الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بني ]

                                                          بني : بنا في الشرف يبنو ، وعلى هذا تئول قول الحطيئة :


                                                          أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا .



                                                          قال ابن سيده : قالوا إنه جمع بنوة أو بنوة ، قال الأصمعي : أنشدت أعرابيا هذا البيت أحسنوا البنا ، فقال : أي بنا أحسنوا البنا ، أراد بالأول أي بني . والابن : الولد ، ولامه في الأصل منقلبة عن واو عند بعضهم كأنه من هذا . وقال في معتل الياء : الابن الولد ، فعل محذوفة اللام مجتلب لها ألف الوصل ; قال : وإنما قضى أنه من الياء لأن بنى يبني أكثر في كلامهم من يبنو ، والجمع أبناء . وحكى اللحياني : أبناء أبنائهم . قال ابن سيده : والأنثى ابنة وبنت ، الأخيرة على غير بناء مذكرها ، ولام بنت واو ، والتاء بدل منها ، قال أبو حنيفة : أصله بنوة ووزنها فعل ، فألحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن حلس ، فقالوا : بنت ، وليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظن من لا خبرة له بهذا اللسان ، وذلك لسكون ما قبلها ، هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح ، وقد نص عليه في باب ما لا ينصرف فقال : لو سميت بها رجلا لصرفتها معرفة ، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم ، على أن سيبويه قد تسمح في بعض ألفاظه في الكتاب فقال في بنت : هي علامة تأنيث ، وإنما ذلك تجوز منه في اللفظ لأنه أرسله غفلا ، وقد قيده وعلله في باب ما لا ينصرف ، والأخذ بقوله المعلل أقوى من القول بقوله المغفل المرسل ، ووجه تجوزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيها إلا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث ; قال : وأعني بالصيغة فيها بناءها على فعل وأصلها فعل بدلالة تكسيرهم إياها على أفعال ، وإبدال الواو فيها لازم لأنه عمل اختص به المؤنث ، ويدل أيضا على ذلك إقامتهم إياه مقام العلامة الصريحة وتعاقبها فيها على الكلمة الواحدة ، وذلك نحو ابنة وبنت فالصيغة في بنت قائمة مقام الهاء في ابنة فكما أن الهاء علامة تأنيث فكذلك صيغة بنت علامة تأنيثها ، وليست بنت من ابنة كصعب من صعبة ، إنما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن ، ولا دلالة لك في البنوة على أن الذاهب من بنت واو ، لكن إبدال التاء من حرف العلة يدل على أنه من الواو ; لأن إبدال التاء من الواو أضعف من إبدالها من الياء . وقال ابن سيده في موضع آخر : قال سيبويه : وألحقوا ابنا الهاء فقالوا ابنة ; قال : وأما بنت فليس على ابن ، وإنما هي صيغة على حدة ، ألحقوها الياء للإلحاق ثم أبدلوا التاء منها ، وقيل : إنها مبدلة من واو ، قال سيبويه : وإنما بنت كعدل ، والنسب إلى بنت بنوي ، وقال يونس : بنتي وأختي ، قال ابن سيده : وهو مردود عند سيبويه . وقال ثعلب : العرب تقول هذه بنت فلان وهذه ابنة فلان ، بتاء ثابتة في الوقف والوصل ، وهما لغتان جيدتان ; قال : ومن قال ابنة فهو خطأ ولحن . قال الجوهري : لا تقل ابنة لأن الألف إنما اجتلبت لسكون الباء ، فإذا حركتها سقطت ، والجمع بنات لا غير . قال الزجاج : ابن كان في الأصل بنو أو بنو ، والألف ألف وصل في الابن ، يقال : ابن بين البنوة ; قال : ويحتمل أن يكون أصله بنيا ; قال : والذين قالوا بنون كأنهم جمعوا بنيا بنون ، وأبناء جمع فعل أو فعل ; قال : وبنت تدل على أنه يستقيم أن يكون فعلا ، ويجوز أن يكون فعلا نقلت إلى فعل كما نقلت أخت من فعل إلى فعل فأما بنات فليس بجمع بنت على لفظها ، إنما ردت إلى أصلها فجمعت بنات ، على أن أصل بنت فعلة مما حذفت لامه . قال : والأخفش يختار أن يكون المحذوف من ابن الواو ; قال : لأنه أكثر ما يحذف لثقله والياء تحذف أيضا لأنها تثقل ; قال : والدليل على ذلك أن يدا قد أجمعوا على أن المحذوف منه الياء ، ولهم دليل قاطع مع الإجماع يقال يديت إليه يدا ، ودم محذوف منه الياء ، والبنوة ليس بشاهد قاطع للواو ; لأنهم يقولون الفتوة والتثنية فتيان ، فابن يجوز أن يكون المحذوف منه الواو أو الياء ، وهما عندنا متساويان . قال الجوهري : والابن أصله بنو ، والذاهب منه واو كما ذهب من أب وأخ ; لأنك تقول في مؤنثه : بنت وأخت ، ولم نر هذه الهاء تلحق مؤنثا إلا ومذكره محذوف الواو ، يدلك على ذلك أخوات وهنوات فيمن رد ، وتقديره من الفعل فعل بالتحريك ; لأن جمعه أبناء مثل جمل وأجمال ، ولا يجوز أن يكون فعلا أو فعلا اللذين جمعهما أيضا أفعال مثل جذع وقفل ; لأنك تقول في جمعه بنون بفتح الباء ، ولا يجوز أيضا أن يكون فعلا ساكنة العين ; لأن الباب في جمعه إنما هو أفعل مثل كلب وأكلب ، أو فعول مثل فلس وفلوس . وحكى الفراء عن العرب : هذا من ابناوات الشعب ، وهم حي من كلب . وفي التنزيل العزيز : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ; كنى ببناته عن نسائهم ، ونساء أمة كل نبي بمنزلة بناته ، وأزواجه بمنزلة أمهاتهم ، قال ابن سيده : هذا قول الزجاج . قال سيبويه : وقالوا ابنم فزادوا الميم كما زيدت في فسحم ودلقم ، وكأنها في ابنم أمثل قليلا ; لأن الاسم محذوف اللام ، فكأنها عوض منها وليس في فسحم ونحوه حذف ، فأما قول رؤبة :

                                                          [ ص: 159 ]

                                                          بكاء ثكلى فقدت حميما     فهي ترثي بأب وابناما .



                                                          فإنما أراد : وابنيما ، لكن حكى ندبتها ، واحتمل الجمع بين الياء والألف ههنا لأنه أراد الحكاية ، كأن النادبة آثرت وا ابنا على وا ابني ; لأن الألف ههنا أمتع ندبا وأمد للصوت ; إذ في الألف من ذلك ما ليس في الياء ، ولذلك قال بأبا ولم يقل بأبي ، والحكاية قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ألا ترى أنهم قد قالوا من زيدا في جواب من قال رأيت زيدا ، ومن زيد في جواب من قال مررت بزيد ؟ ويروى :


                                                          فهي تنادي بأبي وابنيما



                                                          فإذا كان ذلك فهو على وجهه وما في كل ذلك زائدة ، وجمع البنت بنات ، وجمع الابن أبناء ، وقالوا في تصغيره : أبينون ، قال ابن شميل : أنشدني ابن الأعرابي لرجل من بني يربوع ، قال ابن بري : هو السفاح بن بكير اليربوعي :


                                                          من يك لا ساء ، فقد ساءني     ترك أبينيك إلى غير راع
                                                          إلى أبي طلحة ، أو واقد     عمري فاعلمي للضياع .



                                                          قال : أبيني تصغير بنين ، كأن واحده إبن مقطوع الألف ، فصغره فقال أبين ، ثم جمعه فقال أبينون ، قال ابن بري عند قول الجوهري كأن واحده إبن ; قال : صوابه كأن واحده أبنى مثل أعمى ليصح فيه أنه معتل اللام ، وأن واوه لام لا نون بدليل البنوة ، أو أبن بفتح الهمزة على ميل الفراء أنه مثل أجر ، وأصله أبنو ; قال : وقوله فصغره فقال أبين إنما يجيء تصغيره عند سيبويه أبين مثل أعيم . وقال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " . قال ابن الأثير : الهمزة زائدة وقد اختلف في صيغتها ومعناها ، فقيل : إنه تصغير أبنى كأعمى وأعيم ، وهو اسم مفرد يدل على الجمع ، وقيل : إن ابنا يجمع على أبنا مقصورا وممدودا ، وقيل : هو تصغير ابن ، وفيه نظر . وقال أبو عبيد : هو تصغير بني جمع ابن مضافا إلى النفس ; قال : وهذا يوجب أن يكون صيغة اللفظة في الحديث أبيني بوزن سريجي ، وهذه التقديرات على اختلاف الروايات والاسم البنوة . قال الليث : البنوة مصدر الابن . يقال : ابن بين البنوة . ويقال : تبنيته أي ادعيت بنوته . وتبناه : اتخذه ابنا . وقال الزجاج : تبنى به يريد تبناه . وفي حديث أبي حذيفة : أنه تبنى سالما أي اتخذه ابنا ، وهو تفعل من الابن ، والنسبة إلى الأبناء بنوي وأبناوي نحو الأعرابي ، ينسب إلى الأعراب ، والتصغير بني . قال الفراء : يا بني ويا بني لغتان مثل يا أبت ويا أبت ، وتصغير أبناء أبيناء ، وإن شئت أبينون على غير مكبره . قال الجوهري : والنسبة إلى ابن بنوي ، وبعضهم يقول ابني ; قال : وكذلك إذا نسبت إلى أبناء فارس قلت بنوي ; قال : وأما قولهم أبناوي فإنما هو منسوب إلى أبناء سعد ; لأنه جعل اسما للحي أو للقبيلة ، كما قالوا مدايني جعلوه اسما للبلد ; قال : وكذلك إذا نسبت إلى بنت أو إلى بنيات الطريق قلت بنوي لأن ألف الوصل عوض من الواو ، فإذا حذفتها فلا بد من رد الواو . ويقال : رأيت بناتك ، بالفتح ، ويجرونه مجرى التاء الأصلية . وبنيات الطريق : هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة ، وهي الترهات . والأبناء : قوم من أبناء فارس . وقال في موضع آخر : وأبناء فارس قوم من أولادهم ارتهنتهم العرب ، وفي موضع آخر : ارتهنوا باليمن وغلب عليهم اسم الأبناء كغلبة الأنصار ، والنسب إليهم في ذلك أبناوي في لغة بني سعد ، كذلك حكاه سيبويه عنهم ; قال : وحدثني أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون في الإضافة إليه بنوي ، يردونه إلى الواحد ، فهذا على أن لا يكون اسما للحي ، والاسم من كل ذلك البنوة . وفي الحديث : وكان من الأبناء ; قال : الأبناء في الأصل جمع ابن . ويقال لأولاد فارس الأبناء ، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن ، لما جاء يستنجدهم على الحبشة ، فنصروه وملكوا اليمن وتديروها وتزوجوا في العرب فقيل لأولادهم : الأبناء ، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم . وللأب والابن والبنت أسماء كثيرة تضاف إليها ، وعدد الأزهري منها أشياء كثيرة فقال ما يعرف بالابن : قال ابن الأعرابي ابن الطين آدم - عليه السلام - وابن ملاط العضد ، وابن مخدش رأس الكتف ، ويقال إنه النغض أيضا ، وابن النعامة عظم الساق وابن النعامة عرق في الرجل ، وابن النعامة محجة الطريق ، وابن النعامة الفرس الفارة ، وابن النعامة الساقي الذي يكون على رأس البئر ، ويقال للرجل العالم : هو ابن بجدتها وابن بعثطها وابن سرسورها وابن ثراها وابن مدينتها وابن زوملتها أي العالم بها ، وابن زوملة أيضا ابن أمة ، وابن نفيلة ابن أمة ، وابن تامورها العالم بها ، وابن الفأرة الدرص ، وابن السنور الدرص أيضا ، وابن الناقة البابوس ; قال : ذكره ابن أحمر في شعره ، وابن الخلة ابن مخاض ، وابن عرس السرعوب ، وابن الجرادة السرو ، وابن الليل اللص ، وابن الطريق اللص أيضا ، وابن غبراء اللص أيضا ، وقيل في قول طرفة :


                                                          رأيت بني غبراء لا ينكرونني .



                                                          إن بني غبراء اسم للصعاليك الذين لا مال لهم سموا بني غبراء للزوقهم بغبراء الأرض ، وهو ترابها ، أراد أنه مشهور عند الفقراء والأغنياء ، وقيل : بنو غبرائهم الرفقة يتناهدون في السفر ، وابن إلاهة وألاهة ضوء الشمس ، وهو الضح ، وابن المزنة الهلال ، ومنه قوله :


                                                          رأيت ابن مزنتها جانحا .



                                                          وابن الكروان الليل وابن الحبارى النهار وابن تمرة طائر ويقال التمرة ، وابن الأرض الغدير وابن طامر البرغوث ، وابن طامر الخسيس من الناس ، وابن هيان وابن بيان وابن هي وابن بي كله الخسيس من الناس ، وابن النخلة الدنيء ، وابن البحنة السوط والبحنة النخلة الطويلة ، وابن الأسد الشيع والحفص ، وابن القرد الحودل والرباح ، وابن البراء أول يوم من الشهر ، وابن المازن النمل ، وابن الغراب البج ، وابن الفوالي الجان يعني الحية ، وابن القاوية فرخ الحمام ، وابن الفاسياء القرنبى ، وابن الحرام السلا ، وابن الكرم [ ص: 160 ] القطف ، وابن المسرة غصن الريحان ، وابن جلا السيد ، وابن دأية الغراب ، وابن أوبر الكمأة ، وابن قترة الحية ، وابن ذكاء الصبح ، وابن فرتنى وابن ترنى ابن البغية ، وابن أحذار الرجل الحذر ، وابن أقوال الرجل الكثير الكلام ، وابن الفلاة الحرباء ، وابن الطود الحجر ، وابن جمير الليلة التي لا يرى فيها الهلال ، وابن آوى سبغ ، وابن مخاض وابن لبون من أولاد الإبل . ويقال للسقاء : ابن الأديم ، فإذا كان أكبر فهو ابن أديمين وابن ثلاثة آدمة . وروي عن أبي الهيثم أنه قال : يقال هذا ابنك ويزاد فيه الميم فيقال : هذا ابنمك ، فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين فقيل هذا ابنمك ، فضمت النون والميم وأعرب بضم النون وضم الميم ، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك ، تتبع النون الميم في الإعراب والألف مكسورة على كل حال ، ومنهم من يعربه من مكان واحد فيعرب الميم ; لأنها صارت آخر الاسم ويدع النون مفتوحة على كل حال فيقول هذا ابنمك ، ومررت بابنمك ، ورأيت ابنمك ، وهذا ابنم زيد ، ومررت بابنم زيد ، ورأيت ابنم زيد ; وأنشد لحسان :


                                                          ولدنا بني العنقاء وابني محرق     فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما .



                                                          وزيادة الميم فيه كما زادوها في شدقم وزرقم وشجعم لنوع من الحيات ، وأما قول الشاعر :


                                                          ولم يحم أنفا عند عرس ولا ابنم .



                                                          فإنه يريد الابن ، والميم زائدة . ويقال فيما يعرف ببنات : بنات الدم بنات أحمر ، وبنات المسند صروف الدهر ، وبنات معى البعر ، وبنات اللبن ما صغر منها ، وبنات النقا هي الحلكة تشبه بهن بنان العذارى ، قال ذو الرمة :


                                                          بنات النقا تخفى مرارا وتظهر .



                                                          وبنات مخر وبنات بخر سحائب يأتين قبل الصيف منتصبات ، وبنات غير الكذب ، وبنات بئس الدواهي وكذلك بنات طبق وبنات برح وبنات أودك وابنة الجبل الصدى ، وبنات أعنق النساء ، ويقال : خيل نسبت إلى فحل يقال له أعنق ، وبنات صهال الخيل ، وبنات شحاج البغال ، وبنات الأخدري الأتن ، وبنات نعش من الكواكب الشمالية ، وبنات الأرض الأنهار الصغار ، وبنات المنى الليل ، وبنات الصدر الهموم ، وبنات المثال النساء ، والمثال الفراش ، وبنات طارق بنات الملوك ، وبنات الدو حمير الوحش وهي بنات صعدة أيضا ، وبنات عرجون الشماريخ ، وبنات عرهون الفطر ، وبنت الأرض وابن الأرض ضرب من البقل ، والبنات التماثيل التي يلعب بها الجواري . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : كنت ألعب مع الجواري بالبنات أي التماثيل التي تلعب بها الصبايا . وذكر لرؤبة رجل فقال : كان إحدى بنات مساجد الله تعالى ، كأنه جعله حصاة من حصى المسجد . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه سأل رجلا قدم من الثغر فقال : هل شرب الجيش في البنيات الصغار ؟ قال : لا ، إن القوم ليؤتون بالإناء فيتداولونه حتى يشربوه كلهم ، البنيات ههنا : الأقداح الصغار وبنات الليل الهموم ، أنشد ثعلب :


                                                          تظل بنات الليل حولي عكفا     عكوف البواكي بينهن قتيل .



                                                          وقول أمية بن أبي عائذ الهذلي :


                                                          فسبت بنات القلب ، فهي رهائن     بخبائها كالطير في الأقفاص .



                                                          إنما عنى ببناته طوائفه ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          يا سعد يا ابن عملي يا سعد .



                                                          أراد : من يعمل عملي أو مثل عملي ; قال : والعرب تقول في الرفق بني الحلم أي مثله . والبني : نقيض الهدم ، بنى البناء البناء بنيا وبناء وبنى ، مقصور ، وبنيانا وبنية وبناية وابتناه وبناه ; قال :


                                                          وأصغر من قعب الوليد ، ترى به     بيوتا مبناة وأودية خضرا .



                                                          يعني العين ، وقول الأعور الشني في صفة بعير أكراه :


                                                          لما رأيت محمليه أنا     مخدرين ، كدت أن أجنا
                                                          قربت مثل العلم المبنى .



                                                          شبه البعير بالعلم لعظمه وضخمه ، وعنى بالعلم القصر يعني أنه شبهه بالقصر المبني المشيد ، كما قال الراجز :


                                                          كرأس الفدن المؤيد .



                                                          والبناء : المبني ، والجمع أبنية ، وأبنيات جمع الجمع ، واستعمل أبو حنيفة البناء في السفن فقال يصف لوحا يجعله أصحاب المراكب في بناء السفن : وإنه أصل البناء فيما لا ينمى كالحجر والطين ونحوه . والبناء : مدبر البنيان وصانعه ، فأما قولهم في المثل : أبناؤها أجناؤها ، فزعم أبو عبيد أن أبناء جمع بان كشاهد وأشهاد ، وكذلك أجناؤها جمع جان . والبنية والبنية : ما بنيته وهو البنى والبنى ; وأنشد الفارسي عن أبي الحسن :


                                                          أولئك قوم ، إن بنوا أحسنوا البنى     وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا .



                                                          ويروى : أحسنوا البنى ، قال أبو إسحاق : إنما أراد بالبنى جمع بنية ، وإن أراد البناء الذي هو ممدود جاز قصره في الشعر ، وقد تكون البناية في الشرف ، والفعل كالفعل ، قال يزيد بن الحكم :


                                                          والناس مبتنيان : مح     مود البناية ، أو ذميم .



                                                          وقال لبيد :


                                                          فبنى لنا بيتا رفيعا سمكه     فسما إليه كهلها وغلامها .



                                                          ابن الأعرابي : البنى الأبنية من المدر أو الصوف ، وكذلك البنى من الكرم ; وأنشد بيت الحطيئة :


                                                          أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى .



                                                          وقال غيره : يقال بنية ، وهي مثل رشوة ورشا ، كأن البنية الهيئة التي بني عليها مثل المشية والركبة . وبنى فلان بيتا بناء وبنى ، مقصورا ، [ ص: 161 ] شدد للكثرة . وابتنى دارا وبنى بمعنى . والبنيان : الحائط . الجوهري : والبنى ، بالضم مقصور ، مثل البنى . يقال : بنية وبنى وبنية وبنى ، بكسر الباء مقصور ، مثل جزية وجزى ، وفلان صحيح البنية أي الفطرة . وأبنيت الرجل : أعطيته بناء أو ما يبتني به داره ، وقول البولاني :


                                                          نستوقد النبل بالحضيض ، ونص     طاد نفوسا بنت على الكرم .



                                                          أي بنيت ، يعني إذا أخطأ يوري النار . التهذيب : أبنيت فلانا بيتا إذا أعطيته بيتا يبنيه أو جعلته يبني بيتا ، ومنه قول الشاعر :


                                                          لو وصل الغيث أبنين امرأ     كانت له قبة سحق بجاد .



                                                          قال ابن السكيت : قوله لو وصل الغيث أي لو اتصل الغيث لأبنين امرأ سحق بجاد بعد أن كانت له قبة ، يقول : يغرن عليه فيخربنه فيتخذ بناء من سحق بجاد بعد أن كانت له قبة . وقال غيره يصف الخيل فيقول : لو سمنها الغيث بما ينبت لها لأغرت بها على ذوي القباب فأخذت قبابهم حتى تكون البجد لهم أبنية بعدها . والبناء : يكون من الخباء ، والجمع أبنية . والبناء : لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السكون أو الحركة لا لشيء أحدث ذلك من العوامل ، وكأنهم إنما سموه بناء ; لأنه لما لزم ضربا واحدا فلم يتغير تغير الإعراب ، سمي بناء من حيث كان البناء لازما موضعا لا يزول من مكان إلى غيره ، وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المبتذلة كالخيمة والمظلة والفسطاط والسرادق ونحو ذلك ، وعلى أنه مذ أوقع على هذا الضرب من المستعملات المزالة من مكان إلى مكان لفظ البناء تشبيها بذلك من حيث كان مسكونا وحاجزا ومظلا بالبناء من الآجر والطين والجص . والعرب تقول في المثل : إن المعزى تبهي ولا تبني أي لا تعطي من الثلة ما يبنى منها بيت ، المعنى أنها لا ثلة لها حتى تتخذ منها الأبنية أي لا تجعل منها الأبنية لأن أبنية العرب طراف وأخبية ، فالطراف من أدم ، والخباء من صوف أو أدم ولا يكون من شعر ، وقيل : المعنى أنها تخرق البيوت بوثبها عليها ولا تعين على الأبنية ، ومعزى الأعراب جرد لا يطول شعرها فيغزل ، وأما معزى بلاد الصرد وأهل الريف فإنها تكون وافية الشعور والأكراد يسوون بيوتهم من شعرها . وفي حديث الاعتكاف : فأمر ببنائه فقوض ، البناء واحد الأبنية ، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، فمنها الطراف والخباء والبناء والقبة المضرب . وفي حديث سليمان - عليه السلام - : من هدم بناء ربه - تبارك وتعالى - فهو ملعون ، يعني من قتل نفسا بغير حق لأن الجسم بنيان خلقه الله وركبه . والبنية على فعيلة : الكعبة لشرفها إذ هي أشرف مبني . يقال : لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا . وفي حديث البراء بن معرور : رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر ، يريد الكعبة ، وكانت تدعى بنية إبراهيم - عليه السلام - ; لأنه بناها ، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية . وبنى الرجل : اصطنعه ، قال بعض المولدين :


                                                          يبني الرجال ، وغيره يبني القرى     شتان بين قرى وبين رجال .



                                                          وكذلك ابتناه . وبنى الطعام لحمه يبنيه بناء : أنبته وعظم من الأكل ; وأنشد :


                                                          بنى السويق لحمها واللت     كما بنى بخت العراق القت .



                                                          قال ابن سيده : وأنشد ثعلب :


                                                          مظاهرة شحما عتيقا وعوططا     فقد بنيا لحما لها متبانيا .



                                                          ورواه سيبويه : أنبتا . وروى شمر : أن مخنثا قال لعبد الله بن أبي أمية : إن فتح الله عليكم الطائف فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان ، فإنها إذا جلست تبنت ، وإذا تكلمت تغنت ، وإذا اضطجعت تمنت ، وبين رجليها مثل الإناء المكفإ ، يعني ضخم ركبها ونهوده كأنه إناء مكبوب ، فإذا قعدت فرجت رجليها لضخم ركبها ، قال أبو منصور : ويحتمل أن يكون قول المخنث إذا قعدت تبنت أي صارت كالمبناة من سمنها وعظمها ، من قولهم : بنى لحم فلان طعامه إذا سمنه وعظمه ، قال ابن الأثير : كأنه شبهها بالقبة من الأدم ، وهي المبناة ، لسمنها وكثرة لحمها ، وقيل : شبهها بأنها إذا ضربت وطنبت انفرجت ، وكذلك هذه إذا قعدت تربعت وفرشت رجليها . وتبنى السنام : سمن ، قال يزيد بن الأعور الشني :


                                                          مستجملا أعرف قد تبنى .



                                                          وقول الأخفش في كتاب القوافي : أما غلامي إذا أردت الإضافة مع غلام في غير الإضافة فليس بإيطاء ، لأن هذه الياء ألزمت الميم الكسرة وصيرته إلى أن يبنى عليه ، وقولك لرجل ليس هذا الكسر الذي فيه ببناء ، قال ابن جني : المعتبر الآن في باب غلامي مع غلام هو ثلاثة أشياء : وهو أن غلام نكرة وغلامي معرفة ، وأيضا فإن في لفظ غلامي ياء ثابتة وليس غلام بلا ياء كذلك ، والثالث أن كسرة غلامي بناء عنده كما ذكر ، وكسرة ميم مررت بغلام إعراب لا بناء ، وإذا جاز رجل مع رجل وأحدهما معرفة والآخر نكرة ليس بينهما أكثر من هذا ، فما اجتمع فيه ثلاثة أشياء من الخلاف أجدر بالجواز ، قال : وعلى أن أبا الحسن الأخفش قد يمكن أن يكون أراد بقوله إن حركة ميم غلامي بناء أنه قد اقتصر بالميم على الكسرة ، ومنعت اختلاف الحركات التي تكون مع غير الياء نحو غلامه وغلامك ولا يريد البناء الذي يعاقب الإعراب نحو حيث وأين وأمس . والمبناة والمبناة : كهيئة الستر والنطع . والمبناة والمبناة أيضا : العيبة . وقال شريح بن هانئ : سألت عائشة - رضي الله عنها - عن صلاة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : لم يكن في الصلاة شيء أحرى أن يؤخرها من صلاة العشاء ، قالت : وما رأيته متقيا الأرض بشيء قط إلا أني أذكر يوم مطر فإنا بسطنا له بناء ، قال شمر : قوله بناء أي نطعا ، وهو متصل بالحديث ، قال ابن الأثير : هكذا جاء تفسيره في الحديث ، ويقال له المبناة والمبناة أيضا . وقال أبو عدنان : يقال للبيت هذا بناء آخرته ، عن الهوازني ، قال : [ ص: 162 ] المبناة من أدم كهيئة القبة تجعلها المرأة في كسر بيتها فتسكن فيها ، وعسى أن يكون لها غنم فتقتصر بها دون الغنم لنفسها وثيابها ، ولها إزار في وسط البيت من داخل يكنها من الحر ومن واكف المطر فلا تبلل هي وثيابها ، أنشد ابن الأعرابي للنابغة :


                                                          على ظهره مبناة جديد سيورها     يطوف بها وسط اللطيمة بائع .



                                                          قال : المبناة قبة من أدم . وقال الأصمعي : المبناة حصير أو نطع يبسطه التاجر على بيعه ، وكانوا يجعلون الحصر على الأنطاع يطوفون بها ، وإنما سميت مبناة لأنها تتخذ من أدم يوصل بعضها ببعض ، وقال جرير :


                                                          رجعت وفودهم بتيم بعدما     خرزوا المباني في بني زدهام .



                                                          وأبنيته بيتا أي أعطيته ما يبني بيتا . والبانية من القسي : التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقه بها ، وهو عيب ، وهي الباناة ، طائية . غيره : وقوس بانية بنت على وترها إذا لصقت به حتى يكاد ينقطع . وقوس باناة : فجاء ، وهي التي ينتحي عنها الوتر . ورجل باناة : منحن على وتره عند الرمي . قال امرؤ القيس :


                                                          عارض زوراء من نشم     غير باناة على وتره .



                                                          وأما البائنة فهي التي بانت عن وترها ، وكلاهما عيب . والبواني : أضلاع الزور . والبواني : قوائم الناقة . وألقى بوانيه : أقام بالمكان واطمأن وثبت كألقى عصاه وألقى أرواقه ، والأرواق جمع روق البيت ، وهو رواقه . والبواني : عظام الصدر ، قال العجاج بن رؤبة :


                                                          فإن يكن أمسى شبابي قد حسر     وفترت مني البواني وفتر .



                                                          وفي حديث خالد : فلما ألقى الشام بوانيه عزلني واستعمل غيري ، أي خيره وما فيه من السعة والنعمة . قال ابن الأثير : والبواني في الأصل أضلاع الصدر ، وقيل : الأكتاف والقوائم ، الواحدة بانية . وفي حديث علي - عليه السلام - : ألقت السماء برك بوانيها ، يريد ما فيها من المطر ، وقيل في قوله ألقى الشام بوانيه ، قال : فإن ابن حبلة رواه هكذا عن أبي عبيد ، بالنون ، قبل الياء ، ولو قيل بوائنه ، الياء قبل النون ، كان جائزا . والبوائن جمع البوان ، وهو اسم كل عمود في البيت ما خلا وسط البيت الذي له ثلاث طرائق . وبنيت عن حال الركية : نحيت الرشاء عنه لئلا يقع التراب على الحافر . والباني : العروس الذي يبني على أهله ، قال الشاعر :


                                                          يلوح كأنه مصباح باني .



                                                          وبنى فلان على أهله بناء ، ولا يقال بأهله ، هذا قول أهل اللغة ، وحكى ابن جني : بنى فلان بأهله وابتنى بها عداهما جميعا ، بالباء . وقد زفها وازدفها ، قال : والعامة تقول : بنى بأهله وهو خطأ ، وليس من كلام العرب ، وكأن الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله ليدخل بها فيها فيقال : بنى الرجل على أهله ، فقيل لكل داخل بأهله بان ، وقد ورد بنى بأهله في شعر جران العود ; قال :


                                                          بنيت بها قبل المحاق بليلة     فكان محاقا كله ذلك الشهر .



                                                          قال ابن الأثير : وقد جاء بنى بأهله في غير موضع من الحديث وغير الحديث . وقال الجوهري : لا يقال بنى بأهله ، وعاد فاستعمله في كتابه . وفي حديث أنس : كان أول ما أنزل من الحجاب في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب ، الابتناء والبناء : الدخول بالزوجة ، والمبتنى ههنا يراد به الابتناء فأقامه مقام المصدر . وفي حديث علي - عليه السلام - قال : يا نبي الله متى تبنيني أي تدخلني على زوجتي ؟ قال ابن الأثير : حقيقته متى تجعلني أبتني بزوجتي . قال الشيخ أبو محمد بن بري : وجارية بناة اللحم أي مبنية اللحم ، قال الشاعر :


                                                          سبته معصر ، من حضرموت     بناة اللحم جماء العظام .



                                                          ورأيت حاشية هنا قال : بناة اللحم في هذا البيت بمعنى طيبة الريح ، أي طيبة رائحة اللحم ، قال : وهذا من أوهام الشيخ ابن بري - رحمه الله - . وقوله في الحديث : من بنى في ديار العجم يعمل نيروزهم ومهرجانهم حشر معهم ، قال أبو موسى : هكذا رواه بعضهم ، والصواب تنأ أي أقام ، وسيأتي ذكره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية