفي الكراهة نظر .

وروى الترمذي عن أحمد بن منيع عن روح بن عبادة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى أن يصنع ذلك } إسناد جيد قال الترمذي حسن صحيح . وعن ابن عباس رضي الله عنهما وجاءه رجل فقال إني أصور هذه التصاوير فأفتني فيها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { كل مصور في النار يجعل الله له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم ، فإن كنت لا بد فاعلا فاجعل الشجر وما لا نفس له } متفق عليه . وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : { كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص } . وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : { كان كم يد قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ } رواهما أبو داود والترمذي وحسنهما . وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا { لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمص الناس } رواه مسلم ولأحمد معناه { ولكن الكبر من سفه الناس وأزرى الناس }

سفه الحق أي : جهله وقيل جهل نفسه ولم يفكر فيها ، وقيل سفه بالتشديد أي سفه الحق ، وبطر الحق قيل تركه ، وقيل يجعل الحق باطلا [ ص: 550 ] وغمص الناس احتقارهم ، وزاد أحمد من حديث عقبة " وغمص الناس بعينيه " . وصح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا { يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يعلوهم كل شيء من الصغار ، حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس ، تعلوهم نار الأنيار ويسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار } رواه أحمد والترمذي وحسنه . جمع النار على أنيار وأصلها أنوار ; لأنها من الواو ، { وقد خسف الله بالرجل الذي جعل يتبختر في حلته ويختال في مشيته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة } رواه أحمد والبخاري ومسلم . ولأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رجلا جميلا قال يا رسول الله حبب إلي الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد إما بشراك نعل أو شسع نعل أفمن الكبر ذلك ؟ قال لا ، ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس . } وعن جبير بن مطعم قال يقولون في التيه وقد ركبت الحمار ولبست الشملة وقد حلبت الشاة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء } إسناد جيد رواه الترمذي وقال حسن غريب . وعن أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا { من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء } إسناد لين أو ضعيف رواه أحمد والترمذي وحسنه . وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا { إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ، من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه } رواه أبو داود بإسناد صحيح { وقال صلى الله عليه وسلم لقوم إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم [ ص: 551 ] وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش } رواه أبو داود بإسناد حسن وفيه قيس بن بشر وقد وثق وضعف وروى له مسلم . وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الأنصاري قال { ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا فقال ألا تسمعون ؟ ألا تسمعون ؟ إن البذاذة من الإيمان } يعني التقحل ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وفي لفظ يعني التقشف .

وقال صلى الله عليه وسلم { في النساء يرخين شبرا فقالت أم سلمة إذا تنكشف أقدامهن ، قال فيرخينه ذراعا لا يزدن } رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية