الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق السابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب )

اعلم أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا خرجه الترمذي وهي إما لمجرد الذات كقولنا الله فإنه اسم للذات على الصحيح وكذلك إن اختار صاحب الكشاف أنه اسم للذات من حيث هي هي وهو علم عليها واستدل على ذلك بجريان النعوت عليه فتقول الله الرحمن الرحيم وقيل هو اسم للذات مع جملة الصفات فإذا قلنا الله فقد ذكرنا جملة صفات الله تعالى وقلنا الذات الموصوفة [ ص: 57 ] بالصفات الخاصة وهذا المفهوم الإله المعبود وهو الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا المعلوم هو الذي ندعي توحده وتنزهه عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل ، وقد يكون الاسم موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات ، أو موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات ، أو يكون موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدق الباقي في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فهذه خمسة أقسام ثم هي تنقسم بحسب ما يجوز إطلاقه وبحسب ما لا يجوز إطلاقه إلى أربعة أقسام ، ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره ، وما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة فإن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كذا نقله أبو علي والعلامة من كثرت معلوماته والله تعالى كذلك غير أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص فلا يجوز إطلاق شيء من هذه الألفاظ ونحوها ألبتة

( القسم الثالث ) ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا فيقتصر به على محله نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق وقد ورد السمع به في قوله تعالى { والله خير الماكرين } { الله يستهزئ بهم } والمحسن لذلك المقابلة كقوله تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } { قالوا إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم } فحصلت المقابلة بين المكرين والاستهزاءين ن فكان ذلك حسنا لأنه اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته فيقتصر بمثل هذه الألفاظ على موارد السمع ولا يذكر في غير هذه التلاوة فلا نقول اللهم امكر بفلان ولا مكر الله به ولا اللهم استهزئ بفلان ولا استهزأ الله به وكذلك بقية هذا الباب فهذه ثلاثة أقسام لم أعلم فيها خلافا وحكي في هذه الأحكام الإجماع

( القسم الرابع ) ما لم يرد السمع به وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني نحو قولنا يا سيدنا هل يجوز أن ينادى الله تعالى بهذا الاسم أم لا قولان ومدرك الخلاف هل يلاحظ انتفاء المانع [ ص: 58 ] وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو يقول الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من الصلوات ولا عبادة من العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك وقد كان الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله يقول قد ورد حديث في لفظ السيد فعلى هذا يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذا المثل ما أشبهها قال الشيخ أبو الطاهر بن بشير فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة ، وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا يوجب الحلف به كفارة فتنزل الأقسام الأربعة المتقدمة على هذه الفتيا وها هنا ثلاث مسائل ( المسألة الأولى )

قال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة وقال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان منها ما هو مختص به تعالى فهو صريح في الحلف كقولنا والله والرحمن فهذا ينعقد به اليمين بغير نية ومنها ما لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد والقادر والمريد والعالم فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير الموجب وهذا التردد أجمعنا عليه في الطلاق وغيره وأن التردد لا ينصرف للطلاق ولا لمعنى يقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا ووجه التردد في هذه الأسماء المذكورة بين إرادة الله تعالى بها وبين المخلوق واضح وأن البشر يسمى بهذه الأسماء حقيقة وأن هذا اللفظ يطلق على الموضعين بالتواطؤ ولا يتعين اللفظ المتواطئ إلا بالنية وكفى بهذا في بيان التردد والاحتياج للنية وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما ولنا عنه جواب حسن .

وهو أن القاعدة أن الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي وينقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك الجنس كما قلنا في لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوانات ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم والقادر والمريد يصدق على كل عالم وقادر ومريد ومع ذلك فقد نقل أهل العرف قولنا : وحق العليم وغير ذلك من الأسماء مع الحالف إلى خصوص أسماء الله تعالى فهو من المركبات المنقولة فلا يفهم أحد عند سماعه الحلف بهذه الأسماء إلا أسماء الله تعالى خاصة وإذا صارت [ ص: 59 ] الكناية منقولة في العرف إلى معنى آخر صارت صريحة فيه فلذلك ألحقنا كنايات كثيرة في باب الطلاق فكذلك بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف أياها للطلاق فكذلك ها هنا .

وهذا الجواب حسن من حيث الجملة غير أنه لا يطرد في جميع الأسماء وإنما يستقيم في الأسماء التي جرت العادة بالحلف بها فينفي النقل العرفي الاحتمال اللغوي وأما ما لم تجر العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد ونحوهما فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى فلم يشتهر الحلف بها ولم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط ولا حصل في الأسماء القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم هذا هو الفقه ( المسألة الثانية )

قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف ويوجب الكفارة قولك باسم الله لأفعلن وهذه المسألة فيها غور بعيد بسبب أن الاسم ها هنا إن أريد به المسمى استقام الحكم وإن لم يرد به المسمى فقد حكى ابن السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ " اسم " الذي هو ألف سين ميم وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق بلفظ الذهب وإنما الخلاف في لفظ الاسم خاصة وإذا فرعنا على هذا وقلنا الاسم موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ حينئذ فينبغي أن لا تلزم به كفارة ولا يجوز الحلف به كما لو قلنا ورزق الله وعطاء الله فإن إضافة المحدث إلى الله تعالى لا تصيره مما يجوز الحلف به ولا يوجب الكفارة كذلك إذا أضيف الاسم إلى الله تعالى يكون على هذا التقدير إضافة لفظ مخلوق لله عز وجل فلا يوجب كفارة .

وإن قلنا هو موضوع للقدر المشترك بين المسميات والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فاللفظ الدال على القدر المشترك بين جميع المسميات لا يكون [ ص: 60 ] دالا على خصوص واجب الوجود سبحانه وتعالى وما لا يكون دالا عليه لغة لا ينصرف إليه إلا بنية أو عرف ناقل ولا واحد منهما فلا تجب الكفارة ولا يتعين صرف اللفظ لله تعالى فهذا تحرير هذه المسألة ( المسألة الثالثة )

قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه مقامه وقد نص النحاة على ذلك " فائدة " الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق السابع والعشرون والمائة ) قلت جميع ما قاله في هذا الفرق لا بأس به إلا ما قاله في المسألة الثانية من أنه إذا قال باسم الله لأفعلن يحتمل أن يكون إضافة مخلوق إلى الله تعالى على كلا التقديرين في اسم من أن يكون المراد به الاسم الذي هو اللفظ أو المسمى الذي هو المعنى فلا يتعين لما يوجب الكفارة إلا بعرف أو نية

فإن في ذلك نظرا فإن لقائل أن يقول فيه عرف بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 57 - 60 ] الفرق السابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب )

أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا كما خرجه الترمذي وهي تنقسم تقسيمين

( التقسيم الأول ) إلى خمسة أقسام [ ص: 77 ]

( القسم الأول ) ما اختلف في كونه موضوعا لمجرد الذات أو للذات مع جملة صفات الكمال كقولنا الله والقول الأول هو الصحيح الذي اختاره صاحب الكشاف مستدلا على ذلك بجريان النعوت عليه تقول الله الرحمن الرحيم ومفهومه على القول الثاني الإله المعبود بحق أي الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا المفهوم هو الذي ندعي توحده وتفرده عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل

( القسم الثاني ) ما كان موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى

( القسم الثالث ) ما كان موضوعا للذات مع مفهوم وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات

( القسم الرابع ) ما كان موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي الذي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات

( القسم الخامس ) ما كان موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدقه على الباقي في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة كذا قال الأصل وهو إنما يظهر على قول الأشعري وهو الحق أن الزمان متوهم كالمكان ويجعل عليه علامات معلومة تتبدل باختلاف الأحوال فتارة تقول يجيء زيد إذا صلينا العصر وتارة يقال نصلي العصر إذا جاء زيد فهو مجرد اعتبار ويعرف بعلامة تسمحا فيقال متجدد معلوم يقارنه متجدد موهوم إزالة للإيهام وتارة بنفس المقارنة ويوصف بالطول والقصر تبعا لما يتخيل أنه وقع فيه أو على فرض وجوده نظير ما قيل في المكان وفي الحقيقة ليس شيء متحقق يقال له زمان وإلى ذلك [ ص: 78 ] يشير صحيح الحديث القدسي { يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر } أي ليس هناك شيء يقال له الدهر وإنما أنا خالق الأشياء .

وعلى هذا إذا قيل الزمن حادث فمعناه متجدد بعد عدم لا موجود لما أنه اعتباري وذلك لأنه على هذا القول لا مانع من دخول الزمن في وجوده تعالى ألا ترى أنه موجود قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء وهذا الأخير يلزم منه البقاء بالمعنى المذكور ولم يختر اللقاني في الجوهرة أن حقيقة البقاء نفي لحوق العدم لوجوده سبحانه وتعالى وكون النفي على طريقة الامتناع مأخوذ من أنه بقاء واجب محترزا عن البقاء بالمعنى المذكور بقوله كذا بقاء لا يشاب بالعدم إلا لكون البقاء بالمعنى المذكور غير كاف لا لاستحالته كما زعم الشيخ عبد السلام نعم يمتنع دخول الزمان على سبيل الحصر بأن يكون وجوده تعالى ليس إلا في زمان وهذا لا تقتضيه المقارنة ومن هنا اندفعت شبهة ذكرها إمام الحرمين في الإرشاد ونقلها السنوسي في شرح الكبرى والكمال في المسامرة على المسايرة وهو أن إثبات القدم لله تعالى محصلة وجوده في مدد لا أول لها إذ لا وجود إلا في زمن فيلزم إثبات أزمنة قديمة فجوابها منع أنه لا وجود إلا في زمن فإن الزمن على القول بتحققه يخرج عن حادث صاحبه غيره ولا يشترط في وجود الشيء مصاحبة غيره وإن اتفقا كيف وقد ظهر أرجحية عدمه .

وقد قال الشهرستاني إن تقدم الصانع سبحانه وتعالى ذاتي لا في زمن وتقريبه إن تقدم أمس على اليوم كذلك إذ ليس زمن ثالث يقع فيه التقدم وإن عبر عنه بقبل اكتفاء بالاعتبار فالزمن حادث ووجود الصانع ووجوبه ذاتي لا يتقيد به كما في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام على الجوهرة نعم كان على الأصل أن يقتصر على المتوهمة في قوله جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فتأمل والله أعلم

( التقسيم الثاني ) بحسب ما يجوز إطلاقه وما لا إلى أربعة أقسام

( القسم الأول ) ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره

( القسم الثاني ) ما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا [ ص: 79 ] نحو متواضع ودار وعلامة لأن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كما نقله أبو علي والعلامة وإن كان معناه من كثرت معلوماته والله تعالى كذلك إلا أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص كما قال الأصل فتأمل

( القسم الثالث ) ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا وهذا نوعان

( الأول ) ما لم يرد مع المشاكلة كالصبور والحليم والشكور فالأول يوهم وصول مشقة له وفسره في المواقف بالحليم وفسر الحليم قبل بالذي لا يعجل العقاب وهو يوهم تأثرا وانفعالا بالغضب فيكتم والثالث قال في المواقف المجازي على الشكر وقيل يثبت على القليل الكثير .

وقيل المثني على من أطاعه وهو يوهم وصول إحسان له وقد قال ابن عطاء الله في آخر الحكم أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنيا عني وهذا النوع يقبل ويؤول ويقتصر به على محله ولا يجوز في غير مورده إجماعا لإيهام الحقيقة وإنما ورد تنزلا وتلطفا في خطابنا مجازا قال ابن عربي ونخجل إذ سمعنا ذلك وأنشد ( :

إن الملوك وإن جلت مراتبهم لهم مع السوقة الأسرار والسمر

)

( النوع الثاني ) ما ورد مع المشاكلة والمقابلة نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق وقد ورد السمع به مع المشاكلة والمقابلة في نحو قوله تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } أي وجازاهم الله على مكرهم والله خير المجازين وقوله تعالى { قالوا إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم } أي الله يجازيهم على استهزائهم وهذا النوع لكون المشاكلة حسنته على ما هو اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته وصارت قرينة على المجاز بحيث لا تتوهم الحقيقة التي لا تليق به تعالى يجوز في غير مورده مع المشاكلة لا بدونها هذا ما يفيده كلام العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على الجوهرة وهو الحق لا ما يفيده كلام الأصل من عدم جواز هذا القسم في غير مورده مطلقا ولو مع المشاكلة فتأمل

( القسم الرابع ) ما لم يرد السمع به وهو غير موهم نحو قولنا يا سيدنا فلا يجوز إطلاقه عند [ ص: 80 ] الشيخ أبي الحسن الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني ومدرك الخلاف هل يلاحظ ابتغاء المانع وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو لا يلاحظ إلا أن الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من الصلوات ولا في عبادة من العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك نعم قال الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله تعالى قد ورد حديث في لفظ السيد فعليه يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذه المثل لهذه الأقسام الأربعة ما أشبهها وهذه الأقسام الأربعة تنزل على فتوى الشيخ أبي الطاهر بن بشير حيث قال فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا يوجب الحلف به كفارة ا هـ .

فظهر الفرق وها هنا ثلاث مسائل

( المسألة الأولى ) قال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان قسم مختص به تعالى كالله والرحمن فيكون صريحا في الحلف .

وينعقد به اليمين بغير نية وقسم لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد فيكون بسبب تردده بين إرادة الله تعالى وإرادة المخلوق لأن البشر يسمى بذلك حقيقة غير صريح بل من الكنايات لا يكون يمينا إلا بالنية إذ كما أن اللفظ مع التردد لا ينصرف للطلاق ولا للمعنى الذي وقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا .

وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما وقال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة قال الأصل ووجهه أن لفظ العليم والقادر والمريد وإن كان يصدق على كل عالم وقادر ومريد إلا أن أهل العرف نقلوا قولنا والعليم وحق العليم والقادر وحق القادر والمريد وحق المريد ونحو ذلك من الأسماء مع الحلف إلى خصوص [ ص: 81 ] أسماء الله تعالى حتى نفى النقل العرفي الاحتمال اللغوي وصارت الكناية مشتهرة باسم الله تعالى فألحقت بالصريح كما ألحقوا كنايات كثيرة في باب الطلاق بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف إياها للطلاق والقاعدة أن الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي حتى إذا ركب أحدهما مع مفرد آخر منها نقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك الجنس مثلا لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوان ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم ونحوه كان قبل التركيب مع حرف القسم يصدق على كل عالم وبعد التركيب معه نقله أهل العرف لخصوص اسم الله تعالى حتى صار صريحا لا كناية نعم لا ينفع هذا فيما لا تجري العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد فلم يشتهر الحلف بها ونحوهما إذ لعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى بل لم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط .

ولا حصل في الأسماء القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم والمحدث هذا هو الفقه ا هـ . ( المسألة الثانية )

قولك باسم الله لأفعلن قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف به ويوجب الكفارة قال ابن الشاط ووجهه أن لفظ اسم وإن جرى فيه بخصوصه خلاف العلماء في أنه هو المسمى أو لا فقد حكى ابن السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل [ ص: 82 ] هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ اسم خاصة الذي هو ألف سين ميم وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق بلفظ الذهب ا هـ إلا أن فيه عرفا بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم ا هـ .

نعم في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام على الجوهرة أن الخلاف فيما صدقات الاسم ولفظ اسم منها فإنه اسم من الأسماء ولا يلزم اندراج الشيء تحت نفسه وهو تناقض في الجزئية والكلية بل اندراج اللفظ تحت معناه وهو كثير كموجود وشيء ومفرد والتحقيق أنه إن أريد من الاسم اللفظ فهو غير مسماه قطعا أو أريد به ما يفهم منه فهو عين المسمى ولا فرق في ذلك بين جامد ومشتق فيما يقضي به التأمل ا هـ ووجود المسمى فيما يفهم من الاسم ظلي كالصورة في المرآة فلا يلزم من كونه عينه احتراق فم من يقول نارا ولا أن الذهب المعدني يحصل في فم من ينطق بلفظ ذهب فتأمل والله أعلم

( المسألة الثالثة ) قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه مقامه وقد نص النحاة على ذلك

( فائدة ) الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية