الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثامن: أن يقال: هذه التي سميتها أجزاء سواء كانت أجزاء مقدرة أو هي متميزة تميزا حقيقيا لا يخلو إما أن تريد بكل واحد منها الجزء الذي لا يتجزأ، وهو الجوهر الفرد أو ما هو أكبر من ذلك، فإن أردت بالأجزاء الجواهر المنفردة وقد قلت إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة، فيقال لك: " هب أنها مختلفة في الماهية، ما الذي يلزم قولك: " والقسم الثاني وهو أن يقال: إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية، فنقول: كل جسم مركب من أجزاء مختلفة الماهية فلا بد وأن ينتهي تحليل [ ص: 144 ] تركيبه إلى أجزاء، ويكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب". يقال لك: هذا باطل على هذا التقدير، لأن كل واحد من تلك الأجزاء المختلفة الماهية إذا كان جزءا لا ينقسم وهو الجوهر الفرد امتنع حينئذ أن يكون مركبا: وأن يتحلل إلى أجزاء أخر، فإنه لا تركيب فيه بحال. أكثر ما يمكنك أن تقول فيه ما قلته في الأجزاء التي يتحلل إليها من لزوم مماسته بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر لكن يقال لك: هذا أولا باطل في الجزء الذي لا ينقسم.

وقولك: " لكن يمينه مثل يساره، وإلا لكان هو نفسه مركبا وقد فرضناه غير مركب". كلام متناقض ينقض بعضه بعضا، فإنه إذا كان له يمين ويسار كان مركبا.

وقولك: يمينه مثل يساره، والمثلان غيران يقتضي أن فيه غيرين وهذا تركيب أيضا، وتماثل جانبيه لا يخرجه عن أن يكون مركبا. فقولك: وقد فرضناه غير مركب تناقض.

وكذلك قولك ودعواك: " أنه تماثل يمينه يساره، وإلا لكان هو نفسه مركبا". يقتضي أنه مع تماثل جانبيه يكون غير [ ص: 145 ] مركب، ومع عدم تماثلهما يكون مركبا، وليس الأمر كذلك بلا نزاع.

وأيضا فإنه على هذا التقدير الأجزاء مختلفة في الحقيقة، وإذا كانت مختلفة في الحقيقة لم يلزم أن يجوز على كل واحد منها ما جاز على الآخر، بل يمتنع تساويهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، فلو وجب أن يقوم كل منهما مقام الآخر لكانت متماثلة. والتقدير أنها مختلفة: هذا تناقض، فعلم أنه يمتنع مع كون الأجزاء غير منقسمة، وهي مختلفة في الحقيقة أن يقوم بعضها مقام البعض، وحينئذ فيبطل لزوم تفرقها.

بل يقال: إذا كان تفرقها يوجب قيام بعضها مقام بعض امتنع تفرقها مع كونها مختلفة، لأن الحقائق المختلفة يمتنع أن يقوم بعضها مقام بعض. هذا إن أراد بالأجزاء الجواهر المنفردة، وهو المفهوم من إطلاق تفرقها. وإن أراد بالأجزاء الأجزاء الكبار قيل:

التالي السابق


الخدمات العلمية