الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العتق باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت

                                                                      3926 حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو بدر حدثني أبو عتبة إسمعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم [ ص: 339 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 339 ] أول كتاب العتق

                                                                      بكسر المهملة إزالة الملك يقال : عتق يعتق عتقا بكسر أوله وتفتح وعتاقا وعتاقة قال الأزهري : مشتق من قولهم عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء ذكره الزرقاني .

                                                                      1 - باب في المكاتب

                                                                      بالفتح من تقع عليه الكتابة وبالكسر من تقع منه وكاف الكتابة تفتح وتكسر قال الراغب : اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى : كتب عليكم الصيام إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أو بمعنى جمع وضم ومنه كتب على الخط .

                                                                      فعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام وعلى الثاني مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا . قال ابن التين : كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ( يؤدي ) من الأداء ( بعض كتابته فيعجز ) أي : عن أداء بعضها ( أو يموت ) قبل أداء البعض .

                                                                      ( عبد ) أي : تجري عليه أحكام الرق ( ما بقي ) ما دائمة ( من كتابته درهم ) [ ص: 340 ] وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أثناء حديث وأخرج مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء .

                                                                      حدث مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار كانا يقولان : المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء . وقد روى ابن أبي شيبة وابن سعد عن سليمان بن يسار قال : استأذنت على عائشة فعرفت صوتي فقالت : سليمان فقلت : سليمان . فقالت : أديت ما بقي عليك من كتابتك؟ قلت : نعم إلا شيئا يسيرا قالت : ادخل فإنك عبد ما بقي عليك شيء .

                                                                      [ ص: 341 ] وروى الشافعي وسعيد بن منصور عن زيد بن ثابت : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .

                                                                      قال مالك بن أنس وهو رأيي . قلت : وبه قال أكثر الأئمة وكان فيه خلاف عن السلف فعن علي إذا أدى الشطر فهو غريم وعنه يعتق منه بقدر ما أدى .

                                                                      وعن ابن مسعود : لو كاتبه على مائتين وقيمته مائة فأدى المائة عتق .

                                                                      [ ص: 342 ] وعن عطاء : إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته عتق . وروى النسائي عن ابن عباس مرفوعا : " المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى " ورجال إسناده ثقات لكن اختلف في إرساله ووصله . وحجة الجمهور حديث عائشة الآتي وهو أقوى ووجه الدلالة منه أن بريرة بيعت بعد أن كوتبت ولولا أن المكاتب يصير بنفس الكتابة حرا لمنع بيعها . وقد ناظر زيد بن ثابت عليا - رضي الله عنه - فقال : أترجمه لو زنى أو تجيز شهادته إن شهد؟ فقال علي : لا فقال زيد : فهو عبد ما بقي عليه شيء . ذكره الزرقاني .

                                                                      [ ص: 343 ] وقال الخطابي : هذا حجة لمن رأى أن بيع المكاتب جائز لأنه إذا كان عبدا فهو مملوك وإذا كان باقيا على أصل ملكه ولم يحدث لغيره فيه ملك كان غير ممنوع من بيعه .

                                                                      وفيه دليل على أن المكاتب إذا مات قبل أن يؤدي نجومه بكمالها لم يكن محكوما بعتقه وإن ترك وفاء لأنه إذا مات وهو عبد لم يصر حرا بعد الموت ويأخذ المال سيده ويكون أولاده رقيقا له .

                                                                      وقد روي هذا عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل انتهى .

                                                                      [ ص: 344 ] وقال الأردبيلي في الأزهار : قال الأكثرون إذا مات المكاتب قبل أداء النجوم أو بعضها مات رقيقا قل الباقي أو كثر ترك وفاء أو لم يترك خلف ولدا أو لم يخلف لهذا الحديث .

                                                                      وقال أبو حنيفة : إن ترك وفاء عتق أو لم يترك فلا . وقال مالك : إن خلف ولدا عتق وإلا فلا . وفيه دليل على أن المكاتب لا يعتق إلا بأداء جميع النجوم وبه قال الأكثرون من الصحابة والتابعين وغيرهم انتهى .

                                                                      قال المنذري : وقد تقدم الكلام على عمرو بن شعيب ، وفيه أيضا إسماعيل بن عياش وفيه مقال انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية