الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه السادس عشر: هب أن يقال: إنها غير متماثلة بل هي مختلفة أو بعضها مختلف وبعضها غير مختلف حيث وردت النصوص بأسماء تقتضي حقائق غير متماثلة كقوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ص: 75] وقوله: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن: 27] وقوله: ولتصنع على عيني [طه: 39] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المقسطون [ ص: 152 ] على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين". وقوله: " يقبض السماوات بيمينه والأرض بيده الأخرى". وفي رواية [ ص: 153 ] في الصحيح: " والأرض بشماله" إلى سائر ما ورد في هذا الباب مما يطول وصفه، فإما أن يجب تحللها إلى أجزاء متماثلة أو لا يجب، فإن وجب ذلك جاز على كل شيئين مختلفين أن يصيرا متماثلين، بل وجب منهما أن يكونا متماثلين، فإنه إذا وجب تحللهما إلى الأجزاء المتماثلة التي يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر، فقد وجب أن يجوز على أجزاء كل واحد ما جاز على أجزاء الآخر، ومن الجائز على أجزاء كل واحد التباعد والتلاقي كما ذكره، فيجب فيه جواز تفرق أجزائه وجواز أن يسد كل واحد منهما مسد الآخر، وذلك يستلزم أن يجوز على كل مختلفين أن يكونا متماثلين وإذا جاز على المختلفين أن يكونا متماثلين فقد اشتركا في أنه يجوز أن يجب ويمتنع، ويجوز على أحدهما ما جاز على الآخر. فإذا اشتركا في جواز ذلك لزم من ذلك محالات منها: أن يشتركا في جواز الممتنع والجائز لا يكون ممتنعا بل هو نقيضه، فيكونا قد اشتركا في جواز النقيضين عليهما.

[ ص: 154 ] وأيضا فإنه إذا جاز على أحدهما ما يجوز على الآخر ووجب ما يجب له، وامتنع عليه ما يمتنع عليه، ولو بواسطة يتماثلان فيها لزم أن يكونا متماثلين، وذلك يقتضي أن يكون كل مختلفين متماثلين، وهذا قلب للحقائق وتبديلها، وهو من أعظم السفسطة، وهذا على أصله لازم من وجه آخر، فإن عنده جميع الأجسام متماثلة، فإذن ليس في الأشياء التي لها أجزاء أشياء مختلفة بحال. فقوله: تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة أو مختلفة إنما هو تقدير وإلا فعلى أصله لا تكون إلا متماثلة، ليس في الأجسام عنده ما هو غير متماثل، وإن كان في هذا من السفسطة ومكابرة الحس والعقل ما فيه مع مخالفة نصوص القرآن التي تثبت عدم تماثل الأجسام كقوله تعالى: يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38] ونحو ذلك مما تقدم ذكره. وإن لم يجب تحللها إلى أجزاء غير منقسمة بطل ما ذكرته.

التالي السابق


الخدمات العلمية