الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 576 ] وفي الشريك القريب معهما قولان ; لا بين أب وابنه ، إلا بكهبة إلا أن يطول معهما [ ص: 577 ] ما تهلك البينات ، وينقطع العلم ، وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي ، ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ، ويزاد في عبد وعرض .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


( وفي ) تحديد مدة حيازة ( الشريك ) للقائم ( القريب ) له ( معهما ) أي الهدم والبناء ( قولان ) لابن القاسم رحمه الله تعالى قال مرة العشر سنين حيازة ، وقال مرة ليست حيازة إلا أن يطول الزمان ، أراد مثل الأربعين وهو الذي رجع إليه ابن القاسم وجرى به العمل ، وسواء كانوا إخوة أو لا . ومفهوم إن هدم وبنى أنها لا تكون بينهم بالسكنى والازدراع . ابن رشد تأول بعضهم المدونة على أنها تكون بهما أيضا وهو بعيد .

( تنبيه ) سكت المصنف عن حيازة القريب غير الشريك ، وذكر ابن رشد أن قول ابن القاسم اختلف فيه فجعله مرة كالقريب الشريك ، قال فيكون قد رجع عن قوله أن الحيازة تكون بينهم في عشر سنين مع الهدم والبناء إلى أنه لا حيازة بينهم إلا مع الطول الكثير وهو نص قوله في سماع يحيى ، ومرة رآهم بخلاف ذلك ، فلم يرجع عن قوله إن الحيازة بينهم بعشر سنين مع الهدم والبناء ، وهو دليل قوله في السماع المذكور ا هـ . الحط فعلم من كلام ابن رشد هذا أن القول بأن حكم القريب غير الشريك كحكم القريب الشريك هو الراجح لقوله إنه نص قول ابن القاسم ، وأن الثاني مفهوم من كلامه ، فتحصل أن الحيازة بين الأقارب سواء كانوا شركاء أو غير شركاء لا تكون بالسكنى والازدراع ، وإنما تكون بالهدم والبناء في الأمد الطويل الزائد على أربعين سنة على الأرجح ، والله أعلم .

( لا ) تكون الحيازة ( بين أب وابنه ) بشيء ( إلا بكهبة ) من أحدهما عقار الآخر لأجنبي والآخر حاضر ساكت بلا مانع ، وأدخلت الكاف الصدقة والبيع والعتق والتدبير والكتابة والوطء وما أشبهها مما لا يفعله إلا المالك في ملكه فيعتبر اتفاقا قاله ابن رشد ، ولا تعتبر الحيازة بينهما بهدم وبناء إذا فعله أحدهما في عقار الآخر وادعاه لنفسه ، سواء قام عليه الآخر في حياته أو بعد موته على المشهور في كل حال ( إلا أن يطول [ ص: 577 ] معهما ) أي الهدم والبناء ( ما ) أي زمان ( تهلك ) معه ( البينات وينقطع ) فيه ( العلم ) الحط محصل كلام ابن رشد أن الحيازة لا تكون بين أب وابنه بالسكنى والازدراع والاستخدام والركوب اتفاقا ، وكذا الأقارب الشركاء بميراث أو غيره على الأظهر ، وكذا الشركاء الأجانب بخلاف الأجانب الذين لا شركة بينهم ، فالحيازة بينهم عشرة أعوام على المشهور وإن لم يكن هدم ولا بنيان ، وإن حصل هدم وبنيان وغرس فتكفي الأعوام العشرة في الشريك الأجنبي ، وفي الشريك القريب مع ذلك قولان . وفي كون ذلك في القريب غير الشريك والمولى والصهر الشريكين حيازة . ثالثها في الصهر والمولى دون القريب . وفي كون السكنى والازدراع في العشر حيازة لمولى وصهر غير شريكين أو إن هدم وبنى في العشر أو إن طال جدا أقوال ، والله أعلم .

وقال ابن رشد أيضا تحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والكتابة والتدبير والوطء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع وسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع في حصته وكان له الثمن ، وإن سكت بعده العام ونحوه استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ حقه ، وإن سكت العام ونحوه فليس له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء واستحقه الحائز ، وإن حضر مجلس الهبة والصدقة والعتق والتدبير فسكت حتى انقضى المجلس فلا يكون له شيء ، وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له حقه ، وإن سكت العام ونحوه فلا شيء له ، ويختلف في الكتابة هل تحمل على البيع أو على العتق قولان . ( وإنما تفترق الدار ) أي العقار ( من غيرها ) من الرقيق والدواب والعروض ( في ) مدة حيازة ( الأجنبي ففي الدابة ) بالنسبة لركوب الأجنبي السنتان ( و ) في ( أمة الخدمة السنتان ويزاد ) بضم التحتية على السنتين ( في ) حيازة ( عبد وعرض ) ونحوه [ ص: 578 ] لأصبغ ، زاد وما أحدث الأجنبي في غير الأصول من بيع أو عتق أو كتابة أو تدبير أو صدقة أو وطء في الأمة بعلم مدعيه أو بغير علمه ولم ينكر حين علم استحقه الحائز بذلك . ابن رشد إن الأقارب الشركاء بميراث أو غيره لا خلاف أن الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع ، ولا خلاف أنها تكون بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وإن لم تطل المدة ، واستخدام الرقيق وركوب الدواب كالسكنى والازدراع ، والاستغلال كالهدم والبناء والغرس ، ثم قال ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض ، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول والاستخدام والركوب واللبس في الرقيق والدواب والثياب ، فقد قال أصبغ إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن وأن السنتين والثلاث حيازة في الدواب إذا كانت تركب ، وفي الإماء إذا كن يستخدمن وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة الأعوام كما يصنع في الأصول ا هـ .

( تنبيهات ) الأول : علم من كلام ابن رشد أن لبس الثياب كسكنى الدار ، وأنه لا تحصل به حيازة بين الأقارب ولو طالت مدته ، وأن استغلال الرقيق والدواب والثياب كالهدم والبناء فتحصل الحيازة به بين الأقارب . واختلف في مدتها على قولي ابن القاسم المتقدمين في المتن وبالأمور المفوتة كالبيع ، وعلم هذا من كلام المصنف ; لأنه جعلها مفوتا بين الأب وابنه ، فغيرهما بالأولى .

( الثاني ) : مفهوم قوله في الأجنبي إن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه كان شريكا أو غير شريك .

( الثالث ) : تقدم في كلام ابن رشد أن الثياب يكفي في حيازتها السنة ، وسكت المصنف عنها ، بل ظاهر كلامه دخولها في العروض .

[ ص: 579 ] الرابع ) : التفصيل المتقدم عن ابن رشد لا يؤخذ من المتن ولا من التوضيح وهو أتم فائدة ، والله أعلم .

الخامس : في المدة التي يسقط الدين بها ولد . ابن فرحون في مسائله الملقوطة الساكت طلب دينه ثلاثين سنة لا قول له ، ويصدق الغريم في دعوى دفعه ولا يكلف بينة لإمكان موتهم أو نسيانهم للشهادة . ا هـ . ومن منتخب ابن أبي زمنين وفي كتاب محمد بن يونس في مدعي دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق في القضاء ، إذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات ا هـ . وقال ابن فرحون وفي مختصر الواضحة عبد الملك قال لي مطرف وأصبغ إذا ادعى رجل على رجل حقا قديما وقام عليه بذكر حقه بعد عشرين سنة ونحوها أخذه به ، وعلى الآخر البراءة منه . وفي مفيد الحكام إن ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل إلا بطول الزمان كثلاثين سنة ، وكذلك الديون وإن كانت معروفة في الأصل إذا طال زمانها هكذا ومن هي له وعليه حضور ، فلا يقوم عليه بدينه إلا بعد هذا من الزمان . فيقول قد قضيتك وباد شهودي به فلا شيء على المدين غير اليمين ، وكذلك الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبضه ، فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه وإلا فعليه البينة بالدفع ، ثم قال الحط أحفظ لابن رشد أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال الزمان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم { لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم } ، واختاره التونسي إذا كان بوثيقة في يد الطالب ; لأن بقاءها بيده دليل على أنه لم يقضه دينه إذ العادة أنه إذا قضى الدين أخذ عقده أو مزقه

فإن كان الدين بغير وثيقة ففيه قولان . ابن رشد وليس من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق فيها بين الأقارب والأجنبيين والأصهار وغيرهم ; لأن شرطها جهل أصل وضع اليد وهو هنا معلوم ، والله أعلم . السادس : طفى قوله وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي ، اختصر المصنف قول ابن رشد حيث تكلم على حيازة الأقارب الشركاء بالميراث ، ولا فرق في مدة حيازة [ ص: 580 ] الوارث على الوارث بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض ، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول ، والاستخدام والركوب واللبس في الرقيق والدواب والثياب ، فقد قال أصبغ إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن ، وإن السنتين حيازة في الدواب إذا كانت تركب . وفي الإماء إذا كن يستخدمن ، وفي العبد والعروض فوق ذلك ، ولا يبلغ في شيء من ذلك بين الأجنبيين إلى عشرة أعوام كما في الأصول هذا كله معنى قول أصبغ دون نصه . ا هـ . فلم يستند في التفريق الذي ذكره إلا لقول أصبغ ، فاقتضى أن أصبغ سوى بين الرباع والأصول والثياب ، وما معها في الشركاء بالميراث مع أن أصبغ فرق بينهما أيضا ، ففي ابن سلمون أصبغ ومطرف وأما حيازة الشريك الوارث عمن ورث معه في العروض والعبيد بالاختدام واللبس والامتهان منفردا به على وجه الملك له فالقضاء فيه أن الحيازة في ذلك فوق العشرة الأعوام على قدر اجتهاد الحاكم عند نزول ذلك ا هـ .

فعبارة ابن رشد مشكلة ولذا اعترض ابن مرزوق عبارة المصنف قائلا مفهوم الحصر يقتضي مساواة الدار وغيرها بالنسبة للأقارب في مدة الحيازة ولا عمل على هذا المفهوم لمخالفته النص . ابن يونس وغيره عن مطرف وما حاز الشركاء والورثة من العبيد والإماء والدواب والحيوان وجميع العروض تختدم وتركب وتمتهن العروض فلا يقطع حق الباقين ما لم يطل ، والطول في ذلك دون الطول بينهم في حيازة الدور والأرضين بالسكنى والازدراع وفوق حيازة الأجنبي على الأجنبي ا هـ . وما نقله ابن يونس عن مطرف يرجع لما نقله ابن سلمون عنه مع أصبغ ، وقوله والطول في ذلك دون الطول في حيازة الدور والأرضين بالسكنى والازدراع مدة ذلك بالنسبة للسكنى والازدراع في كلام ابن عاصم وغيره تزيد على أربعين سنة ونصه في تحفته :

والأقربون حالهم مختلف بحسب اعتمادهم يختلف فإن يكن بمثل سكنى الدار
والزرع للأرض والاعتمار فهو بما يجوز الأربعين

[ ص: 581 ]

وفي منتقى الأحكام إذا حاز الوارث على الوارث الأصول بالسكنى والازدراع ونحو ذلك فلا يكون حيازة حتى يزيد على الأربعين سنة خلافا لقول ابن رشد لا حيازة بين الورثة الشركاء بالسكنى والازدراع وإن طال الزمان جدا ، وهذا قول ابن القاسم في رسم الكبش من سماع يحيى ، وقال ابن رشد في رسم يسلف لا اختلاف أن الحيازة لا تكون بالسكنى والازدراع في حق الأقارب الشركاء في الميراث إلا على ما تأوله بعض الناس على ما في المدونة وهو بعيد ، وقال في رسم الأقضية المشهور إن الوارثين لا حيازة بينهم بالسكنى والاعتمار . ا هـ . فقد ظهر لك أن أصبغ كما فرق بين العقار وغيره في حيازة الأجنبي كذلك فرق بينهما في حيازة القريب . وأما ابن القاسم فسوى بين الأصول وغيرها بالنسبة للأجنبي ففيها ابن القاسم من حاز على حاضر عروضا أو حيوانا أو رقيقا فذلك كالحيازة في الربع إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن ، والدواب تركب وتكرى ، والأمة توطأ ، ولم يحد لي مالك في الحيازة في الرباع عشر سنين ولا غيرها ا هـ .

وأما بالنسبة للأقارب الشركاء ففي رسم شهد من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق في رجل يحوز ماله ابنه في حياته في الحيوان الرأس والدابة حتى يموت أبوه وذلك الحيوان في يده ، فيقول ورثته هذا الرأس لأبينا والدابة له ولا بينة له على صدقته ولا على عطيته ، فهل ينتفع بطول تقادمه في يده ، والأصل معروف . ابن القاسم لا ينتفع بطول تقادمه في يده . ابن رشد هذا من قول ابن القاسم مثل ما تقدم من قول مالك في رسم يسلف من سماع ابن القاسم في أن الابن لا ينتفع بحيازة الأرض على أبيه بالازدراع والاعتمار ، وفي رسم الكبش من سماع يحيى في امرأة هلك زوجها وترك منزلا ورقيقا فعاشت المرأة وولد الرجل من غيرها زمانا وتزوجت بعده زوجا وزوجين ثم هلكت فقام ولدها من زوجها الذي تزوجها بعد الأول يطلب مورثها من زوجها الأول في رباعه ورقيقه فقال ولد زوجها الأول قد عايشتنا أمكم زمانا طويلا وكانت عالمة بحقها ، ووجه خصومتها منذ عشرين سنة فلم تطلب قبلنا شيئا حتى ماتت ، فقال لا أرى أن يقطع سكوتها بما ذكرت من الزمان موروثها معروفا لها وولدها في القيام [ ص: 582 ] بطلبه على مثل حجتها لا يقطع حقها طول سكوتها في مورثها من زوجها الأول ; لأن حال الورثة عندي في هذا مخالف لغيرهم إلا أن يكونوا اقتسموا بعلمها حتى صار كل واحد بنصيبه من الإرث ، وبأن بحقه من أثمان ما باعوا وبحقه مما اقتسموا من الرقيق والعروض وهي ساكتة عالمة لا تدعي شيئا ، فهذا الذي يقطع حجتها ويبطل طلبها .

قلت فإن لم يقتسموا ببينة واقتطع كل وارث أرضا يزرعها وتنسب إليه أو دارا يسكنها أو رقيقا يختدمه أو بقرا أو غنما يحتلبها أو دواب يستغلها فكل وارث قبض مما نصصت لك شيئا قد بان بمنفعته دون إشراكه فإليه ينسب وله يعرف ، ولو كلفوا البينة على الاقتسام لم يجدوها لطول الزمان ، وليس في يد المرأة من ذلك شيء ، وعسى أن يكون في يدها شيء يسير ، أترى هذا إذا طال الزمان يقطع حقها من الموروث ؟ قال أرى هذا يمنعها من أخذ حقها . ابن رشد قوله في هذه المسألة لا أرى أن يقطع حقها سكوتها مثل ما تقدم من قوله قبل هذا إنه لا حيازة بين الأقارب ، وقوله أو دواب يستغلها هل هو بمنزلة الانتفاع بالسكنى والاستخدام لا تقع الحيازة به بين الورثة أو تقع به الحيازة بينهم ، وأظن أنه وقع في بعض الكتب أو دواب يستعملها وهو طرد على ما ذكره . ا هـ . فقد ظهر لك أن ابن القاسم سوى بين الأصول وغيرها في الأجانب والأقارب ، ولم أر التفصيل الذي ذكره ابن رشد من أن التفريق في الأجنبي فقط إلا أنه رجل حافظ ، ولعله تفقه له فتأمل ذلك .

وقد جرى الحط على طريق ابن رشد مقتصرا عليه . وأما عج فقال اعتراض ابن مرزوق صحيح ، بل ربما يتعين المصير له لموافقته لما في النوادر وهو مقدم على ما يدل عليه كلام ابن رشد . ا هـ . كلام طفى وقد اختصره البناني وأقره . أقول في قوله وأما ابن القاسم فقد سوى بين الأصول وغيرها نظر ، فإن نص المدونة لا يقيد ذلك ، إذ الظاهر أن التشبيه فيه في التفويت وعدم سماع الدعوى والبينة وإن اختلفت مدة الحيازة ، بدليل ذكره وطء الأمة الذي لا يشترط فيه طول المدة ، وبدليل تخصيص الرباع في قوله ولم يحد لي مالك في الحيازة في الرباع إلخ ، وبدليل تقديم التشبيه على بيان المدة ، والله أعلم



[ ص: 3 ] باب ) في بيان أحكام الدماء والقصاص وما يتعلق بذلك

البساطي هذا باب متسع ، فينبغي الالتفات إليه ، إذ لا شك أن حفظ النفس مجمع عليه ، بل هو من الخمس المجمع عليها في كل ملة . ابن عرفة نقل الأصوليون إجماع الملل على وجوب حفظ الأديان والنفوس والعقول والأعراض والأموال ، وذكر بعضهم الأنساب بدل الأموال ، ولا شك أن قتل المسلم عمدا عدوانا كبيرة ليس بعد الكفر أعظم منها ، وفي قبول توبته وعدمه خلاف بين الصحابة ومن بعدهم .

ابن رشد اختلف السلف ومن بعدهم في قبول توبة القاتل عمدا عدوانا وإنفاذ الوعيد عليه على قولين ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا توبة له ، وأن الوعيد لا حق به لا محالة ، ومنهم من ذهب إلى أنه في المشيئة ، وأن توبته مقبولة ، وأما من قال إنه مخلد في النار أبدا ، فقد أخطأ وخالف السنة ، لأن قتله لا يحبط إيمانه ، ولا صالح أعماله ، لأن السيئات لا تبطل الحسنات وأخذ الأول من قول الإمام مالك " رضي الله عنه " لا تجوز إمامته ، ورده ابن عرفة بأن قبول التوبة أمر باطن ، وموجب نصب الإمامة أمر ظاهر ، فلا يلزم من منع إمامته الجزم بعدم قبول توبته ، ونصه ابن رشد عمد قتل المسلم عدوانا كبيرة ليس بعد الكفر أعظم منه ، وفي قبول التوبة منه وإنفاذ وعيده مذهبا الصحابة ومن بعدهم ، وإلى الثاني ذهب مالك " رضي الله عنه " لقوله لا تجوز إمامته .

قلت لا يلزم منه عدم قبول توبته لعدم رفع سابق جرأته وقبول التوبة أمر باطن ، وموجب نصب الإمام أمر ظاهر ، وأخذ الأول من قول مالك " رضي الله عنه " ليكثر العمل [ ص: 4 ] الصالح والصدقة والجهاد والحج في سماع عيسى قول مالك " رضي الله عنه " ليكثر العمل الصالح والصدقة والجهاد ، ويلزم الثفور من تعذر منه القود دليل رجائه قبول توبته خلاف قوله لا تجوز إمامته والقول بتخليده خلاف السنة ، ومن توبته عرض نفسه على ولي المقتول قودا أو دية ، وإن فعل القاتل عمدا عدوانا قصاصا فقيل قتله كفارة له لقوله صلى الله عليه وسلم { الحدود كفارات لأهلها } ، وقيل ليس بكفارة لأن المقتول لا ينتفع بقتل قاتله ، وإنما منفعته للأحياء زجرا وتشفيا ، والمراد بالحديث حقوق الله تعالى المحضة .

( فائدتان )

الأولى : سئل عن قوله تعالى { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } ، بأن التشبيه في الكلام العربي بين المتقاربين جدا وقتل جميع الناس بعيد جدا من قتل النفس الواحدة وكذلك الإحياء . وأجيب بأن المراد بالنفس إمام مسقط أو حاكم عدل أو ولي ترجى بركته العامة ، أو عالم شرعي ينفع المسلمين بعلمه أو نبي أو رسول فلعموم مفسدة قتله كان قتله كقتل كل من كان ينتفع به وهم المراد بالناس جميعا .

الثانية : قوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } ، قيل الخطاب فيه للورثة لأنهم إذا اقتصوا فقد سلموا وحيوا بدفع شر القاتل عنهم الذي صار عدوهم .

وقيل للقاتلين لأنهم إذا اقتص منهم محي الإثم عنهم فيحيون حياة معنوية . وقيل للناس وفي الكلام حذف والأصل ولكم في مشروعية القصاص حياة لأن الشخص إذا علم أنه يقتص منه يكف نفسه عن القتل فيحيا هو ومن أراد قتله . وقيل لا حذف والقصاص نفسه فيه الحيازة للجاني بسلامته من الإثم ولغيره بدفع شر الجاني والقصاص إما من نفس وإما من طرف .




الخدمات العلمية