الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بنق ]

                                                          بنق : بنق الكتاب : لغة في نبقه . وبنق كلامه : جمعه وسواه ، ومنه بنائق القميص أي جمع شيء ، وقد بنق كتابه إذا جوده وجمعه . والبنقة والبنيقة : رقعة تكون في الثوب كاللبنة ونحوها ، مشتق من ذلك ، وقيل : البنيقة لبنة القميص ، والجمع بنائق وبنيق ، قال قيس بن معاذ المجنون :


                                                          يضم إلي الليل أطفال حبها كما ضم أزرار القميص البنائق .



                                                          ويروى : أثناء حبها ، ويروى : أبناء حبها ، وأراد بالأطفال الأحزان المتولدة عن الحب ، قال ابن بري : وهذا من المقلوب لأن الأزرار هي التي تضم البنائق ، وليست البنائق هي التي تضم الأزرار ، وكان حق إنشاده :


                                                          كما ضم أزرار القميص البنائقا .



                                                          إلا أنه قلبه ، وفسر أبو عمرو الشيباني البنائق هنا بالعرى التي تدخل فيها الأزرار ، والمعنى على هذا واضح بين لا يحتاج معه إلى قلب ولا تعسف إلا أن الجمهور على الوجه الأول ، وذكر ابن السيرافي أنه روى بعضهم :


                                                          كما ضم أزرار القميص البنائقا .



                                                          قال : وليس بصحيح لأن القصيدة مرفوعة ، وأولها :


                                                          لعمرك إن الحب ، يا أم مالك     بجسمي ، جزاني الله ، منك للائق .



                                                          وبعد قوله :


                                                          يضم إلي الليل أطفال حبها .



                                                          قوله :


                                                          وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا     سوى أن يقولوا : إنني لك عاشق ؟
                                                          نعم صدق الواشون ! أنت حبيبة     إلي ، وإن لم تصف منك الخلائق .



                                                          وقال أبو الحجاج الأعلم : البنيقة اللبنة . وكل رقعة تزاد في ثوب أو دلو ليتسع ، فهي بنيقة ، ويقوي هذا القول قول الأعشى :


                                                          قوافي أمثالا يوسعن جلده     كما زدت في عرض الأديم الدخارصا .



                                                          فجعل الدخرصة رقعة في الجلد زيدت ليتسع بها ، قال السيرافي : والدخرصة أطول من اللبنة ، قال ابن بري : وإذا ثبت أن بنيقة القميص هي جربانه فهم معناه ، لأن جربانه معروف ، وهو طوقه الذي فيه الأزرار مخيطة ، فإذا أريد ضمه أدخلت أزراره في العرى فضم الصدر إلى النحر ، وعلى ذلك فسر بيت قيس بن معاذ المتقدم ، قال : ويبين صحة ذلك ما أنشده القالي في نوادره وهو :


                                                          له خفقان يرفع الجيب والحشى     يقطع أزرار الجربان ثائره .



                                                          هكذا أنشده ، بكسر الجيم والراء ، وزعم أنه وجده كذا بخط إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وكان الفراء ومن تابعه يضم الجيم والراء ، ومثل هذا بيت ابن الدمينة :


                                                          رمتني بطرف ، لو كميا رمت به     لبل نجيعا نحره وبنائقه .



                                                          لأن البنيقة طوق الثوب الذي يضم النحر وما حوله ، وهو الجربان ، قال : ويحتمل أن يريد العرى على تفسير الشيباني ، قال : ومما يدلك على أن البنيقة هي الجربان قول جرير :


                                                          إذا قيل هذا البين ، راجعت عبرة     لها بجربان البنيقة واكف .



                                                          وإنما أضاف الجربان إلى البنيقة وإن كان إياها في المعنى ليعلم أنهما [ ص: 156 ] بمعنى واحد ، وهذا من باب إضافة العام إلى الخاص ، كقولهم عرق النسا ، وإن كان العرق هو النسا من جهة أن النسا خاص والعرق عام لا يخص النسا من غيره ، ومثل ذلك حبل الوريد وحب الحصيد وثابت قطنة لأن قطنة لقبه ، وكان يجعل في أنفه قطنة فيصير أعرف من ثابت ، ولما كان الجربان عاما ينطلق على البنيقة وعلى غلاف السيف وأريد به البنيقة أضافه إلى البنيقة ليخصصه بذلك ، قال : ومثل بيت جرير قول ابن الرقاع :


                                                          كأن زرور القبطرية علقت     بنادكها منه بجذع مقوم .



                                                          والبنادك : البنائق ، ويروى هذا البيت أيضا لملحة الجرمي ويروى : علقت بنائقها ، وقيل : هي هنا عراها فيكون حجة لأبي عمرو الشيباني . قال أبو العباس الأحول : والبنيقة الدخرصة ، وعليه فسر بيت ذي الرمة يهجو رهط امرئ القيس بن زيد مناة :


                                                          على كل كهل أزعكي ويافع     من اللؤم ، سربال جديد البنائق .



                                                          فقال : البنائق الدخارص ، وإنما خص البنائق بالجدة ليعلم بذلك أن اللؤم فيهم ظاهر بين كما قال طرفة :


                                                          تلاقى ، وأحيانا تبين كأنها     بنائق غر في قميص مقدد .



                                                          وقول الشاعر :


                                                          قد أغتدي والصبح ذو بنيق .



                                                          جعل له بنيقا على التشبيه ببنيقة القميص لبياضها ، وأنشد ابن بري هذا الرجز :


                                                          والصبح ذو بنائق .



                                                          وقال : شبه بياض الصبح ببياض البنيقة ، قال : ومثله قول نصيب :


                                                          سودت فلم أملك سوادي ، وتحته     قميص من القوهي ، بيض بنائقه .



                                                          وأراد بقوله سودت أنه عورت عينه ، واستعار لها تحت السواد من عينه قميصا بيضا بنائقه كما استعار الفرزدق للثلج ملاء بيض البنائق تظل بعينيها إلى الجبل الذي عليه ملاء الثلج ، بيض البنائق .

                                                          وقال ثعلب : بنائق وبنق ، وزعم أن بنقا جمع الجمع ، وهذا ما لا يعقل ، وقال الليث في قوله :


                                                          قد أغتدي والصبح ذو بنيق .



                                                          قال : شبه بياض الصبح ببياض البنيقة ، وقال ذو الرمة :


                                                          إذا اعتفاها صحصحان مهيع     مبنق بآله مقنع .



                                                          قال الأصمعي : قوله مبنق يقول السراب في نواحيه مقنع قد غطى كل شيء منه . قال ابن بري : أعلم أن البنيقة قد اختلف في تفسيرها فقيل : هي لبنة القميص ، وقيل : جربانه ، وقيل : دخرصته ، فعلى هذا تكون البنيقة والدخرصة والجربان بمعنى واحد ، وسميت بنيقة لجمعها وتحسينها . ابن سيده : أرض مبنوقة موصولة بأخرى كما توصل بنيقة القميص ، قال ذو الرمة :


                                                          ومغبرة الأفياف محلولة الحصى     دياميمها مبنوقة بالصفاصف .



                                                          هكذا رواه أبو عمرو ، وروى غيره موصولة . والبنيقة : الزمعة من العنب إذا عظمت . والبنيقة : السطر من النخل . ابن الأعرابي : أبنق وبنق ونبق وأنبق كله إذا غرس شراكا واحدا من الودي فيقال : نخل مبنق ومنبق . وفي النوادر : بنق فلان كذبة حرشاء وبوقها وبلقها إذا صنعها وزوقها . وبنقته بالسوط وبلقته وقوبته وجوبته وفتقته وفلقته إذا قطعته . وبنيقة الفرس : الشعر المختلف في وسط مرفقه ، وقيل : في وسط مرفقه مما يلي الشاكلة . والبنيقتان : دائرتان في نحر الفرس . والبنيقتان : عودان في طرفي المضمدة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية