الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وإذا كان قد تبين أن الفعل الواحد ألا يكون من فاعلين مستقلين، ولا يكون مقدور واحد من قادرين على ذلك المقدور حال الاشتراك، فكذلك الفعل الواحد والقصد الواحد لا يكون لمقصودين مستقلين، بل كما تبين أن الحكم الواحد بالعين لا يكون لعلتين مستقلتين، فسواء في ذلك العلة الفاعلية والعلة الغائية، فمتى قصد بالفعل اثنين لم يكن الفعل لا لهذا ولا لهذا.

وهذا هو الإشراك الذي تبرأ الله منه، كما في الحديث [ ص: 177 ] الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء، وهو كله للذي أشرك " أي أشركه، فإنه سبحانه لا شريك له، فكما لا يجوز أن يكون معه شريك في فعله لا يصلح أن يجعل له شريك في قصده وعبادته، قال الله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ، وقال تعالى: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ، وهذا كثير في القرآن، بل هو المقصود الأعظم بتنزيل القرآن.

والمقصود هنا أن الفعل الواحد كما لا يتصور أن يكون من اثنين لا يتصور أن يكون لاثنين، فمن عمل لله ولغيره فما عبد الله ولا عمل له عملا، كما أن ما تعاون عليه اثنان فما فعله أحدهما، ولا هو ربه، فكما أنه لو قدر أن معه شريكا في الفعل لم يكن هو رب ذلك المفعول ومليكه، فكذلك إذا جعل له شريك في القصد والعمل، لم يكن هو إله ذلك العابد ولا معبوده، فلا يتقبل ذلك العمل، وإنما يتقبل ما كان خالصا لوجهه.

يوضح هذا أنه هو الرب المليك الخالق، فلو قدر في الذهن أن معه شريكا في الفعل امتنع أن يكون هو ربه ومليكه وخالقه، وإذا امتنع [ ص: 178 ] ذلك بطل وجود الفعل، لأنه قد علم أن غيره لم يفعل شيئا، فإذا كان على هذا التقدير هو أيضا ليس برب فاعل لم يكن للفعل وجود، كذلك إذا كان هو الإله المعبود المقصود، فإذا جعل معه من يشرك به، وعبادة ذلك فاسدة باطلة، لم يصر هو معبودا بذلك العمل، وما عمل لذلك الغير باطل فاسد، فلا يكون الفعل عبادة ولا عملا صالحا، فلا يتقبل. ولا يمكن أن يقال: لم لا أخذ نصيبه منه؟ لأنه مع تقدير الإشراك يمتنع أن يكون له منه شيء، كما أنه بتقدير الإشراك في الربوبية يمتنع أن يصدر عنه شيء، فإن الغير لا وجود له، وهو لم يستقل بالفعل، كذلك هنا هو لم يستقل بالقصد، والغير لا ينفع قصده. ولهذا نظائر كثيرة في الشرعيات والحسيات إذا خلط بالنافع الضار أفسده، كما يخلط الماء بالخمر، بخلاف الشركة الصحيحة، كاشتراك الناس فيما يصلح اشتراكهم فيه، فإن هذا لا يضر.

يبين هذا أنه لو سأل الله شيئا فقال: اللهم افعل كذا أنت وغيرك، أو دعا الله وغيره فقال: افعلا كذا لكان هذا طلبا ممتنعا ، فإن غيره لا يشركه، وهو على هذا التقدير لا يكون فاعلا له، لأن تقدير وجود الشريك يمنع أن يكون هو أيضا فاعلا، فإذا كان يمتنع هذا في الدعاء والسؤال، فكذلك يمتنع في العبادة والعمل أن يكون له ولغيره. وقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسعد وهو يدعو ويشير بإصبعين، فقال: "أحد أحد" . [ ص: 179 ]

ولهذا سن الإشارة بالسباحة في الدعاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية